نظام التقاعد يضع الحكومة الفرنسية فى ورطة

احتجاجات سابقة فى باريس ضدّ إصلاح نظام التقاعد
احتجاجات سابقة فى باريس ضدّ إصلاح نظام التقاعد

بقلم : سميحة شتا

العديد من المفاجآت والأزمات فى انتظار الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون خلال هذا العام، ما يمكن أن يجعلها السنة الأصعب فى ولاية ماكرون الثانية فى قصر الإليزيه، بدءًا بأزمة المحروقات الناتجة عن تواصل الحرب الروسية ضد أوكرانيا واستمرار الإضراب المفتوح منذ 4 أسابيع فى مصافٍ تابعة لمجموعة «توتال إنرجيز» (8 مصافٍ على طول البلاد)، وصولًا إلى علاقات فرنسا الخارجية خاصة فى إفريقيا التى عرفت فى السنوات الأخيرة تراجعًا كبيرًا.

مرورًا بأزمة القطاع الصحى الذى أوشك على الانهيار مع ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا ونقص الأدوية المسجل فى الصيدليات والمستشفيات وإضراب الأطباء الذين يطالبون الحكومة بتحسين ظروف عملهم ومضاعفة رسوم فحص المرضى بالإضافة إلى ملف سن التقاعد الذى سيكون الامتحان الأصعب لماكرون فى بداية السنة الحاليّة.

مع إصرار حكومته على المضى قدمًا فى برنامجها الذى تصفه بالإصلاحي، ورفض النقابات العمالية له وتهديدها بالتصعيد. وذلك بعد أن قدمت الحكومة الفرنسية خطة إصلاح جديد للمعاشات التقاعدية الثلاثاء الماضى شمل خططًا لرفع سن التقاعد، والذى من المتوقع أن يواجه بعض الانتقادات فى البلاد.


وتعهّد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بالمضى قدما اعتبارا من الشهر الحالى للتكفل بملف التقاعد فى إصلاح يهدف لرفع سن المعاش، وهو مشروع لا يلقى شعبية كبيرة ويعتبره كثيرون، من معسكر الرئيس أيضا، غير مناسب فى الوضع الراهن.


وقالت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن - فى مؤتمر صحفي - إن الحكومة تخطط لرفع سن التقاعد إلى 64 سنة بدلاً من 62 سنة بحلول عام 2030. وقد تواصلت خلال الأسبوع الجارى محادثات لم تكن موفقة بدرجة كبيرة، جمعت بورن بالنقابات الفرنسية، فى مسعى إلى إقناعها. لكن، يبدو أن المقترحات المقدّمة لتخفيف التغييرات مثل رفع سنّ التقاعد إلى 64 بدلا من 65 كما كان مقرّرا فى البداية.

لم يكن لها أى تأثير، لا على المواطنين ولا على النقابات التى رصت الصفوف وأعدت العدة للاعتراض على هذا المشروع، حيث أبدت كل من المعارضة اليسارية واليسار الراديكالى واليمين المتطرف معارضتهم لأى إصلاح يعتبر ظالماً.

حذر رئيس نقابة القوة العاملة فريديريك سويو، المعارض من أنه “إذا كان ماكرون يريد جعل ذلك أُم إصلاحاته، فإن ذلك سوف يكون بالنسبة إلينا أُم المعارك”.


ورغم المعارضة الشديدة من النقابات العمالية، والشارع الفرنسي، ستقدم الحكومة فى محاولة لكسب الدعم، أيضًا مواد لإرضاء الغاضبين، مثل زيادة الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية والامتيازات لكبار السن، الذين لديهم وظائف تتطلب جهدًا بدنيًا.


ويثير إصلاح أنظمة التقاعد فى فرنسا مظاهرات واحتجاجات أسبوعية منذ أشهر، شلت البلاد نهاية عام 2019 من خلال إضرابات مست خصوصًا وسائل النقل والمواصلات. وتأمل الحكومة الفرنسية فى حشد نواب اليمين المعتدلين (الجمهوريين) الذين أبدى رئيسهم إيريك سيوتى استعداده فى المقابل للتصويت على إصلاح عادل.


