عاجل

توقيت مثالى لتوجه مصر شرقًا

مكاسب عديدة من جولة الرئيس إلى الهند وأذربيجان وأرمينيا

الرئيس لدى وصوله أذربيجان وفى استقباله الرئيس إلهام علييف
الرئيس لدى وصوله أذربيجان وفى استقباله الرئيس إلهام علييف

أحمد جمال

منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، مقاليد الحكم أصبح هناك دوائر جديدة للدبلوماسية المصرية مع الزيارات المهمة التى قام بها الرئيس فى ذلك الحين إلى كلٍ من الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وفيتنام، وهو ما انعكس إيجابًا على حجم العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع البلدان التى تصنف جغرافيًا وسياسيًا على أنها "المعسكر الشرقى"، وهو ما وضع لمصر قواعد انطلاق مهمة فى قارة آسيا جعلتها أكثر قدرة على إدارة علاقاتها الخارجية.

تأتي الزيارات المهمة التى قام بها أخيراً الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى كلٍ من الهند وأذربيجان وأرمينيا استكمالاً لما بدأته الدبلوماسية الرئاسية منذ العام 2014، وظهر ذلك واضحَا في الارتقاء بالعلاقات المصرية الهندية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية التى تغطي المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية والطاقة، إلى جانب فتح أفق تعاون جديدة مع أذربيجان في مجال الطاقة ونهاية بإنجاز أو زيارة لرئيس مصري إلى أرمينيا منذ أن حصلت على استقلالها فى عام 1991.

يمكن القول بأن هناك دلائل عديدة تشير إلى مثالية اختيار توقيت تنشيط العلاقات مع الدول الثلاث، إذ إن زيارة الهند تؤشر على أن مصر لديها شراكات مهمة مع أحد أبرز الاقتصادات الصاعدة في العالم، وتستهدف الاستفادة من تجربتها وتطبيقها على ما تقوم به من جهود تنموية في ظل أوضاع اقتصادية صعبة يعانيها العالم أجمع، وتوظيف أسس الشراكة بين البلدين لما يحقق مصالحهما.

كذلك الوضع بالنسبة لأذربيجان التى وصلت قيمة صادراتها من الغاز الطبيعي في العام 2022 إلى 15 مليار دولار، في الوقت الذى تستهدف فيه مصر التحول إلى مركز إقليمي للطاقة فى منطقة الشرق الأوسط، ما يجعل هناك أفقًا جديدة لتحقيق الأهداف المصرية مع توقعات وصول الصادرات المصرية من الغاز الطبيعى إلى 12 مليار دولار خلال هذا العام، بما يجعل هناك أفقًا جديدة لتعزيز صادرات النفط والغاز المصري إلى جانب تعزيز الشراكة السياسية والعسكرية مع إحدى الدول التى لديها تطور على مستوى تصنيع الأسلحة الحديثة.

أما زيارة أرمينيا فإنها تأتى بعد شهرين تقريبًا من زيارة الرئيس الأرمينى فاهاجن خاتشاتوريان إلى شرم الشيخ وحضوره قمة المناخ "كوب 27"، وتأكيده على تطلع بلاده إلى تنمية العلاقات الثنائية مع مصر، وتعزيز التعاون فى شتى المجالات، مع وجود جالية أرمينية فى القاهرة تفتح المجال لتدشين علاقات ثقافية بين البلدين.

انفتاح مصري
العامل الإيجابي في زيارات الرئيس الأخيرة أنها تعبر عن انفتاح مصرى على المعسكرين الشرقى والغربى، وأنها لا تبنى علاقاتها مع طرف على حساب آخر، وأنها حاضرة بقوة فى ملفات إقليمية عديدة تؤهلها لأن تصبح نقطة التقاء محورية بين أطراف مختلفة، كما أن الزيارات تبعت إشارات مهمة لأى قوى معادية تستهدف تهديد الأمن القومى المصرى بوجود قدرات على ردعها أينما كانت، وأن تلك القوى التى تعبث بأمن الإقليم محاولة تصدير الأزمات للدول العربية وبينها مصر يمكن الرد عليها بأساليب مختلفة.

