رأفت الهجان.. الجاسوس الذى غير حياة محمود عبدالعزيز

الفنان محمود عبدالعزيز
الفنان محمود عبدالعزيز

الفنان الراحل محمود عبد العزيز سطع نجمه في العديد من الأعمال، لكن مسلسل "رأفت الهجان" كان نقطة التحول الحقيقية في حياته، حيث قدم 3 أجزاء، وتطور أدائه بشكل كبير للغاية في المسلسل، بشهادة النقاد والجمهور، ونجح في الاستحواذ على نسبة مشاهدة ضخمة، ليس فقط على مدار سنوات عرضه، لكنه مازال يحتل صدارة المشاهدة عبر المنصات الإلكترونية وعبر الإنترنت.

الساحر تحمس لتجسيد "رأفت الهجان" لأنه شخصية مصرية سليمة سوية، مثل أي مصري يحب بلده، ومخلص لوطنه، فقد أحبه من بعض الجوانب سواء في القوة وتضحياته وعدم انتمائه لأي شيء، أو حتى عندما تقابل مع الفنان الراحل يوسف شعبان أو "محسن ممتاز" الذي استطاع أن يقوي فيه انتماءه لمصر.

من الكواليس
زاد نجاح محمود عبد العزيز مع “الهجان” بسبب ما كان يحمله من محبة ودعم لجميع العاملين معه في الكواليس، بالإضافة لـ"خفة ظله" المعهودة، فقد كان حريصًا على استحضار "الكيمياء الفنية" بينه وبين زملائه خلال تصويره لأي عمل، حتى يخرج العمل في شكل ناضج ومكتمل، لا يحمل استحواذا من البطل الأوحد، وكان هناك موقف لا ينسى خلال تصوير الجزء الثالث من “رأفت الهجان”، جمع بينه وبين الفنانة عفاف شعيب، التي كانت تجسد دور شقيقته بالأحداث. 

في هذا المشهد كانت النجمة تعاني من أزمة رحيل شقيقها الذي مر على وفاته أيام، وكان حينها تركيزها ضعيفًا، وكان هناك مشهد يجمعها بمحمود عبد العزيز مكتوب في قرابة الثلاث صفحات.
وكانت الفنانة كلما وقفت أمام “الساحر” نسيت الكلمات، وكان هو والمخرج الراحل يحيى العلمي يقدران موقفها، وفي كل مرة كانت تعيد فيها الحوار، وعلى مدار ما يقرب من 4 ساعات كان “الساحر” يقول لها: “ولا يهمك.. براحتك خالص”.

اقرأ أيضًا | يرحل الجسد ويبقى الأثر.. سر زيارات محمود عبدالعزيز لمعهد القلب

من أرائهم
عن الكواليس أيضا، قال الإعلامي عمرو الليثي: “كان المسلسل يحظى بإهتمام كبير من التليفزيون ووزارة الإعلام والمخابرات العامة، وكنت في ذلك الوقت شاباً، وحالفني الحظ في العمل كمساعد مخرج للأستاذ يحيى العلمي، وعلى ترابيزة البروفات بدأنا بروفة الحلقة الأولى من المسلسل، كان عبد العزيز بديعا وهو يؤدي الحلقة الأولى، وكان المشهد الأول الذى يؤديه على ترابيزة البروفات مشهد وفاة (رأفت) على سريره وهو يصرخ من الآلام الشديدة التي إنتابت جسده بعد أن أصابه المرض”. 

ويروي الليثي تفاصيل هذا المشهد قائلا: “كان يؤدي البروفة بمنتهى الإتقان والإبداع، لدرجة أنه عندما أنتهى من أداء البروفة على الترابيزة صفق له جميع الحاضرين، فكان الأستاذ محمود عبدالعزيز حريصا في هذا المسلسل على أن يهتم بكل التفاصيل، من الملابس والألوان التي كانت شائعة في فترة ما قبل ثورة 1952، وبعدها، وكان دقيقا جدا لدرجة أنه كان حريصا حتى على معرفة وضع النجوم على أكتاف الضباط، كيف كانت توضع قبل وبعد الثورة، كان مهتما جدا حتى بالسجائر التي كان يشربها (الهجان)، فقد كانت قبل 1954 سجائر بدون فلتر، وبعدها ظهرت بفلتر”. 

