دماء أسفل عجلات استهتار قائدي السيارات

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

محمود صالح

وفقًا لما نشره جهاز التعبئة العامة والإحصاء في تقريره السنوي عن حوادث الطرق، انخفض عدد إصابات حوادث الطرق بنسبة 9.3٪، عن العام الماضي، الأمر الذي معه يؤكد أن إسهامات الدولة في تطوير شبكة الطرق قد أتت بثمارها، ومع ذلك، فإن أغلبية الحوادث كان السبب وراءها إما سرعة زائدة، أو إهمال، أو عدم اتباع الإرشادات المرورية، وعليه فإن دراسة مثل هذه الظاهرة باتت ضرورية وحتمية للحد منها ومن خطورتها، وهذا ما نناقشه في السطور التالية.

سباق سرعة بين اثنين من قائدى سيارات النقل الثقيل في الحي الثاني بالمقطم نتج عنه وفاة سائق دراجة نارية، يعمل ديلفري، كان في طريقه إلى توصيل الطعام. وإصابة شخصين في حادث سقوط سيارة «تريلا» محملة بالأسمنت، من أعلى الكوبري في منطقة سيدى عبدالرحمن الجديدة. واصطدام سيارة نقل ثقيل، بعدد من السيارات أعلى الطريق الدائري تسبب في دهس 9 سيارة ومصرع شخص وإصابة 6 آخرين.

تساؤلات

حوادث الطرق في الفترة الأخيرة وأصبحت مخيفة إلى الحد الذي معه تساءل الناس عن كيفية حدوثها وأسبابها، وكيف يمكن مواجهتها والحد منها، حتى أن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أشار في تقريره السنوي الأخير عن أن عدد الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق بلغ أكثر من 7 آلاف شخص خلال العام الماضي. وظهرت التساؤلات على السطح عن السبب وراء هذه الحوادث.

من ناحية الالتزامات المروية أوضح اللواء مدحت قريطم، مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع المرور؛ في حديثه لـ«أخبار الحوادث» قائلا: «الحديث عن فرض عقوبات عن المخالفات التي يرتكبها قائدو مركبات النقل الثقيل مهم، وحتمي، لكن في مقدوري لابد من مراعاة أنهم ثروة قومية، وأن بدونهم تفقد الصناعة أحد أهم أعمدتها الرئيسية، فمثلا نسقت وزارة الداخلية من قبل مع وزارة السياحة على ضرورة وجود سائقين في كل أتوبيس سياحي، تحسبًا لأي ظروف، وضروري أن يطبق هذا على قائدي النقل الثقيل، لأنهم يسافرون لآلاف الكيلو مترات، وطبيعي أن يتعب السائق وأن يصاب بالإجهاد، وبالتالي وجود سائق يتقاسم معه القيادة أمر من شأنه تخفيف معدلات الخطورة».

وأضاف: الأمر الثاني لابد أن يكون هناك دورات متخصصة، كالتي تحدث في مدرسة المرور في 15 مايو، والتي تعطي دورات تثقيفية ومهارية لقائدي السيارات، وبالأخص قائدي سيارات النقل الثقيل، وعليه لابد من تعميم الفكرة وإنشاء هذه المدارس في أكثر من مكان للعمل على تثقيف قائدي السيارات مهنيًا ومهاريًا، وبعد تدريبه وتعليمه وزيادة مهاراته نتوجه للعقوبات المفروضة عليهم، والتي لابد من تغليظها، فلا يصح أن قائد مركبة نتيجة الإهمال قاد سيارة وارتكب حادث نتج عنه وفاة ثلاثة أشخاص فيما أكثر ولا يعاقب إلا بالسجن لمدة لا تزيد عن 7 سنوات».

وعي

من ناحية أخرى، أوضح المهندس جمال عسكر، خبير هندسة الطرق، ورئيس لجنة الصناعة بالنقابة العامة للمهندسين، قائلا: «عدم التزام السائقين باتباع الإرشادات المرورية لابد وأن يراعى في القانون، لأن الدولة من جانبها أسهمت في تطوير شبكة الطرق حتى أصبحت واحدة من أهم شبكات الطرق في العالم، وتكلفتها أكثر من 250 مليار جنيه، لكن على الجانب الآخر لابد من حملات تثقيفية لهؤلاء السائقين من شأنها زيادة وعيهم وإدراكهم لأهمية هذه الطرق ومراعاة سبل القيادة الحكيمة فيها، تفاديًا للحوادث».

