منشورات الـ "فيس بوك" انتهت بجريمة قتل

المجنى عليه
المجنى عليه

محمد مجلي

 بينما تشير دقات عقارب الساعة إلى التاسعة والربع صباحًا، ووسط حالة من السكون اعتاد عليها أهل الشارع بمنطقة أبوقير، شرق الإسكندرية، ظهر شخص يجري هنا وهناك حاملًا سلاحًا أبيض عبارة عن «سكين» والذي استخدمه في الجريمة يصرخ قائلًا: «قتلته .. قتلته» ثم تنتابه حالة هيسترية كبيرة فيتجه إلى الشاطئ باكيًا ليمهل نفسه بعض الوقت قبل أن يسلم نفسه إلى الشرطة، وذلك فى الوقت الذي تسارع فيه أهل منطقته إلى منزل محمد إبراهيم الشهير بـ «بؤله» المجني عليه ليتأكدوا من صحة الخبر فيعثرون عليه غارقًا فى دمائه.

ووسط حالة من الحزن الشديد أثناء مشاهدة الجثة ملقاة على الأرض، تعالت همهمات وأقاويل أهالي منطقة أبوقير «لا حول ولا قوة إلا بالله هي الحكاية دى كانت انتهت بالصلح، فما سر تحول الامر إلى جريمة»؟ّ!، ولماذا انتهت القصة بوجود قاتل ومجني عليه؟!

تفاصيل الواقعة كما سردتها محاضر قسم ثان شرطة المنتزه وتحقيقات النيابة تكشف وفاة محمد .إ.أ.ع، 37 سنة، صاحب مقهى، من سكان منطقة أبو قير، متأثرًا بطعنات متفرقة فى الجسد والصدر والقلب، وأن مرتكب الواقعة يدعى « صلاح  م . ال»، 53 عامًا، صاحب مطعم أسماك.

وتشير التحقيقات إلى أن كلا من المجنى عليه والمتهم من أبناء المنطقة وكليهما من أصحاب المحال والمطاعم، فالمجني عليه رغم صغر سنه إلا أنه يمتلك مقهى كبيرا ومعروفا في منطقة أبو قير واشتهر بلقب الحاج «بؤله»، بينما المتهم صلاح .م، من أصحاب محال الأسماك المعروفة فى المنطقة – التي تشتهر من أكبر المناطق المتخصصة فى بيع الأسماك وبها حلقة كبيرة – فكان المتهم معروفًا بين أصدقائه وأهل المنطقة.
كما تبين من خلال التحقيقات، وقوع خلافات سابقة بين كل من المجنى عليه والمتهم وصفها الكثير من أهل المنطقة بأنها خلافات عادية ويمكن تجاوزها وأن يسامح كل طرف الآخر وأن يأخذ كل طرف حقه، خاصة وأن هناك علاقة نسب بينهما وحتى يعود الهدوء إلى المنطقة خاصة وأنهما من كبار التجار المعروفين فى المنطقة وعلاقتهما معروفة مع كل الناس.

سر الجريمة

وجاء فى التحقيقات أن المجني عليه اشترى شقة عن طريق وسيط – نجل عمته – وفي الوقت نفسه تبين أنه نجل خال المتهم، وتم الاتفاق على مبلغ 300 ألف جنيه قيمة ثمن الشقة وتم الاتفاق على سداد المبلغ على دفعتين بموجب ايصالين أمانة قيمة كل منهما 150 ألف جنيه، تستحق الدفع باسم المتهم، بينما تأخر المجنى عليه فى سداد قيمة الإيصال الثاني لتبدأ بعدها الخلافات.
وكما جاء فى محضر التحقيقات أن المتهم دب بينهما الخلاف أمام تأخر المجني عليه فى سداد المبلغ وتشاجرا وتدخل أهل المنطقة لفض الأزمات وتحول الأمر إلى نزاع ومحاضر بأقسام الشرطة ثم تم تحريك دعوى قضائية لتحصيل قيمة ثمن الشقة وظلت العلاقة بين الطرفين فى توتر دائم ومشاحنات مستمرة، بعد اصرار المجنى عليه دفع قيمة ايصال واحد فقط والاكتفاء بدفع مبلغ 150 ألف جنيه.