من جانبه قال الدكتور أحمد قنديل رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن مصر تتجه شرقًا لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول الآسيوية المهمة وبخاصة الهند التى تعد إحدى القوى الاقتصادية الصاعدة، التى تتسم بوجود فرص عديدة للتعاون فى المجالين الاقتصادى والعسكرى، كما أن الهند تعد إحدى القوى الدولية الرئيسية فى تصدير الحبوب والقمح وتشكل الشراكة الاستراتيجية معها عاملاً مهمًا لمواجهة أزمة الغذاء العالمية.

وأضاف إن الهند كذلك لديها صناعات عسكرية متقدمة، وهناك رغبة مصرية فى تعزيز التعاون معها فى هذا المجال، كما أن مصر ضمن مساعيها للحصول على عضوية تحالف "بريكس" التى تضم دول (الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل)، تسعى لضمان الصوت الهندى بما يمهد للانضمام لتلك المنظمة الصاعدة فى العالم، مشيراَ إلى أن تعزيز الشراكة مع الهند يساهم فى بناء تكتل عالمى جديد يرسخ مبادئ عدم الانحياز ويضمن عدم الانجراف لحالة الاستقطاب المتصاعدة بين روسيا والغرب.

وشدد على أن هناك أهمية مماثلة لزيارتى أذربيجان التى تعد إحدى القوى العالمية المهمة فى تصدير النفط ولديها صناعة عسكرية متقدمة، وأن زيارة الرئيس تستهدف استكشاف أوجه التعاون المشترك خاصة فى مجالات صناعة المسيرات والطائرات بدون طيار، كما أن لديها مواقف متحفظة على الأدوار إيران المهددة لاستقرار المنطقة، ومن ثم فإن الرئيس يستكشف طبيعة الموقف الأذربيجانى وبحث سبل التعاون والتنسيق الدبلوماسى معها.

تنويع شراكات
ولفت إلى أن مصر لديها رؤية لتنويع شراكاتها مع القوى المحبة للسلام حول العالم التى لديها ظروف متشابهة مع الأوضاع الاقتصادية والفكر السياسى المصرى، وأن الدول الثلاث تسعى للتنمية، ومن المهم أن يتم تحقيق أقصى استفادة من الدبلوماسية الرئاسية عبر الإدارات الحكومية ومجتمع الأعمال المصرى وكذلك القطاع الخاص بما يعود بالنفع الاقتصادى لترجمة ما يتم التوصل إليه من اتفاقيات سياسية إلى مشروعات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
وشارك السيسى فى اجتماع موسع لرؤساء كبرى الشركات الهندية ورجال الأعمال فى الهند، بحضور بيوش جويال وزير التجارة والصناعة الهندى، وعدد من كبار المسئولين وممثلى الجهات الحكومية المعنية المختلفة وكبرى الاتحادات والغرف التجارية والصناعية فى الهند، بحضور وزراء الخارجية، والكهرباء، والتخطيط، والاتصالات المصريين، بحسب المتحدث.

وقال السفير محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن تواجد الرئيس ممثلاً عن الدولة المصرية كضيف شرف "يوم الجمهورية"، وهو اليوم الذى يواكب بدء العمل بالدستور الهندى فى العام 1850 مؤشراً على عمق العلاقات الثنائية الممتدة بين البلدين، وهناك إدراك من الجانبين بأن كلاً منهما يلعب أدواراً مهمة فى تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، بوصفهما دولتين رائدتين فى محيطهما الإقليمى.
وأوضح أن استلهام مبادئ حركة "عدم الانحياز"، التى كانا عنصرين رئيسيين فيها، يعد ضروريًا وملحًا فى مرحلة التوتر والاضطراب الراهنة بسبب الحروب والنزاعات وما تركته الحرب الروسية الأوكرانية من ضغوطات على الساحة الدولية ساهمت فى زيادة التناحر الدولى، وأن الدولتين مرشحتان لتحقيق الإسناد الدبلوماسى المطلوب لدول العالم الثالث لمواجهة تلك الاستقطابات الحاصلة على الساحة الدولية، وهو ما يجعل الهند تدعو مصر لأن تكون ضيف شرف لقمة العشرين التى تستضيفها هذا العام.
وشدد على أن تطور الهند فى مجال تكنولوجيا المعلومات يُمكنها من أن تقدم الكثير من الخبرات المطلوبة للشركات المصرية، وكذلك الوضع بالنسبة لتكنولوجيا الفضاء والهندسة الوراثية وهى مجالات أساسية تؤهل الدول للنهضة الحديثة وأن مصر منفتحة للاستفادة من تلك الخبرات بشكل كبير.

