كل أسبوع

وعد ونصيحة

محود صالح
محود صالح

..يوم أن بُلّغت بأن مولودى الأول دخل دنياه ضحكت واستبشرت خيرًا، كنت وقتها على بعد كيلومترات منه، وأحسب اللحظة تلو الأخرى حتى أراه، وهذا لاعتقاد شخصي بأن الرؤية الأولى لها في القلب حلاوة لن تُنسى.
رأيته وحملته بين أضلعي، وعرفت من وقتها أن ما مضى من عمرى كوم، وما هو قادم كوم ثاني.. المسؤولية تضاعفت، والحمل الذي هربت أيامًا من حمله تمكن من أكتافي، ووضعني موضعًا لا رجوع عنه، ولا تقاعس فيه.
المسؤولية يا سادة من وجهة نظرى ليست في حسن الرعاية، لأنني أرى اختلافًا كبيرًا بين الرعاية والتربية، فالرعاية معناها أن أوفر له المأكل والمشرب والملبس، وأن أعلمه علمًا ينتفع به وينفع الناس، وأن أؤمّن له مستقبله، لذلك الرعاية بمفهومها - الذي أعرفه - أراها يسيرة، ليست صعبة، جميعنا نستطيعها، حتى وإن كان وضعنا الاقتصادي متأزم.

المسؤولية كل المسؤولية في التربية، كونها حجر الأساس، والركن الأصيل الذي لا مناص عنه، كيف أربي فيه حب الخير للغير؟، كيف أربي فيه الطيبة؟، كيف أزرع فيه الحنان؟، كيف أجنبه الشبهات؟ كيف أجعله بارًا بي وبأمه، وقبل كل هذا كيف أضعه على طريق الله، وهو الذي قد وهبني إياه وأمننى على رعايته وتربيته.
عشرات الأسئلة والأسئلة تدور في مخيلتي، ولا أعرف أي إجابة، فقط أستند إلى حقيقة واحدة، وهي أن الله الذي أوكلني حمله لن يتخلى عني، ولن يتخلى عنه.
فقط أريد أن أقول له أن طفولة أباه لم تكن وردية، أباه عرف اليتم صغيرًا، عرف الانتقال من مكان لمكان دون فهم، وجد القسوة تفترش طريقه، حملته أمه وارتحلت، وأخذت على عاتقها تربيته وشقيقته، وأنه لاقى في حياته الكثير، ودمعت عيناه في كل يوم.. أقول له أن أباه عرف الحياة بقسوتها، حتى أنه في كثير من الأيام تمنى لو أن يخرج منها خالي الوفاض.
لذلك لا أجد أي وعدٍ أقدمه لك، لو أطال الله في عمري، إلا أن أجعل طفولتك - بعد مشيئة الله - غير طفولة أبيك، أن تعيش حياة مستقرة في كنفه، أن تحظى برعايته، أن يحاوطك باهتمامه، ربما لن ألبي لك كل طلباتك، لكن كن على يقين أنني سألبي لك كل ما أستطيع.
وأدعوك إلى مجاورتي، دعوة أب رأى فيك السند والعزوة، رأى فيك الأمل والمستقبل، وتيقن بأنك أولى طموحاتي، ويقيني الذي تخطيت العشرات من طرق الشك حتى أصل إليه.
وكما وعدتك سأنصحك، نصيحة ربما لو ألقيت على مسامعي وأنا صغيرًا لنفذتها، وهي أن لا تؤمن بأي شيء بعد الله سوى بنفسك، وكن على يقين بأن العالم موحش، يفترسنا دون رحمة، ويمضغنا دون هوادة، وأن السبيل الوحيد للنجاة أن تمتلك القدرة على مواجهته دينًا وعلمًا وعقلًا وحكمة، وأن وحدك القادر على مواجهته، لذلك أدعوك إلى أن تُخرج «العشم» من قاموسك، خشية يا ولدى أن يصيبك الخذلان.
وكما وعدتك ونصحتك، سأختم كلامي بطلب واحد أطلبه منك، وهو أن تكن لي عونًا وقت المشيب، وسندًا وقت العجز، وعصاي التي أتوكأ عليها وقت انحناء الظهر.