«الشيخ عبادة».. دراسة أثرية تكشف مسقط رأس «مارية القبطية» بالمنيا

مسقط رأس السيدة مارية القبطية زوجة النبى محمد صلى الله عليه وسلم
مسقط رأس السيدة مارية القبطية زوجة النبى محمد صلى الله عليه وسلم

كشفت دراسة أثرية بعنوان "آثار المنيا عبر المكان والزمان" للدكتور حمدى أحمد محمود، أستاذ المناهج وطرق تدريس الجغرافيا والعلوم الإنسانية بكلية التربية جامعة حلوان عن مسقط رأس السيدة مارية القبطية زوجة النبى محمد صلى الله عليه وسلم بقرية الشيخ عبادة بالبهنسا.

ويوضح الدكتور حمدى أحمد محمود أن الحكاية بدات عندما زار الإمبراطور هادريان مصر عام 130م وهو ثالث إمبراطور روماني يزور مصر وشيد مدينة يونانية جديدة هي أنتينوبوليس عام 130م تخليدًا لذكرى أحد أفراد حاشيته وكان صديق مقرب للإمبراطور ويدعى أنتينوس، وأصبحت تلك المدينة هي أول مدينة يونانية يقوم ببنائها الرومان في مصر وصارت مركزًا في صعيد مصر لنشر الحضارة الإغريقية ومنح هادريان لهذه المدينة العديد من الامتيازات وأطلق على سكانها اسم الهلينيين الجدد.

وينوه خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار إلى هذه الدراسة موضحًا أن محمد رمزي ذكر في كتابه القاموس الجغرافي للبلاد المصرية أنه كانت توجد بلدة قديمة شرقي النيل بالصعيد تسمى"بيسا" وفي سنة 130م أنشأ الإمبراطور الروماني هادريان بأرض بيسا قبرًا لأحد غلمانه كان يدعى أنطونيوس كان قد غرق عندها في النيل ثم بنى أعيان البلدة مساكنهم حول حدائق هذا القبر فعرفت منذ ذلك الوقت بمدينة أنتنويه واختفى اسم بيسا وقد أكد علي باشا مبارك في كتابه «الخطط التوفيقية» على هذه الحقيقة فذكر أن أنصنا بنيت على أطلال مدينة بيسا القديمة،ويورد علي مبارك رأي العلماء الفرنسيين في اسم مدينة بيزالعتيقة فيذكر أنه كان لأحد مقدسي المصريين في الأزمان السابقة التي ظهرت له كرامات عظيمة في مدينة أبيدوس كما ذكر ذلك أميان مرسيلان وأوزيب وذكر فيتوسولوس أن مدينة أنتنويه كانت تسمى في السابق بيزانتونيه بالتركيب من بيز وأنتنويه وهذا يحقق سبق مدينة بيز المذكورة على المدينة الرومانية.

ويتابع ريحان أن اسم المدينة قديمًا تغير على أشكال عدة، إلى أن جاء المسلمون فعرّبوه إلى «أنصنا» ثم صارت بين العوام مدينة النصلة، وتضم القرية آثارًا مصرية قديمة ورومانية ومسيحية وإسلامية كما اعتبرت مركزًا لنشر الحضارة الإغريقية بالصعيد فى العهد الرومانى، وأن اسم أنصنا كان يطلق على زمام هذه القرية حتى أوائل القرن 13هـ، 19م وبسبب خراب مساكنها قيد زمامها في تأريخ سنة 1230هـ باسم «الشيخ عبادة» أحدى توابع ناحية أنصنا، أمّا أنصنا القديمة فمكانها حاليًا الأطلال الواقعة في حوض مدينة النصلة رقم 11 شرق النيل، وأمّا مدينة بيسا القديمة فمكانها الآن تل أثري يشغل كل مساحة حوض على المغربي رقم 8 بناحية أراضي الشيخ عبادة.