 3 محاور رئيسية
وقال هانى إبراهيم رئيس مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، إن المتابع الدقيق للتحركات الدبلوماسية المصرية حاليا يلاحظ وجود ثلاثة محاور رئيسية لعلاقات مصر الخارجية، على رأسها استمرار وجود علاقات مستدامة وقوية مع الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا، وبناء علاقات قوية ومتشعبة مع دول شرق ووسط آسيا خاصة الصين والهند وأذربيجان، وإعادة تموضع مصر داخل القارة الإفريقية وبناء علاقات اقتصادية ودبلوماسية متنوعة على أساس المصالح المشتركة والاعتراف بالجذور الإنسانية الجامعة لشعوب القارة الأفريقية.

وشدد على أن الدبلوماسية المصرية تستهدف تعزيز فرص النمو الاقتصادى المتبادل مع مختلف دول العالم وجذب مزيد من الاستثمارات خاصة فى قطاعات الطاقة، والأمن الغذائى، والتقدم التكنولوجى، ومزيد من التشغيل لقناة السويس ومزيد من توافد السياح للمدن المصرية، ودعم المكانة الدبلوماسية لمصر فى العلاقات الدولية وتعزيز صوتها داخل المؤسسات الأممية والمنظمات الدولية من خلال إيجاد حلفاء وداعمين لرؤيتها للقضايا الإقليمية.
وأوضح أن زيارة الرئيس للهند تحقق مصالح مشتركة للبلدين، إذ تسعى نيودلهى إلى تعزيز تواجدها فى السوق الأفريقية ومنافسة الوجود الصينى والغربى فى المكون الاقتصادى، حيث تتحول الهند تدريجيا إلى أن تكون الورشة الجديدة للصناعات الصغيرة والمتوسطة، وترى فى مصر بوابتها للقارة الأفريقية، وتشترك الدولتان فى الاهتمام بملفات الطاقة المتجددة خاصة الهيدروجين الأخضر وملف نقل التكنولوجيا الحديثة وإدارة المعلومات وهو ملف أثبتت الهند تفوقها فيه وتحتاج إليه مصر.

وأضاف أن أذربيجان تمثل دولة محورية فى وسط آسيا وتتمتع بمصادر طاقة هائلة وإمكانيات سياحية واعدة وتشترك مع مصر فى الاهتمام بتعزيز مكانتها الاقتصادية. ويوجد عنصر قوة فى العلاقات المصرية الأذرية وهى الموقف المصرى المتزن والمحايد من النزاع بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم "نجورنوكراباخ"، كما تتمتع مصر بحضور قوى داخل المجتمع الأذرى بوجود مؤسسة الأزهر الشريف فى العديد من البرامج الدينية والثقافية، وهى إحدى أدوات القوة الناعمة للدولة المصرية.
كما أن أرمينيا بحسب هانى إبراهيم تمثل محور الاهتمام الأوروآسيوى، وهى دولة مهمة فى بناء علاقات تجارية بين مصر ومجموعة الدول الأعضاء فى اتحاد الدول الأوروآسيوية، حيث عقدت مصر عدة جولات من الحوار سابقا حول اتفاقية التجارة الحرة بين القاهرة وهذا الاتحاد.

الاتجاه الصحيح
الدكتور نصر سالم أستاذ العلوم الاستراتيجية، أكد أن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الهند تعد من أفضل وأنجح الزيارات التى تمت خلال الفترات الأخيرة، حيث تنم عن وعى القيادة المصرية التى أخذت الاتجاه الصحيح وتوجهت نحو دولة من أكبر اقتصادات العالم، وذلك فى ظل انغلاق الغرب وتركيزه على الحرب الروسية الأوكرانية بجانب حالة التضخم التى تشهدها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وشدد على أهمية الاقتصاد الهندى «الواعد» بالنسبة لمصر، موضحًا أن الهند هى ثانى دولة من حيث عدد السكان فى العالم وهو ما يمثل فرصة لمصر لفتح أسواق جديدة هناك بجانب جذب السياح الهنود لمصر، معتبرًا أن تأمين هذا الاتجاه الشرقى من العالم والانفتاح على تلك القوى الاقتصادية وزيادة التصدير والتركيز على الميزان التجارى بيننا وبينهم سيعود على مصر بالخير.

