مطروح

فن مصر .. كنز لا يفنى l الغناء البدوى

الغناء البدوي
الغناء البدوي

أمجد مصطفى

التراث الموسيقي والغنائي، هو صوت ونغم وشعر الأجداد، هو أحد الخيوط والجسور التي تربطنا بجذورنا، هو رائحة زمان، هو طعم الأيام الجميلة، هو السكة والطريق الممهد الذي سلكه كل من جاء بعدهم، هو المسلك والطريقة، والمعادلة التي تقودنا نحو المستقبل، من لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له، وشاء الله عز وجل أن تحظى مصرنا الحبيبة بأكبر “كوكتيل” غنائي وموسيقي في العالم، تنوع لم يسبقنا إليه أحد، نظرا لتعدد الأقاليم عندنا، وأصبح لكل أقليم ثقافته في كل شيء في الموسيقى والغناء وعادات وتقاليد الزواج، حتى في الزراعة هناك طقوس لجني الثمار من الأرض، كل أقليم له فلسفته التي أستمدها من البيئة المحيطة به، الأقاليم الصحراوية لها عادات وتقاليد، وأهلنا في الصعيد لهم عاداتهم، والمجتمع في الدلتا له طقوسه، وبالتالي تجد في كل منطقة حتى على مستوى الغناء والموسيقى والإيقاعات والآلات الموسيقية لكل منطقة ما يعبر عنها، في الصعيد تجد الربابة والمزمار والطبلة كبيرة الحجم، وفي الدلتا تجد الناي والعفاطة والطبلة، إلى جانب الآلات الأخرى مثل العود والكمان، وبما أننا بصدد الكتابة عن أحد محافظات مصر ذات الثراء الفني، وهي محافظة مطروح، لذلك سوف نتناول الوصف التفصيلي لأهم ما يميز التراث الموسيقي والغنائي البدوي.

الآلات الشعبية
على صعيد الآلات الشعبية هناك آلة “المقرونة”، وهي تقوم بدور البطولة في الموسيقى الشعبية بمطروح - محافظة مطروح تمتد من مدينة الحمام في الشرق إلى السلوم في الغرب على الحدود الليبية -، وآلة المقرونة عندما تستمع إليها لابد أن تعي أنك في إحدى مدن مطروح، أو أنك تستمع إلى مقطوعة موسيقية من إبداع أهل الصحراء الغربية.

 لو ذهبنا إلى تعريف تلك الآلة فهي الآلة الوحيدة الهوائية التي صمدت عبر التاريخ الموسيقي لبادية محافظة مطروح، وتتميز بنبرة فريدة تجعلها تعزف الألحان البدوية المختلفة بحالتي الشجن القاسي، والفرح المبهج.
وهي عبارة عن زمارة مزدوجة، ويطلق عليها زمارة بساقين وبالوصين مقرونين، وبها 5 ثقوب، ويضاف إليها قرني بقر لتضخيم الصوت، وتسمى (مقرونة)، إما لاقتران ساقيها معاً، أو لوجود القرون فيها.
طريقة العزف تشبه العزف على الناي، يقوم العازف بغلق الثقوب وفتها لتقصير وتطويل عمود الهواء المحبوس داخل الأنبوب (القصبة)، وإستخراج الدرجات الصوتية لهذه الآلة، وليتمكن من العزف المستمر المتواصل يقوم عازف الزمارة بتخزين الهواء داخل تجويف الفم وتسريبه شيئاً فشيئاً ويقوم بالتنفس في الوقت ذاته، أي يدفع الهواء داخل الآلة ويستنشق من الأنف.
وهذه الآلة لازالت تصنع من خامات أولية، وبنفس الطريقة البدائية التي كانت تصنع بها منذ آلاف السنين، والأصوات الصادرة منها قريبة من أصوات السلم الموسيقي العربي ذي الأرباع الصوتية، ونظراً لمحدودية ثقوبها الخمسة، فهي تستطيع أن تؤدي ألحان الأغاني الشعبية التي تتكون من 6 نغمات فقط.

الطبيلة و الزير
وهناك آلتين للايقاع هما طبلة صغيرة الحجم كانت تصنع من صندوق خشبي صغير أسطواني الشكل ويشد عليه جلد الماعز بعد دبغه، وتتميز بصوتها العالي، وكانت تصاحب أمسيات الرجال والنساء في الأعراس والمناسبات السعيدة المختلفة، ومع الوقت اختفت هذه القطعة، وتم استبدالها “بالزير الجرماني”، وهو عبارة عن وعاء من الصاج السميك وتواجد بكثرة في صحراء مطروح، كمخلفات للحرب العالمية الثانية، ويبدو أنه كان من أدوات الألمان في الحرب، لذلك أطلق عليه “الزير الجيرماني” نسبة إلى ألمانيا، وأصبح خاص بالنساء فقط دون الرجال، لرقة صوته ونعومة إيقاعاته، ومازال مستخدما في كثير من بوادي مطروح حتى الآن، وهناك آلات موسيقية أخرى تستخدم مثل “السمسمية، العود، الأكورديون والقانون”، لكنها بالطبع ليست ابنة البيئة.