ويحكي الليثي أنه كان يطلب دائماً من مورد السيارات أن يهتم بأن تكون السيارات المستخدمة معبرة عن التواريخ، بحيث تكون موافقة للسنوات نفسها.
“الساحر” أكد أيضا، أنه كان حريص على أن يؤدي هذا الدور بإقتدار إيماناً منه بأن هذا دور مختلف، لأنه يجسد دورا عظيما لشخصية فذة قدمت لمصر وللمخابرات العامة المصرية الكثير.
أما الناقد طارق الشناوي فقال عنه: “محمود عبدالعزيز يمتاز بعبقرية فن الأداء، وتجسد ذلك في مشهدين من مسلسل (رأفت الهجان)، هما مشهد الإنهزام، وكان يظهر فيه بأنه سعيد، ومشهد النصر، وكان يحاول فيه أن يكون حزين”.

وتابع: “إحنا شايفين في المشهدين وجدان محمود عبدالعزيز، لكن الملامح بتقول حاجة تانية، ودي ومضات إبداعية قلما نجدها عند الكبار، محمود أحد أهم كبار فناني الأداء في تاريخ السينما المصرية والفن المصري”.

بين السيناريو والحقيقة
بالنسبة للفنان والمنتج محمد محمود عبد العزيز، فقد أكد أنّه حضر تصوير المسلسل بأجزائه الثلاثة، لكنّ مشهد النكسة، ومشهد تنحي الرئيس جمال عبد الناصر كانا رعباً بالنسبة له، فقال: “في حالة التنحي حصلت حالة غير مفهومة، أبويا فضل يعيط بعد ما المخرج قال (Cut)، وصعد لغرفته ولم ينقطع عن البكاء ولم يستطع أحد إيقاف دموعه”.
وأضاف: “في وقت النكسة خلال الأحداث، كان في رقصة بيرقصها أبويا في الآخر وسط البار، وبدأ يعمل حركة غريبة مع الرقص، وقتها المخرج يحيى العلمي فك كاميرا من الكاميرات وسط المشهد وخلاها محمولة على اليد، وده مكانش بيحصل في التليفزيون وقتها، كاميرات زمان كانت كبيرة”.
وأضاف: “فضل المشهد يصور حتى سقط محمود عبد العزيز، وحصلت حالة هلع عظيمة، لم يكن أحد يعلم هل هو يمثل الدور أم سقط بالفعل من التعب”.  

قبلها بسنوات
في بداية مشوار محمود عبدالعزيز، فكر في الهجرة لأمريكا بعدما رفض المخرج محمد فاضل مساعدته في إحتراف التمثيل، حين كان عبدالعزيز وفاضل مساعدين للمخرج نور الدمرداش، وحصل فاضل على فرصته كمخرج وطلب منه عبدالعزيز أن يستعين به كممثل، لكن فاضل رفض، فسافر إلى النمسا وعمل في بيع الصحف في الشارع، وبعدها عاد وبدأ عمله الفني من خلال مسلسل “الدوامة” إنتاج عام 1973، ثم عمل كمساعد مخرج للراحل نور الدمرداش في مسلسل “تحفة ومشقاص في كفر البلاص” وهو مسلسل سعودي إنتاج عام 1974.

ومن المؤكد أن الصدفة لعبت دورًا كبيرًا في حياة عبدالعزيز، بعد أن تخرج من كلية الزراعة، ففي عام 1975 بدأ المنتج رمسيس نجيب إنتاج فيلم “حتى آخر العمر” لعرضه بالتزامن مع انتصارات حرب أكتوبر، وتم اختيار حسين فهمي لبطولة الفيلم، على أن تشاركه البطولة “ملكة جمال الكون” لعام 1971 اللبنانية جورجينا رزق.

وبحسب المنتج الراحل محسن علم الدين الذي كان يعمل آنذاك مع نجيب، أعتذر حسين فهمي عن بطولة الفيلم، مرجعًا السبب لصغر حجم الدور، فبدأوا البحث عن فنان آخر، حتى وقع اختيارهم على الوجه الجديد آنذاك محمود عبدالعزيز، الذي سبق له الإشتراك في مسلسل “الدوامة” وفيلم “الحفيد”، ليصبح “حتى آخر العمر” انطلاقته الأولى في عالم البطولة، ويقدم بعدها العديد من الأعمال السينمائية الخالدة، منها “العذراء والشعر الأبيض، إعدام ميت، تزوير في أوراق رسمية، البنات عايزة إيه؟، الكيف، العار، الكيت كات، الساحر، إبراهيم الأبيض.. وغيرها”. ومن المسلسلات التي أبدع في تقديمها أيضا “محمود المصري، باب الخلق، أبو هيبة جبل الحلال، رأس الغول.. وغيرها”.

رحم الله “الساحر” الذي طالما أمتعنا بأدائه السهل الممتنع، وتظل أعماله خالدة وشاهدة على عبقريته لتخطف القلوب والعقول أجيال وراء أجيال.