«مقدمو المشورة» أهم سلاح لمواجهة الزيادة السكانية

جانب من تدريب مقدمي المشورة على إجراءات الولادة الطبيعية
جانب من تدريب مقدمي المشورة على إجراءات الولادة الطبيعية

لا تزال مصر تواجه عدة تحديات تهدد الأسر المصرية والأمن القومي بسبب زيادة معدلات النمو السكاني المتسارعة، ما يجعل حل القضية السكانية أمرًا حتميًا لا بُد من إعادة النظر به، وبالأرقام والإحصائيات أوضحت مؤشرات المسح السكاني أن نسبة التغطية بوسائل تنظيم الأسرة تصل إلى 66.5%، وأن 30% ممن يستخدمون وسائل تنظيم الأسرة يقومون بوقفه قبل مرور عام، كما أنه بنسبة 20% يكون الحمل غير مرغوب فيه.

النتائج تشير أيضًا إلى معاناة الكثير من أطفال الأسر الكبيرة الذين لم يحصلوا على الرعاية الصحيحة لمواجهة مشكلات صحية جسيمة، فعلى سبيل المثال، وُجد ارتفاع في معدلات الوفيات في حديثي الولادة (18 لكل ألف مولود)، والرضع (25 لكل ألف مولود)، بخلاف ارتفاع نسبة الإصابة بالأنيميا بنسبة من 27 إلى 47% للأطفال تحت عمر 5 سنوات، ما يؤثر في الأداء المدرسي وجودة التعليم والصحة العامة، كما أن معدلات التقزيم لا تزال تصل لـ13%، والبدانة بين الأطفال في ارتفاع مستمر، والسبب هو غياب المشورة المستنيرة التي تنقل المعلومات السليمة في وقت الاحتياج إليها.

الألف يوم الذهبية
ومن هنا يتضح أن تقديم المشورة للأسر وتوعيتها بأهمية تنظيم النسل والرعاية المثلى من أهم الضروريات التي تعمل على حل القضية السكانية كماً وكيفاً، لذا تقدمت الدكتورة عبلة الألفي، مؤسس ورئيس الجمعية المصرية لأعضاء الكلية الملكية البريطانية لطب الأطفال، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، بمبادرة شاملة تحمى حقوق الطفل منذ لحظة وجوده برحم الأم، وتوفر له كل السبل التى يحتاجها طوال حياته ليحيا حياة سوية بعيدًا عن المفاهيم الخاطئة التى ظلت تتوارثها الأجيال لسنوات عديدة، واختارت لها اسم «الـ1000 يوم الذهبية» وجعلت مقدمى المشورة الأسرية السلاح الأهم لرفع الوعى بين المواطنين، لتؤكد أن القضية السكانية لم تعد مجرد وسائل تنظيم أسرة، بل قضية وعى جيل لا بُد أن تتحوَّل من مطلب للدولة إلى مطلب للمواطنين ورؤية عامة وشاملة لصحتهم وصحة أبنائهم من أجل مستقبل أفضل لمصر.

وترى الألفى أن «مقدمى المشورة الأسرية» هم العمود الفقرى للتوعية، مؤكدة أن الشخص الذى يُقدم المشورة مدرّب على برنامج معتمد محلى وعالمى لمدة 40 ساعة محاضرات مسجلة و22 ساعة محاضرات تفاعلية بث مباشر والتدريب عملى وجها لوجه لمدة 10 أيام لإكسابه عدة مهارات هامة أولها المشورة، وتعليم مهارات الرضاعة الطبيعة، والتثقيف الصحى للأم الحامل، ودعم الحامل أثناء الولادة، والتغذية السليمة، وقياس التطوُّر العصبى للطفل، وتعليم الأم طريقة تحفيز طفلها ودعم أعصابه، وكيفية الاكتشاف المبكر لأى تأخر يعانيه، والتربية الإيجايبة، وطرق تنمية ذكاء الطفل، والمباعدة وتنظيم الأسرة، بالإضافة  لتبنى منظور حقوقى للمباعدة بين الحمل المتعاقب لمدة ٣-٤ سنوات، والذى يؤدى بدوره لخفض نسب التقزُّم إلى 1.5%، ورفع نسب الرضاعة الطبيعية إلى 78.3% حتى عمر 6 أشهر.

تنمية الأسرة
واعتمدت الدكتورة عبلة فى اختيار مقدمى المشورة على خريجى الجامعات والشباب والسيدات اللواتى لا يجدن عملًا أو أى شخص تعلم لمدة 12 عامًا على الأقل، وليس شرطًا أن يكون من خريجى كلية الطب، وذلك للمساعدة على سد الفجوة الموجودة لنقص التمريض والأطباء وتوفير فرص عمل للشباب، كما أنه يعمل على تمكين المرأة اقتصاديا وثقافيا من خلال مشروعات صديقة للبيئة مثل تعليم زراعة الأسطح والشرفات بالخضراوات والفاكهة، وكيفية فصل القمامة من المنبع، وتدويرها وغيرها من المشروعات الأخرى التى تساعد على تنشئة جيل يعلم مدى أهمية الحفاظ على البيئة وأهداف التنمية المستدامة للوصول لطرق تنمية الأسرة المصرية بأكملها.
ويتم توجيه المشورة فى البداية إلى المقبلين على الزواج عن طريق 3 نقاط (طبية واجتماعية ونفسية)، ولم تقتصر هذه المشورة على المقبلين على الزواج، بل تُقدَّم توعية أيضًا للأسر المحيطة بهم وهم آباء الأزواج، والتحدث معهم عن أهمية تأجيل الحمل فى السنة الأولى بعد الزواج، وهذا الإجراء ليس له أى تأثير على الحمل فيما بعد من الناحية الطبية، لأن 70% من نسب الطلاق تحدث فى العام الأول من الزواج نتيجة حدوث تغيُّرات نفسية لدى الطرفين فى تلك الفترة، ولم يتحمل كل منهما ظروف الآخر فتحدث الخلافات ثم الطلاق، لكن عندما يعتادان الحياة سويًا أولا يمكنهما التغلب على مشكلاتهما فيما بعد، فضلًا عن التوعية أيضًا بالملف المالى وكيفية إدارة المنزل بنجاح.
وتؤكد الألفى أن الحقيقة التى تتأكد مرارًا فى جولاتها الميدانية بالمحافظات هى أن المشورة الأسرية الناجحة والمستمرة والفردية هى السلاح الأهم لمواجهة الآفات المجتمعية كالحمل المبكر والزواج المبكر وزواج الأقارب وغيرها، كما أنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق التكامل فى الخدمات المقدمة للأسر المصرية.

اقرأ أيضا | صحة أسيوط تناقش تنفيذ البرنامج القومي لتقديم خدمات تنظيم الأسرة بالمستشفيات