تصويت حزب الجمهوريين يمكن أن يجنب اللجوء الى المادة 49 التى لا تعتبر ديمقراطية واستخدمت حوالى عشر مرات فى ظل الولاية الثانية لإيمانويل ماكرون منذ خسر حزبه الغالبية فى الجمعية الوطنية، وهى تتيح للحكومة تمرير مشاريع قوانين بدون عرضها على التصويت.


سيعرض مشروع القانون على اللجنة فى الجمعية الوطنية اعتبارا من 30 يناير وفى البرلمان فى 6 فبراير. وسخر رئيس نقابة CGT فيليب مارتينيز من مشروع الحكومة التى تمكنت من توحيد تحرك النقابات للمرة الأولى منذ 12 عاما.


الأسبوع الماضى عادت إلى الشارع حركة «السترات الصفر» التى ألقت تجمعاتها بثقلها لمدة أكثر من سنة على ولاية ماكرون الأولى. وشارك فى هذا التجمع الأول 4700 شخص فقط بينهم ألفان فى باريس بحسب وزارة الداخلية وتخللته أغان منددة بالرئيس الفرنسى لكن بدون أعمال عنف أو صدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن التى سادت هذه التحركات بين نهاية 2018 ومطلع 2020.


يقضى إيمانويل ماكرون فترة ولايته الثانية كرئيس لفرنسا، لكن إصلاح نظام المعاشات التقاعدية هو وعد طويل الأمد يعود إلى الفترة التى انتخب فيها لأول مرة فى عام 2017. حيث يبلغ سن التقاعد القانونى فى فرنسا حاليًا 62 عامًا.

وهو أقل من العديد من الأسواق المتقدمة، بما فى ذلك الكثير من دول أوروبا والولايات المتحدة، كما أن للقطاع العام أيضًا «أنظمة خاصة» تسمح للعمال بالتقاعد قبل بلوغهم سن 62 عامًا.


وفى أواخر عام 2019، اقترحت حكومة ماكرون نظامًا واحدًا قائمًا على النقاط، والذى يمكن الشخص من التقاعد بمجرد حصوله على عدد معين من النقاط.. لكن الخطة قوبلت برفض.

واحتج العاملون فى القطاع العام لعدة أيام فى بعض أكبر الإضرابات فى البلاد منذ عقود، وسط هذه المعارضة القوية ووباء كورونا، قرر ماكرون فى أوائل عام 2020 تأجيل الخطط.


كان هناك بعض الحديث عن إعادة النظر فى الخطط فى أوائل عام 2022، لكنها كانت قريبة جدًا من الانتخابات الرئاسية، التى جرت فى أبريل من العام الماضي.


فى وقت سابق، اقترح ماكرون أنه يمكن رفع هذا السن من 62 إلى 65 عاماً، ولكن بوتيرة تدريجية مع زيادات تبلغ حوالى 4 أشهر سنويًا حتى عام 2031. ومن المرجح أن يؤدى أى تغيير جديد لهذه الاتفاقات إلى رد فعل عنيف من الصناعات المتأثرة.


تعتبر سن التقاعد المنخفضة نسبيًا فى فرنسا عبئًا على مواردها المالية العامة، ويقدر المجلس الاستشارى للمعاشات التقاعدية فى البلاد عجزًا فى نظام المعاشات بنحو 10.73 مليار دولار كل عام بين عامى 2022 و 2032.


وأضافت بورن أن مشروع القانون الجديد المقدم فى الأسابيع القليلة المقبلة سيبدأ مناقشة حول الرعاية الاجتماعية فى البلاد. وقالت إن الإصلاحات ستضع أيضًا حدًا أدنى مضمونًا للمزايا يبلغ حوالى 1288 دولارا شهريًا.


اقرأ أيضًا | مع تزايد إصابات كورونا عالميا.. هل نعود للكمامة والتباعد من جديد؟