الغناء البدوي
الغناء في مطروح له خصوصية شديدة، ومرتبط بجلسات السمر في الصحراء، شأنه شأن المجتمع في دول شمال أفريقيا التي تتشابه إلى حد بعيد في الألحان والإيقاع وحتى الآلات الشعبية، مثل “المقرونة” التي تجدها في ليبيا، والتي نتقاسم الأنغام معها نظرا لقرب المسافة والنسب بين العائلات، أيضا تدخل تونس معنا على نفس الخط، ويتنوع الغناء في مطروح إلى عدة أشكال.
أولا، “غناوة العلم”، لغويا غناوة من الغناء، وعلم من العلم بالخبر، وهذا هو المقصود من الغناوة، حيث يقوم الشاعر بنظم الغناوة بطريقة مكثفة جدا ومركزة ليقوم بإيصال فكرته .
وتعد “غناوة العلم” من أكثر ألوان الأدب شهرة وإستخداما، وذلك لعدم إرتباطها بمناسبات معينة تؤدي فيها، بل تؤدي في أي وقت حسب الموقف الذي يمر به الإنسان في حياته اليومية، فـ”الغناوة” في البادية تتفوق حتى على الأمثال الشعبية في انتشارها وكثرة استخدامها .

و”غناوة العلم” عبارة عن جملة تتكون من بيت واحد ملحن ومكون من شطرين، وتحمل حكمة أو تشير لموقف أو تشرح حالة أو تروي قصة قصيرة جدا، وتعتمد في إحدى صورها على المفارقة والدهشة، كما في الومضة .
وتؤدي بواسطة “الغناي”، مؤدي بنبرة حزينة، مع تغطية الوجه باليدين، بطريقة تعتمد على التقديم والتأخير والتشويق، مع مد حروف العلة وتكرار الكلمات بأسلوب مميز لا يجعل الحكمة من الغناوة تظهر إلا مع آخر كلمة فيها، حيث ينتقل “الغناي” بين مفردات الغناوة وشطريها، مع التوقف للحظات أثناء الأداء، وبعد كل توقف يعود ليكرر الكلمات التي غناها ويضيف إليها كلمة جديدة من الغناوة تقوم بتقريب المعنى، وهكذا يقترب “الغناي” من اكتمال المعنى في كل مرة، مع إنصات الحاضرين الذين ينتظرون اكتمال الغناوة حتى يصلهم مغزاها كاملا، وغالبا ما تتبعها طلقات نارية وصيحات من المستمعين.

الثاني هو “المجرودة”، وهي قصيدة تروي قصة، ويمكن تسميتها بأنها قصة منظومة كقصيدة، فـ”المجرودة” تكتمل فيها كل عناصر القصة، بداية بالعنوان، ومرورا بالتعريف بالشخوص، ووصولا للعقدة والحل. 
وهناك “الشتيوة” تتكون من جملة واحدة من 4 إلى 7 كلمات، وغالبا ما يلقي المغني ومعه بعض أفراد الفرقة الجزء الأول من “الشتيوة”، ويردد باقي أعضاء الفرقة الجزء الثاني لـ”الشتيوة”، والتي يصحبها تصفيق من أعضاء الفرقة بطريقة مميزة.

وعلى صعيد تطوير الأغنية، يحسب للمطرب والملحن الراحل علي حميدة، تطوير شكل الأغنية البدوية وتطويرها من شكلها التقليدي إلى الحديث، الذي جعلها تخرج إلى مناطق كثيرة من العالم، واستخدم حميدة الشكل التقليدي في بعض أعماله، مثل أغنية “مرحب يا أم عيون وساع”، وأعمال أخرى كانت من أشعار عزت الجندي.
هناك مجموعة كبيرة من مطربي الصحراء حملوا على أعناقهم تقديم الأغنية البدوية، أبرزهم الشيخ صديق أبو عبعاب وجويدة أبو الحول وفرج العوامي ومصراتي موسى وعوض المالكي وخميس المجعاوي وسويد العشيري وعلي حميدة ويحيى عبدالله وسلومة عبدالله وسعد العبيدي ويوسف العشيبي وعبود مساعد جودية الطلخاوي ومحمد خميس المجعاو، ومن عرب البحيرة، صالح بوخشيم وإبراهيم بو خشيم ومرضي الجميعي ويونس العقوري وجويدة العقوري وعبد الكريم المالكي.

وتمتلك مطروح فرقة متخصصة في الفن الشعبي، تأسست عام 1975 تضم عددًا من الموسيقيين والراقصين والمغنين والمدربين، وتطورت الفرقة كثيرًا من خلال اكتساب الخبرات ومشاركتها في العديد من المهرجانات داخل مصر وخارجها، حتى أصبحت مرآة للصحراء الغربية بفنونها. 
وتشتهر “فرقة مطروح” بـ15 استعراضًا فنيًا تراثيًا، بينها 4 استعراضات تخص واحة سيوة، وهي “الزقالة والعروسة السيوية ورقصة الحصاد والألعاب السيوية”، وباقي الاستعراضات تخص الثقافة البدوية، من بينها رقصة “الكيشيك والمطروحية والصابية والجاية والجلامة والسامر”.

أقرأ أيضأ : «مواهب البادية» تتألق على المسرح المتنقل في جنوب سيناء