الصلح خير

وتحت شعار «الصلح خير» حاول الكثير من أصدقاء المجني عليه وأصدقاء المتهم وبتدخل من الجيران وكبار أهل منطقة أبو قير، ً لاتمام الصلح، بين الطرفين ووسط محاولات من أهل المنطقة لعدة أسابيع وشهور تم الصلح 4 مرات متتالية على مدار عام ونصف العام تقريبًا كانت آخرها منذ أكثر من شهر تقريبًا حيث جلس الطرفان فى جلسة عرفية انتهت بضرورة اتمام الصلح بينهما وعدم تعرض أي منهما للآخر، فوافق الطرفان على اتمام الصلح.
وظن الكثيرون أن الخلاف انتهى بين الطرفين وأن الهدوء سيعود مجددًا لأهل المنطقة والشارع بالكامل إلا أن المتهم – الذي يملك  مطعمين أسماك – عرض على المجني عليه استبدال المطعمين بالمقهى التي يملكها فرفض المجني عليه هذا الاقتراح، رغم محاولات المتهم الحثيثة لإقناعه بالموافقة على الاستبدال لكن الأخير رفض وطالبه بعدم التحدث فى هذا الأمر، وهو ما أثار غضب المجني عليه فراودته فكرة لمضايقته وذلك من خلال منشورات على موقع التواصل الاجتماعي على فيس بوك.

السوشيال ميديا

وسريعًا ما عادت الخلافات بين الطرفين، اذ بدأ المتهم بوضع منشورات على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي على فيس بوك، ضد المجني عليه من بينها بوستات ومنشورات وصفها البعض وكما جاءت فى التحقيقات بأنها مسيئة، الامر الذي تسبب فى غضب المجني عليه فبادله نشر المنشورات المسيئة ليعود الخلاف مجددًا وتصبح جلسات الصلح وانهاء الخلافات في الهواء وكأنها لم تكن فيعود التوتر للمنطقة وسط اصرار كل طرف على النيل من الآخر.

كانت الأزمة الكبيرة والتي أشارت إلى وقوع اقتراب أزمة كبيرة بين الطرفين؛ حين وضع المتهم صورة للمجني عليه حاملًا بندقية في يديه أثناء تواجده فى احدى حفلات الزفاف لتحية أهل العروسين، قاصدًا من ذلك تهديده بأنه يستطيع الإبلاغ عنه وأنه لن ينتظر كثيراً، ففاجأه المجنى عليه بنشر صورة تشير إلى تواجده مع بعض المجرمين وهي الصورة التي أشعلت الغضب في قلب المتهم والذي هدد المجني عليه بالقتل مرتين متتاليتين – بحسب التحقيقات والمحاضر وأقوال شهود العيان.

ارتكاب الجريمة

يوم ارتكاب الواقعة سارع المتهم بالتوجه إلى منزل المجني عليه، وفقًا لما تضمنته أقوال شهود العيان من خلال التحقيقات ولم يجده فانصرف فى المرة الاولى ثم عاد مرة أخرى وفى المرة الثانية حاول انتظاره كثيرًا ثم انصرف ليعود فى تمام التاسعة والربع من مساء يوم ارتكاب الواقعة، وبالسؤال عنه وجده داخل منزله الذي يعلو المقهى فطالبه بالنزول إليه وفور نزوله وتوجهه إليه فاجأه المتهم بإشهار سلاح أبيض سكين فسقط على الأرض قتيلاً، بينما جرى المتهم حاملًا السكين فى يديه مرددًا «قتلته.. قتلت بؤله» ثم اتجه بعدها إلى الشاطئ بمنطقة أبو قير ثم توجه بعدها إلى قسم ثان شرطة المنتزه.
حاول أهل المنطقة وأسرة المجنى عليه والعاملين وشقيقه التوجه بـ «بؤله» – الذي كان غارقًا فى الدماء - إلى إحدى المستشفيات القريبة من محل ارتكاب الواقعة على أمل إنقاذه إلا أن طبيب الاستقبال فى المستشفى خرج ليؤكد لهم وفاته وأن المجنى عليه توفى قبل وصوله إلى المستشفى .

النيابة تحقق

تلقى اللواء خالد البروي، مساعد وزير الداخلية، مدير أمن الإسكندرية، اخطارًا من قسم ثان شرطة المنتزه يفيد بوقوع جريمة قتل، وعلى الفور توجهت قوة أمنية من مباحث قسم الشرطة إلى موقع الحادث وتم العثور على جثة المجنى عليه، وتحرر محضر بالواقعة، وبالعرض على النيابة قررت طلب سرعة إجراء التحريات وسماع أقوال شهود عيان الواقعة وتفريغ كاميرات المراقبة والتصريح بدفن جثة المتوفي بعد ورود تقرير الطب الشرعي وأمرت بحبس المتهم على ذمة التحقيق.
وفي مشهد ابكى الجميع، شيع أهالي المنطقة رفقة الأسرة والأصدقاء، جنازة المجني عليه إلى مقابر الأسرة بأبي قير وسط حالة من الحزن الشديد والبكاء ولا تزال التحقيقات جارية.

أقرأ أيضأ :اليوم.. النطق بالحكم على طبيب التخدير المتهم بالتسبب في وفاة طفل بالإسكندرية