نقطة فوق حرف ساخن

مسئولية الدراما الوطنية

عمرو الخياط
عمرو الخياط

فى السنوات الأخيرة.. شهدت الدراما المصرية حالة من التغير.. والعودة إلى الطريق الصحيح..

فرض هذا التغير سياسة وضعتها شركة إنتاج كبرى.. عملت على محو فوضى أصابت الدراما التليفزيونية خاصة فى أعقاب أحداث 25 يناير، فغالى النجوم فى أسعارهم..

وطغت أفكار غربية عن المجتمع فى سيناريوهات الأعمال المقدمة.. وبدلاً من أن تتحول الدراما فى ذلك الوقت إلى جبهة فى حب الوطن..

تحولت إلى عبء على المجتمع الذى كان يبحث عن التوحد والتحول إلى جبهة واحدة فى ظل الظروف التى تمر بها مصر فى هذه الفترة.

وبدأ التحول تدريجياً بعد ما أصاب الدراما التليفزيونية من فوضى.. لتشهد الجبهة الدرامية المصرية طفرة ملموسة تجلت فى العديد من الأعمال التى أنعشت الذاكرة والوجدان المصرى فاصطف المصريون أمام «الممر».. وتابعوا بشغف فى أعلى نسب المشاهدة للأجزاء الثلاثة من «الاختيار».. الذى كتب سيناريوهاته بدماء المصريين وكان خير شاهد للتأريخ على سنوات المواجهة الحاسمة.. ليمثل هذا المسلسل بأجزائه الثلاثة حالة درامية شديدة الجرأة وحالة فريدة من دراما الوعى وإعادة شرح ممتع وجذاب لحقيقة ما جرى فى قالب فنى ذى تأثير إقناعى مذهل.

على التوازى كان هناك أيضاً أعمال مهمة مثل: «العائدون» الذى أعاد للأذهان بشكل فنى مثير.. الدور العظيم الذى يلعبه جهاز المخابرات العامة فى حماية الأمن القومى المصرى وكان من الطبيعى ألا يتوقف المحتوى الدرامى التليفزيونى عند هذا الحد..

أو بمعنى أدق عند حدود جرعات دراما الأمن القومى.. بل امتد إلى مساحة أرحب وصولاً إلى قيمة تجديد الخطاب الدرامى الاجتماعى فكانت أعمال أبوالعروسة وجزيرة غمام وصولاً إلى «بينا ميعاد» الذى يُعرضَ حالياً.. والذى أعاد المشاهد وهو أمر مهم إلى متابعة الدراما من خلال شاشات التليفزيون..

من خلال عمل اجتماعى بسيط فى الفكرة عميق فى المعنى.. يعيد تدعيم الهوية المصرية باعتبارها قيمة إنسانية ضاربة فى جذور التاريخ.. ويعمل بشكل غير مباشر فى ترميم الشخصية المصرية وإعادة بنائها من خلال درجة الوعى الاجتماعى لتربية النشء وصولاً إلى تقديم شخصيات هى أقرب ما تكون إلى الشخصية المصرية الحالية بأخطائها وشرودها.. وأفكارها بدون ابتذال.. بهدف تصحيح الأخطاء وتقديم النموذج للمشكلة وحلها من خلال سياق درامى جذاب قريب إلى المشاهد بعد أن عشنا سنوات المسخ لهذه الشخصية وتسطيح لهويتها.

المؤكد أن هذا المسلسل بأحداثه كان مغامرة كبيرة بدءًا من قبول أبطاله الأدوار التى قدموها.. من  الأم التى تخلت عن جمالها ولديها أربع بنات والأب الذى يعيش من أجل أولاده الأربعة بعد وفاة زوجته.. والاب الذى تتوتر علاقته بابنه بعد وفاة زوجته بسبب قرار الأب بسحب الأجهزة الطبية عن الأم بعد وفاتها اكلينيكيا مجموعة أحداث متشابكة.. تتصاعد دراميًا من حلقة لأخرى متسلسلة داخل وجدان المشاهد مقدمة نماذج مختلفة لمشاكل الشباب لتعيد للخطاب الاجتماعى الدرامى قيمته فى وسط بيئة أفرزت عقولًا شبابية عشوائية.

حينما تقدم الدراما التليفزيونية مثل هذه النماذج والأعمال فإنها تقدم نموذجا فريدا لأهمية القوى الناعمة وتعديل مسار الانحراف الفكرى لبعض الشباب وهو أمر يصب فى خدمة وأولويات ومتطلبات الأمن القومى المصرى وجزء كبير من المستهدفات الإستراتيجية للدولة المدنية الدستورية.

نتوقف عند القيمة الحقيقية التى أحدثتها مثل هذه الأعمال الدرامية فى وجدان الشعب.. فهى أعادت بشكل فعال قيمة الولاء والانتماء للوطن من خلال أعمال مثل: الممر والاختيار والعائدون.. 

هنا وسجلت أحداثاً مهمة مرت بها مصر ولتظل شاهدة للأجيال القادمة على ما مرت به مصر وذلك فى أجزاء الاختيار الثلاثة.. وأعادت صورة المجتمع المصرى الحقيقى الذى تم تشويهه الفترة الماضية وقدموه بصورة مموهة على غير حقيقته، كمجتمع للعنف والمخدرات وصالات الرقص وعادت صورته الجميلة من خلال مسلسلات «أبو العروسة ، وإلا أنا وأخيراً وبينا ميعاد».. لتشكل داخل الوجدان المصرى والعربى حقيقة هذا التكوين المصرى الفريد المسالم وهو النموذج الغالب بين أفراد المجتمع الذى نعيش فيه.

لقد نجحت الدراما المصرية فى الفترة الأخيرة من خلال شركة المتحدة أن تضع جميع المنتجين أمام مسئوليتهم الوطنية وواجهتهم بحقيقة تخليهم وإهمالهم للأجيال القادمة الذى ما زال وعيهم فى مرحلة التكوين والنشأة.. وأن على هؤلاء المنتجين مواجهة الحرب الضروسة التى تواجه شبابنا ومجتمعنا من أجل صد محاولات احتلال ذهنيتهم بأفكار مغلوطة ولا سبيل عن الدراما لتصحيح هذه الأفكار والعودة مرة أخرى لتشكيل خطاب اجتماعى درامى قادر على المواجهة وإعادة الأمور إلى نصابها لأجل وطن يسعى للبناء.. والتقدم.. فى الجمهورية الجديدة.. والدراما خير سند فى هذه المرحلة لهذا البناء وعليهم إزالة القبح والأذى الذى صدرته الدراما عن مصر بقصد وبدون وانقاذ العقول المصرية والقوى الناعمة من الحصار الاجتماعى الذى فُرضَ عليه بألوان مختلفة من التنويعات الفنية.. بعد أن أَلِفَ المجتمع القبح.. وأصبح مفرزاً له بدون قصد.