فن مصر.. كنز لا يفنى l أغانى الرحى

أغانى الرحى
أغانى الرحى

على الشوكى

السيدة البدوية هي عمود الخيمة البدوية وركيزة أساسية في البيت البدوي وتقوم بكل الأعمال الشاقة في البيت البدوي من حلب الشياه وإعداد الطعام وتنظيف الخيمة البدوية وملأ المياه من البئر وطحن الحبوب وتربية الصغار وحتى تستطيع القيام بهذه الأعمال الشاقة تستعين على تلك الأعمال بالغناء، وهناك أشكال كثيرة من الغناء البدوي تقوم به المرأة البدوية، لكن لا يسمعها أحد إلا أولادها فقط، أو حين تكون وحدها في الخيمة، ومن أنواع الغناء هناك مثلا أغاني الترجي، وهي أغاني تهدهد بها الأم طفلها حتى ينام.

وهناك نوع آخر من الغناء تلجأ إليه السيدة البدوية حين تقوم على طحن الحبوب لصنع “الطحين”، أو الدقيق الذي يكون عادة من القمح والشعير لصنع المأكولات الحلوة والمالحة مثل “البقينة” و”الدشيشة” و”خبز الطاوة” و”العصيدة”، وحتى تصنع تلك الأنواع من الطعام البدوي الذي يقبل عليه أطفال البيت تحتاج إلى الدقيق، فتقوم إلى رحاها لتطحن فيها الشعير والقمح لصنع الدقيق، وأثناء عملية الطحن تقوم بتسلية نفسها بالقيام بالغناء وهي تدير قرصي الرحى المكونين حجرين صلبين، وفي إحداهما يد خشبية تمسكها لتدوير الحجر العلوي على الحجر السفلي الذي يوضع بينهما القمح أو الشعير لطحنه.

ولإن عملية الطحين بالرحى تعد عملية شاقة بالفعل على النساء، وتحتاج لوقت ومجهود، تسلي نفسها بالغناء ما يسمى “مهاجاة الرحى”، أي تحكي إلى الرحى أفراحها وأحزانها، وتسأل في غناءها ومهاجاتها للرحى عن الغائبين، لتستأنس بالغناء عن وحشة غيابهم، كما يمكن أن تجد في غناءها للرحى حكما عن الحياة وأبياتا من الشعر المغنى والمقفى عن الكرم والجود والتفاخر بحسبها ونسبها وقبيلتها وكرم أخوتها وشجاعة زوجها وهكذا من الأشياء التي تبعث على السرور إلى نفسها لتضيع وقت الطحن الصعب بدنيا، ومن أمثلة تلك الأغاني التي تكون عادة ما تشبه المربعات الصغيرة على شكل بيتين يقطران حكمة وإيجازا بلاغيا وموسيقى واضحة حتى يسهل عليها التغني بها أثناء عملية الطحن بالرحى.

 

وهناك أمثلة عديدة لأغاني الرحى، منها مثلا حين تتحدث عن النفس البشرية وخصالها، فتقول “النفس لي تبع رضاها تجيبك لدار النقيصة ومن عز نفسه لقاها ومن باعها جت رخيصة”، وهنا تعني بأن النفس البشرية التي يتتبع رضاها لا توصله إلا للنقائص، ومن تعزز بنفسه حمته كرامته من الشرور، ومن باع نفسه تتحول به إلى نفس رخيصة لا ثمن لها بين الأنفس البشرية، وتقول أيضا “مزين منازيل هلنا والشبح فيهن عبادة صنطة شجرهن يفوح تحي طريح الوسادة”، أي أن أحسن البيوت بيوت أهلنا والتغني بها يصل إلى درجة العبادة وحتى رائحة شجر السنط تملأ الدنيا عبير يفوح في الأفاق برائحته الزكية، حتى له من السحر في رائحته أن يشفي من هو على سرير المرض، وهو غناء يقال للتباهي بالأهل. وتقول أيضا “اللي طلب يطلب الله يقول يا كريم المعاطي أما العبد خليك منا لا يشيعك ولا يواطي”، ومعناه كن عفيف النفس ولا تطلب من العبد شيئا لإنه لن ينفعك بشيء بل اطلب من الله الكريم الذي لن يخذل دعائك وطلبك، وهنا تظهر كما قلنا الحكمة في مهاجاة الرحى ممزوجة مع الموسيقى الواضحة والتكثيف الذي تتطلبه الحكمة من قصر الكلام والإستدلال عليه بأقل الكلام، وتقول أيضا حكمة جميلة ومكثفة تنهى فيها عن الغضب الذى لا يوصل إلا إلى الضياع والتوهة، وكأن من يغضب يستعر بنار شديدة المراس مشتعلة ومتأججة، أو حين تغضب يعصف بك الغضب وكأنك ركبت البحر في مركب، وفوجئت بالبحر عالية أمواجه، وليس لمركبك قبطان أو رئيس ينجيه من تلك الأمواج العالية، فتقول الغيض يرميك في نار حمرة حطبها قصايص ويرميك في موج لبحار وتركب بلا غير رايس.

أقرأ أيضأ : فيديو| شارموفرز تطرح كليب «كرڤان»