وجدانيات

لا يدرى ولا يدرى أنه لا يدرى

محمد درويش
محمد درويش

الرجال أربعة
رجل يدرى ويدرى أنه يدرى .. ذلك عالم   
   فخذوا منه. 

ورجل يدرى ولا يدرى أنه يدرى ذلك   
   غافل فأيقظوه . 

ورجل لا يدرى ويدرى أنه لا يدرى .. ذلك
  جاهل فعلموه . 

ورجل لا يدرى ولا يدرى أنه 
  لا يدرى.. ذلك أحمق فتجنبوه . 

مقولة تنسب أحياناً للإمام الشافعى وبعضهم ينسبها لغيره من السلف أدباء أو علماء ولكن لنجعلها لقائلها ولنتمعن فيها فى أيامنا هذه، خاصة هذا الأخير . 
وهو الأحمق

فى البداية عند البحث عن تعريف الأحمق فى المعاجم فإن الحمق صفة مذمومة تعيى صاحبها والناس من حوله، والفطناء يرتبكون عند تحدثهم لأحمق فلا يصلون معه للحق رغم وضوحه . 

فى زمان فائت وقبل ظهور عصر التواصل الاجتماعى وشبكة الإنترنت، كان من السهل على المرء أن يتجنب الأحمق مهما كانت درجة القرب زميلاً كان أم قريباً، كان من الممكن الابتعاد عنه تماماً بشراء دماغك كما يقول أصحابها، وإذا كانت معاشرته جبرية فإنك قد تأخذه على قد عقله لتريح وتستريح . 

ومع إغراقنا فى الشبكة العنكبوتية أصبحت مقابلة الحمقى ليست نوعاً من المصادفة أو «بختك يا أبوبخيت»، بل أصبحت أسماؤهم على صفحاتهم تتراقص أمام عينيك كل لحظة تقريباً خاصة إذا كنت حريصاً على التواصل الدائم على مواقع الفيس بوك وتويتر وتيك توك وانستجرام وغيرها، بل إن البريد الإليكترونى والإيميل صارا أيضاً مدخلاً لكثير من الحمقى الذين يقتحمون عرينك، أحياناً بإساءة الأدب الناتج عن حمقه فى سوء فهم ما دونت أو صرحت به فى سطورك أياً كان المكان الذى خطتها فيه. 

من هؤلاء على صفحات التواصل من يطلب التعليق على ما خطه قلمه ويلح على متابعيه رغم أنه لا يكتب أبداً تعليقاً على أحد أو حتى الضغط على علامة إعجاب، يتصور نفسه الكاتب الأوحد الذى يجب أن يفرض على الجميع قراءة كلماته والتعليق عليها، فلا مفكر إلا هو ولا مؤلف إلا هو والباقى على هامش الفكر والكتابة . 

أجد من يصرخ منذراً أنه سينقى صفحته من الذين لا يتفاعلون معه رغم وصول عددهم إلى الحد الأقصى» خمسة آلاف متابع‮» ، مبرراً بأن المتفاعلين لا يزيدون على مائة أو مائتين بالكثير، ومعظم هؤلاء يقدمون فكراً وآراء مستنيرة وأتصور أن عليهم أن يحمدوا الله على وجود بضعة مئات يتفاعلون معهم بدلاً من مشقة الرد على حمقى فى جدال عميق سيكون مصيرهم «البلوك» ، ليضيف مكانهم أصدقاء جددًا ويظل يدور فى دائرة مفرغة . 

ويتضح لك مدى كثافة تواجد الآلاف من الحمقى على مواقع التواصل عندما تجد أن خبراً تافهاً يحتل ما يطلقون عليه التريند خاصة إذا ارتبط بشخصية شهيرة، وآخرون يقدمون عصارة الفكر والثقافة ولا يحظى بتفاعل إلا ما يمثل واحداً فى الألف من تفاعل الحمقى مع أخبار أبطالها من الحمقى أيضاً . 
الخلاصة أن ما نشاهده فى عصر الشبكة العنكبوتية هو حال بنى آدم منذ الخليقة، دفع ثمنها شفعاء يأتون مؤتزرين، أما الآخرون فهم يأتون عرايا .