بعد إغفال ترشحهم للجوائز.. السينمائيات السود يتهمن الأوسكار بالعنصرية

ڤيولا ديڤيس فى لقطة من فيلم «The Woman King»
ڤيولا ديڤيس فى لقطة من فيلم «The Woman King»

منذ أعلنت أكاديمية فنون وعلوم السينما ترشيحات جوائز الأوسكار لعام 2023، الأسبوع الماضى، وعاصفة من الهجوم بدأت ولم تخمد حتى الآن، فقد خلت قوائم الترشيحات للجوائز الرئيسية وأهمها أفضل ممثلة وأفضل مخرج من صانعات الأفلام السود، رغم ما حققته أفلامهن من نجاح، وبرزت نجماتها فى الأدوار الرئيسية أو المساعدة هذا العام فكان أداؤهن أكثر تميزا من بعض الأسماء المرشحة لأوسكار أفضل ممثلة رئيسية، حتى يزداد إحساس القهر لصانعات الأفلام من السود.

ضمت قائمة أفضل ممثلة رئيسية الممثلة البريطانية البيضاء أندريا ريسبورو عن «To Leslie»  وهو لم يكن بين الأفلام البارزة ولم يحظ بنسب مشاهدة جيدة أصلا (حقق ما يقرب من 22 ألف جنيه استرلينى).

ولم يتوقعه أحد من النقاد، بل لم يشاهده معظمهم، والذين أصيبوا بصدمة من اختيارها، وتعالت الأصوات فى مقالات عدة تشير بأصابع الاتهام للناخبين بالأكاديمية، وتنتقد بوضوح نظام ولوائح الأوسكار، وتعالت أصوات صناع السينما من السود، وغردت بعض المخرجات يتهمن الأوسكار ونظام الجوائز بالعنصرية ضدهن خاصة.

وضد السود عامة، لتعود للأذهان حملة «الأوسكار بيضاء جدا» التى قادها صناع الأفلام والنقاد عام 2015، قامت الأكاديمية بعدها بإجراء تغييرات شاملة بلوائحها، وضمت عددا كبيرا من الأعضاء من مختلف دول العالم لضمان التنوع والمساواة فى اختيار الجوائز.

ولكن تجاهل ناخبى الأكاديمية للسود هذا العام، أشعل من جديد نيران الثورة ضد الأوسكار وأعاد للذاكرة والوجدان إحساسا بالقهر والعنصرية لدى صناع الأفلام السود رجالا أو نساء، والذين يخوضون معارك منذ عقود لإثبات الوجود وانتزاع حقوقهم بعد تاريخ من الظلم فى هوليوود، التى وعدت مرارا بإنصافهم، لكن يبدو أن الوعود قد ذهبت!.


هل تم انتهاك قواعد الأوسكار؟


و قررت شيريل إيزاك رئيسة أكاديمية فنون وعلوم السينما يوم الجمعة الماضي فتح تحقيق شامل ودقيق عما إذا كانت أى قواعد قد تم انتهاكها أثناء اختيار مرشحى الأوسكار هذا العام، وأكدت أنها ستتأكد ما إذا كان قد تم كسر قاعدة عدم التماس المباشر بين أعضاء الأكاديمية والموزعين أو شركات الدعاية.

وشددت على ان اذا  كان قد حدث ذلك، سيتم تجريد النجمة البريطانية أندريا ريسبورو من ترشيحها فى فئة أفضل ممثلة رئيسية، وهى المتهمة من صانعات الأفلام السود بأنها السبب فى إزاحتهن من الترشح فى هذه الفئة لصالحها، بعد جهود شركة الدعاية التى تتعامل معها.

وقد أثار ترشحها غضبا شديدا، خاصة من ڤيولا ديفيس نجمة «The Woman King»، و دانييل ديدويلر نجمة  «Till» واللتان ضمتهما معظم قوائم توقعات النقاد لترشيحات الأوسكار، فلم يحدث وكانت القائمة بيضاء تقريبا.

وقد ضمت كيت بلانشيت عن «تار» و ميشيل ويليامز عن «فابيلمانز» وآنا دى أرماس عن «شقراء» وميشيل يوه عن «كل شيء كل مكان فى آن واحد».. أما فئة أفضل ممثلة مساعدة، رُشحت أنچيلا باسيت لتصبح المرشحة السوداء الوحيدة لأوسكار هذا العام.


وفى تحقيق بصحيفة لوس انجليس تايمز، قال أحد الناخبين بالأكاديمية، وهو منتج سينمائى «أندريا ريسبورو واحدة من أفضل الممثلات، لكن ترشيحها لجائزة الأوسكار صدم الجميع، لقد كانت معجزة، فالفيلم لم يشاهده أحد أو حتى سمع به!».  


كراهية النساء السود بلا حياء!