وأضاف: «كما لابد من اتباع الإجراءات الاحترازية والسلامة للسيارات التي تسير على الطرق، وتوفير كل الاحتياطات الأمنية فيها، وهذا يأتي عن طريق المتابعة الدورية للسيارات وفحصها فنيا من قبل مراكز الفحص الفني المتنقلة، والموجودة في وحدات تراخيص السيارات بالمرور».

واستكمل: «نتيجة لوجود شبكة الطرق، انخفضت معدلات الحوادث في عام 2016 إلى 24٪، وفي نهاية 2020 تراوح انخفاض معدلات الحوادث من 44٪ إلى 60٪، وهذا وفقًا لما نشره جهاز التعبئة العامة والإحصاء، ومصر الآن تقع في المرتبة رقم 92 من 174 دولة في معدلات حوادث الطرق، ومستهدف مواصلة التقدم في انخفاض معدلات حوادث الطرق. وبالتالي الدولة راعت شق الطرق ونفذته على أكمل وجه، وينقص فقط العمل على زيادة وعي السائقين لتحقيق الانضباط الذي من شأنه تقليل معدلات الحوادث».

جريمة غير عمدية.. ولكن
أما عن العقوبات القانونية التي تطبق على المتسببين في حوادث الطرق، فقد وضح الدكتور مصطفى سعداوي، أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة المنيا، قائلا: «لا أبالغ حينما أقول إن عدد ضحايا الجريمة غير العمدية فاق عدد ضحايا الحرب العالمية، وأن المعوق الأساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية ليس الفساد بل الجريمة غير العمدية.. لا يمكننا دراسة الظاهرة على أنها حوادث مفاجئة أو غير مقصودة؛ فهذه الحوادث تسببت في موت ضحايا كثر صرفت عليهم الدولة ملايين، وشبكة طرق صرفت عليها الدولة مليارات الدولارات، وتعويضات بالجملة، كل هذه خسائر تتحملها الدولة وأهدرت خطتها في التنمية، لذلك ما يفعله سائقو النقل الثقيل من حوادث - في مقدوري - لا يتوقف عند حد القتل الخطأ، بل يمتد إلى إهدار الأرواح والطرق، والتقليل من قوتها الاستيعابية وعمرها الافتراضي».وأضاف سعداوى ان «الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء وجه إشارة لمناقشة هذه الجزئية تحديدًا، خصوصا بعد كم الخسائر التي تتعرض لها الدولة جراء تلك الحوادث من إهدار للأرواح والطرق، أما عن مجال العقوبات فإن هذه الجريمة غائبة عن التشريع، فالسائق مثلا لو قاد عكس الاتجاه أو عطل الطريق أو لو قاد بسرعة جنونية أو سار في طريق غير المخصص له ليس عليه عقوبة قانونية، كلها غرامات يدفعها فورًا وينتهي الأمر، لذلك ليس هناك رادع له».

واستكمل: «المشرع المصري يأخذ بجرائم الضرر وليس بجرائم الخطر، لذلك أي حادث على الطريق نتج عنه وجود ضحايا يُحسب قتل خطأ، مهما زاد عدد الضحايا، وهذا سببه أن قانون العقوبات المصري الذي صدر عام 1937، والمعمول به حتى الآن، قرابة الـ82 سنة، لم يصدر عليه أي تعديلات سوى في عام 1962، في حين أن المشرع الفرنسي والإيطالي رصدا الآثار الكارثية للجريمة غير العمدية، التي تحدث على الطرق وشدد عقوبتها، على حسب الواقعة وحالتها وسبب الحادث، ونحن نساوي بين الإهمال والرعونة وعدم الاحتياط وعدم الاحتراز ومراعاة الأنظمة واللوائح، وبالتالي نحن نعتد بجثامة النتيجة، بمعنى أن الحادث لو نتج عنه قتل أكثر من ثلاثة يعاقب من 3 لـ5 سنوات، ولو كان السائق في حالة سكر يعاقب بالسجن من 3 لـ10، ولذلك لابد من تشديد العقوبة أكثر وأكثر وأن تكون هناك عقوبات تابعة، منها مثلا منعه من القيادة بحد أدنى 5 سنوات».

أقرأ أيضا.. مصرع طالب وإصابة شقيقه في حادث انقلاب دراجة بخارية ببني سويف