صديق قديم
السفير جمال بيومى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، وصف اختيار الهند للرئيس المصرى ليكون ضيف شرف احتفالات «يوم الجمهورية» بأنه اختيار «مميز» ولابد من تسليط الضوء عليه، وذلك بجانب دعوة مصر أيضًا فى اجتماعات مجموعة العشرين التى ستترأسها الهند العام الحالى، وهو ما يبرز الاهتمام الكبير الذى توليه نيودلهى للقاهرة ولدفع علاقات التعاون المشترك، وذكر بالروابط المصرية الهندية القديمة للغاية حيث كلا البلدين عانى من نفس الاستعمار ولهما تجربة مشابهة مع الاحتلال ومحاولات الاستقلال، كما جمعت بينهما صداقة قوية وعملا معًا على تأسيس «حركة عدم الانحياز» التى قدمت آفاقًا جديدة فى السياسة الدولية وحافظت على علاقات طيبة مع الجميع، فضلًا عن تأسيس مجموعة سبع وسبعين (تحالف مجموعة من الدول النامية) قبل أن تتسع بعد ذلك وهى أكبر تجمع بالأمم المتحدة، وشدد بيومى على أن مصر تستعيد صديقتها القديمة «الهند» وتعمل على دفع التعاون فى مختلف المجالات لاسيما السياسى والاقتصادى والصناعى، مبرزًا أهمية القاهرة لنيودلهى التى تسعى إلى الاستثمار فى منطقة قناة السويس وإلى التعاون مع مصر فى العديد من المجالات من بينها البحث العلمى والتعليم.

علاقات تاريخية
الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، يرى أن زيارة السيسى للهند وأذربيجان وأرمينيا، بمثابة إعادة تجديد لاستراتيجية «الاستدارة شرقًا»، وبناء شراكة جديدة مع دول تتمتع مصر بعلاقات تاريخية معها، مُشيرًا إلى أن السيسى اتجه فى بداية حكمه إلى آسيا، وسافر إلى أكثر من دولة، وأكد أن تنويع مصادر التحالفات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية فى هذا التوقيت بات أمرًا مهمًا، وقال إن مصر تريد إتمام اتفاقات استراتيجية وأمنية، وتطرق الأبواب مع دول العالم فى مجالات عديدة، قد تكون مزعجة للآخرين.
ويرى فهمى، أن السياسة الخارجية المصرية رشيدة وتعتمد الندية وإحداث التوازن فى العلاقات الدولية، لكنه فى الوقت نفسه، يشير إلى أن هذه السياسة قد تكون لها تبعات، أو تثير تحفظات الجانب الأمريكى الذى سجل حضوره فى القاهرة أخيراً بعدة لقاءات، من بينها لقاء جمع السيسى وويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الأسبوع الماضي.

مواجهة التحديات
السفير محمد العرابى، مساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق، قال إنه رغم أن هذه ليست الزيارة الأولى من جانب السيسى للهند، فإن توقيتها يعطيها «مزيداً من الأهمية»، وإن كانت تنشيطاً لمحاور معروفة فى الدبلوماسية المصرية، فإنها تأتى فى ظروف دولية تقتضى مزيداً من التكاتف بين الدول الراغبة فى تحقيق السلام والتنمية، لاسيما أن العالم يكتوى بنار تنافس حاد بين روسيا وأمريكا والصين، مؤكدًا أنه من الضرورى إيجاد مخرج وسط هذا التناحر الدولي، ومحاولة تأسيس علاقات ثنائية قوية لمجابهة شرها، وبالفعل وجه السيسى دعوة من العاصمة الهندية نيودلهي، إلى تكاتف الدول النامية لمواجهة التحديات المشتركة والأزمات الدولية، بما فى ذلك أزمتا الطاقة والغذاء، ليؤكد رغبة بلاده فى بناء تحالفات دولية للحد من آثار الأزمة الراهنة.
أضاف: تعد أذربيجان وأرمينيا ملعباً لأطراف دولية، وتعتبر زيارة مصر للدولتين فى هذا التوقيت بمثابة تسجيل حضور القاهرة فى مناطق النزاعات الدولية، وتأكيد لمصداقية دورها، وتوقع أن تشهد هذه المنطقة تحركات مصرية نشطة فى الفترة المقبلة.

أقرأ أيضأ : مباحثات الرئيس السيسي مع وزير الخارجية الأمريكي تتصدر اهتمامات الصحف