وجاء قرار الأكاديمية بعدما قادت بعض الصحف حملة شديدة اللهجة على ناخبى الأوسكار، غير الحملة المشتعلة على مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة من المخرجات السود اللاتى يشعرن بظلم شديد، ليس هذا العام فقط ولكنه تاريخيا (لم تترشح مخرجة سوداء للأوسكار من قبل).  


وعلى موقع "إنستجرام" كتبت تشينونى تشوكو كاتبة ومخرجة فيلم «Till»: «كراهية النساء السود بلا حياء»، وقالت «نحن نعيش فى عالم، ونعمل فى صناعة ملتزمة بقوة بدعم البيض، وكراهية النساء السود بلا خجل».

وأشارت مجلة ڤارايتى إلى أن فرانسيس فيشر عضو الأكاديمية كتب على إنستجرام ما يعزز موقف ريسبورو، وفى ذلك مخالفة للقواعد.. وفى «لوس أنجيلوس تايمز» رصد بذكاء الناقد الأسود الشهير روبرت دانيال فى نهاية مقاله مخالفات عديدة هذا العام وأعوام سابقة تتعلق بقواعد الترويج للأفلام والنجوم لناخبى الأكاديمية.

وبعد اتهامات قاسية وذكر أمثلة محزنة لخرق القواعد سرا أو علانية فى مواقع التواصل الاجتماعى، أنهى مقاله بذكاء أشد بأننا يجب أن نهدأ ونترك المراجعة تأخذ مجراها.. ومازلنا فى انتظار تقرير الأكاديمية.

وما إذا كان سيكشف خرقا للقواعد ارتكبته حملة فيلم «To Leslie» ونجمته ريسبورو.. والأهم من ذلك، هل ستستطيع الأكاديمية امتصاص غضب صناع الأفلام السود والنقاد المتضامنين معهم؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة والحاسمة لموسم الجوائز هذا العام. 


صندانس ينتصر للمخرجات السود


وفى نفس يوم بيان الأكاديمية، الجمعة 27 يناير، كان مهرجان صندانس يعلن جوائزه ظهرا، والجميل كان إعلان فوز فيلم «A Thousand And One» تأليف وإخراج المخرجة الموهوبة إيه ڤى روكويل بجائزة لجنة التحكيم الأمريكية الكبرى.

وهو الفيلم الروائى الطويل الأول لها، عن كفاح الأم السوداء فى ظل ظروف قهرية تحاصرها، ويعد دراسة عميقة لشخصية أم تكافح بعد خروجها من السجن من أجل العيش فى نيويورك الصاخبة بقسوة، وتغطية نفقات الطفل الصغير، الذى يودع أثناء سجنها لدى أسرة أخرى.

ويتابع الفيلم رحلتها ومحاولتها خطفه للهروب به، لتبدأ حياتها مع ابنها، لكن الظروف لا ترحمهما. يأخذك الفيلم الرائع لتحولات حياة السود عبر سنوات قليلة، وبفضل الأداء المؤثر لتيانا تايلور نكتشف قوة عاطفة الأمومة التى تترك داخلك أثرا لا ينسى.

وقال رئيس لجنة التحكيم وهو يعلن الجائزة «لقد خرجت من القاعة وبكيت أمام ناس لا أعرفها لأن الفيلم مسنى، وسلب منى كل القوة لإخفاء مشاعرى، والتى تعلمت إخفاءها فى هذه الأماكن» وقال «بصفتنا هيئة تحكيم، نعلم مدى استحالة إنجاز عمل حقيقى مليء بالألم ولا يعرف الخوف فى التزامه الصارم بالحقيقة الناتجة عن ظروف قمعية.

وإنه لشرف لنا أن نمنح جائزة لجنة التحكيم الأمريكية الكبرى لهذا الفيلم».. كما ذهبت جائزة لجنة التحكيم الكبرى للفيلم الوثائقى «Going to Mars: The Nikki Giovanni Project» عن حياة الشاعرة والممثلة نيكى چيوفانى والحركات الثورية.

والتى خاضتها من أجل الحقوق المدنية للسود، وهو للمخرج الأسود المخضرم چو بروستار، وقالت لجنة التحكيم فى بيانها عنه «يركز هذا الفيلم على صوت فريد، من خلال قصتها تجسد حركة جموع السود وواقعهم».

وهكذا، للصدفة، يبدو مهرجان صندانس وكأنه يمسح دموع الفنانين السود، ويصالحهم فى هدوء، وينتصر لأحلامهم وطموحاتهم، يضمد جراحا تاريخية، تسببت فى ألم قاسٍ بسبب نظام الجوائز الأمريكية وعلى رأسه الأوسكار بالتأكيد.

اقرأ ايضاً | انسحاب لجنة تحكيم «صندانس» بسبب الصم والبكم