إنها مصر

الأديان والأوطان

كرم جبر
كرم جبر

الطريق إلى الإرهاب يبدأ بضرب الهوية الوطنية ونشر الأفكار المتطرفة وفي صدارتها الزعم بأن حب الأوطان ليس من الأديان، وأن أرض المسلمين لكل المسلمين، ومقصدهم من ذلك أن يقتلوا في النفوس حمية الدفاع عن الأرض، وجعلها مستباحة تحت شعارات دينية صنعوها من الأكاذيب، لأن الأديان لا تفرط في حب الأوطان، ومن يموتون دفاعاً عنها، هم في أعلى درجات الشهادة.

الإخوان وشجرة عائلتهم الإرهابية، القاعدة وداعش وبيت المقدس وجماعة أبو سياف وجبهة النصرة وأنصار الشريعة وجيش الإسلام وتنظيم الجهاد وجند الشام، وأسماء أخرى كثيرة، أطلق عليهم الغرب «الصحوات الإسلامية».

لم يكونوا «صحوات» بل «نكبات»، ولم يطلقوا رصاصة واحدة، ولم يرفعوا سيفاً ولم يوجهوا قذيفة، في صدور أعداء الوطن الحقيقيين، ولكنهم يصوبون كل أسلحة القتل والدمار نحو أوطانهم وشعوبهم.

اختاروا علماً أسود بلون الظلام، فإذا خرجوا للنور صرعتهم ألسنة الضوء وأشعة الشمس، وفي الظلمة تتكاثر الأوبئة والأمراض وأحلام الشيطان، وتصبح صوبة تنمو فيها أفكار كراهية الأوطان، وكأن القتلة شربوا ماء بلادهم سماً وأكلوا من خيراتها طعاماً يسري في عروقهم ناراً وسعيراً.

لا صلاح إلا إذا اغتسلت الأرواح وتطهرت القلوب، ورفعنا تعاليم الإسلام الصحيحة، فلا تلهينا هموم الحياة ومشاغلها عن الاحتماء بسماحة الدين، ونشر المحبة والسلام في ربوع الأوطان.

أقول ذلك لمن حاولوا اختطاف الوطن من هويته، وانتزاع علمه ورايته، فالأديان لا تحض على كراهية الأوطان، ومخطئ من يتصور أن حب الوطن يتعارض مع حب الدين، فحب الوطن درجة من درجات الإيمان، وقد يكون أعلاها وأفضلها منزلة، والشهداء يورثون أبناءهم الفخر والعزة والكبرياء، «بابا شهيد» ما أروعها حين ينطقها طفل، قد لا يدرك معناها، ولكن حين يُكبر ويشد، يزهو ببطولة أب غاب عن الدنيا، لكن يبقى اسمه محفوراً بحروف من نور.. أولاد الشهداء فخر للوطن، وأوسمة عزة وخلود تبقى معلقة على الصدور.

وعندما يرتفع في السماء عالياً نداء « لا إله إلا الله « تتوحد القلوب وتتطهر المشاعر، ليس لتوظيف الدين لصالح الأغراض السياسية، أو أن تزعم جماعة بأنها صاحبة وكالة السماء حصرياً، وأن أتباعها هم المسلمون وغيرهم كفار، رغم أنهم يشهدون «لا إله إلا الله محمداً رسول الله «، وليس لاستغلال فقر الناس والمتاجرة بآلامهم وأوجاعهم، وإنما لنشر الرحمة والتكاتف والتعاطف، وأن يكون الغنى عوناً للفقير، والقادر سنداً للمحتاج، فلا فضل إلا بالتقوى والعمل الصالح.

ما أحوج بلادنا إلى استنهاض روح الأمة والعودة إلى جوهر ديننا الحنيف وتعاليمه الوسطية، فلا دنيا لمن لم يحي ديناً، والإصلاح ليس بهدم الأوطان، وإنما برفع رايتها وإعلاء شأنها.