وأكدت الدراسة أن قرية الشيخ عبادة هى مسقط رأس السيدة مارية القبطية زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم والتي أهداها المقوقس حاكم مصر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ووصفها بأن لها ولأختها مكانًا عظيمًا بالقبط وكانت من بين الهدايا التى أهداها المقوقس حاكم مصر للرسول وأيضاً 20 ثوبًا من المنسوجات التي اشتهر بصناعتها إقليم المنيا وهى الثياب المعروفة باسم " القباطي " وهى مصنوعة من الكتان الأبيض به زخارف وقد امتدحها النبي صلى الله عليه وسلم إعجابًا وتقديرًا وكفّن في بعضها.

يُذكر أن عبادة بن الصامت هو الصحابى الجليل عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ بن قيس بن أصرم بن فهر بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج وكنيته أبو الوليد الأنصاري وروي حوالي 181 حديثًا وشهد بيعة العقبة الأولى والثانية وأحد الصحابة الخمسة الذين جمعوا القرآن الكريم فى عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ووصفه عمر بن الخطاب رضى الله عنه بقوله  " رجل يُعد في الرجال بألف رجل ".

وشهد غزوة بدر  وغزوة أحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستعمله النبي على بعض الصدقات وعقب وصول عمرو بن العاص رضى الله عنه إلى مصر وفتحها، كان ضمن الجيش وبعد موقعة البهنسا انطلقت الجيوش بقيادة عبادة للصعيد من أجل إكمال الفتح الإسلامي، حيث وصل إلى القرية، وعلم من الأهالي أنها المنطقة التي جاءت منها زوجة الرسول مارية القبطية، فقرر البقاء هناك، وبنى مسجدًا في المكان الذي كان يوجد به منزل أسرة مارية، وكان هذا هو أول مسجد في ملوي وأعفى أهل البلد من الخراج وأكرمهم إكرامًا للسيدة مارية وهنا تغير أيضاً إسم البلد ليصبح الشيخ عبادة.

جدير بالذكر أن مسجد عبادة بن الصامت الذى بنى مكان بيت السيدة مارية على مسافة لا تزيد على ١٠٠ متر من النيل، مساحته ضيقة وبوابته خشبية من الطراز الأيوبي، وهي الواجهة الغربية الرئيسة للمسجد المُطلة على النيل، أعلاها مستطيل عليه زخارف نباتية وهندسية ويتوسطه لوحة رخامية قديمة وعلى جانب المسجد نجد زخارف تؤدي إلى الميضأة وهي غرفة مربعة يتوسطها عمودان أثريان من الرخام على أطرافها حمامات بلدية، أمامها صنابير المياه وخلفها مساحة للصلاة، وفي نهايتها بئر قديمة للوضوء صالحة للاستخدام وعلى اليسار باب جانبي للمسجد، والمسجد مربع الشكل بمساحة ٢٠٠ متر مربع مبني بالطوب القديم، جدد فى عهد إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا حفيد محمد على في عام ١٢٧٧هـ وجعل له مئذنة أخرى أعلى من الأولى ووضع أعلى باب المسجد لوحة حجرية منقوشة نقش بارز تحمل اسمه وتاريخ التجديد.

اقرأ أيضا | مجلس النواب يناقش مقترح إنشاء متحف يضم آثار منطقة البهنسا الأثرية

وتضم المدينة آثارًا منذ عصر مصر القديمة فقد كشف بها عن تمائم ولفائف كتانية كان يلف بها المومياوات وبرديات ومحاجر وكان يوجد بها معبد لرمسيس الثاني ومن آثار العصر الروماني وُجِدت تماثيل صغيرة وعملات رومانية والعديد من العمائر الرومانية الفخمة حيث وضع هادريان مبالغ مالية طائلة على معمار هذه المدينة حتى ظهرت بأسلوب معماري فخم، كما امتلأت المدينة بالعديد من الأديرة والكنائس وكان من أهم المعالم القبطية التي توجد في المدينة بيت القديسة ثيودورا وبئر العائلة المقدسة، وأهم المعالم الإسلامية بيت مريم أو بيت ماريا القبطية وكان المسلمون يطلقون عليه اسم مسجد عبادة.