كرم جبر يكتب: هذه هى مصر !

كرم جبر
كرم جبر

فى لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بوزراء الإعلام العرب فى شهر أكتوبر الماضي، أكد على ضرورة احترام العلاقات بين الدول والشعوب وعدم التدخل فى الشأن الداخلى لأى دولة، لأنها أدرى بشئونها.

وضرب الرئيس مثالاً بقضايا كثيرة من بينها التعليم، وأشار إلى ضرورة فهم وإدراك الشئون الداخلية لكل دولة، وألا يتم القياس على دولة هنا بمعيار دولة هناك، فالإمكانيات تختلف بين الدول، وكل أدرى بشئون بلده .

وبهذه الاستراتيجية المحترمة جداً «عدم التدخل فى شئون الآخرين»، اتسمت علاقات مصر بالدول الشقيقة، وارتفعت كثيراً فوق الصغائر، ولم تلق بالاً لمحاولات إفساد العلاقات أو الضرب تحت الحزام .

لأن التجارب العربية تؤكد أن أسوأ سنوات العمل العربي المشترك تكون فى الخلافات والصراعات، و» دس الأنف» فى شئون الدول الأخرى، وتصدير الأزمات لها.
وأسهل شىء هو انفلات الأعصاب والجري وراء الشتائم والبذاءات، وعدم مراعاة الروابط المشتركة التى تحتم إعلاء القيم والاحترام، وعدم التورط فى المعارك الصغيرة، فمصيرها إلى زوال وتبقى فقط العلاقات المحترمة.

المشكلة ليست من يجلس على عربة القيادة فى المنطقة، ففى الزمن الذى نعيشه الآن، لا توجد عربة ولا قيادة، فى ظل تحديات عنيفة تواجه الأمن القومى العربى، وتحتم إعلاء المصالح العليا فوق أى نظريات أخرى.

مثلاً: كانت قضية فلسطين فى صدارة الاهتمامات العربية، وكان الخطر الأول الذى يهدد الأمن القومى العربى فى مجمله واجتمعت من أجله القمم العربية هو إسرائيل.
والآن اختلفت المفاهيم وتباينت الرؤى، فالذى يهدد الأمن فى الخليج غير تحديات الأمن فى مصر وفى ليبيا وفى السودان وفى سوريا والعراق ودول المغرب وغيرها، ولم يعد للأمن القومى العربى حد أدنى للاتفاق.

وفى ظل هذا السياق المرتبك كان لمصر موقف محدد وثابت، يقوم على إعلاء شأن «الدولة الوطنية» بمكوناتها من الجيوش والمؤسسات ونظم الحكم، لضمان عدم تفكك الدول كما حدث فى كثير من الأقطار الشقيقة، التى انهارت وتلاشت مكونات الدولة الوطنية فيها.

والحفاظ على الهوية الوطنية لكل دولة، يمكن أن يبلور مفهوماً جديداً للأمن القومى العربى، تحت مظلة عربية مع الحفاظ على خصوصية كل دولة، وإذا اختلف العرب حول كثير من المفاهيم، فلا يمكن أن يختلفوا حول هذا الأمر.

وسمعت الرئيس فى أحد اللقاءات الصحفية يؤكد أن الدور الذى تلعبه أى دولة لا يكون بالشعارات، وإنما بالعمل المشترك واحترام الآخرين وتدعيم القواسم المشتركة، والتقارب وليس التباعد.
وفى هذا السياق يجب لفت الانتباه بشدة لدوائر شديدة العداء لمصر، ركزت اهتمامها ورصدت أموالاً ضخمة، للقيام بحملات ضارية لانتقاد الأوضاع الداخلية، وبث أكاذيب وشائعات بهدف التحريض والفتنة.

والتركيز الآن على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للناس، وإشاعة أجواء من البلبلة والتشكيك، مستندة إلى أزمة الغلاء وارتفاع الأسعار، فى محاولة لإعادة استرجاع نفس سيناريوهات الفوضى.. ولكن الذى لدغ من الحجر مرة، لن يقدم رأسه للثعبان مرة أخرى.