الأبناء من داخل محكمة الأسرة: والدنا اختفى منذ 7 سنوات ونطالب بإسقاط لقب «الأب»

الباحث عن أب
الباحث عن أب

كانت محكمة الأسرة بحلوان على موعد مع قضية غريبة فى تفاصيلها وأحداثها، اصطحب الابن الأكبر شقيقتيه وتوجه إلى القاعة، حيث موعد الحكم فى دعواهم التى أقاموها لإلزام ابيهم بإعادة الوصاية عليهم أو نقلها لشقيقتهما الكبيرة.


كان الحزن يرتسم على وجوه الأبناء داخل المحكمة، فلم يعد لديهم أحد فى هذه الدنيا، ماتت الأم منذ سنوات، وهرب الأب إلى الخارج بعد تنازله عن الوصاية وتجاهل استغاثات أبنائه، وبحث عن حياة أخرى ليس لهم حق فيها.


بدأت الجلسة فى العاشرة صباحا، وتداول القاضى دعاوى النفقة والمتعة والحضانة لمتقاضين آخرين، والتى كانت تمر أحداثها بنظرات استغراب وحزن على الأبناء الثلاثة، فقد حضروا جميعا بحثا عن أب تركهم ورفض حتى الحضور إلى المحكمة لرؤيتهم.


وقف الابن أمام القاضى ممسكا بيدى شقيقتيه الصغيرتين، لم ينتظر سؤالا أو حتى السماح له بالحديث، بل انطلقت دموعه وتبعها دموع شقيقتيه، تأثرا بمشهد المحكمة الذى عاصروه منذ لحظات.
تماسك الابن وبدأ يقص للقاضى مأساته مع أبيه الغائب منذ سنوات، رغم أنه على قيد الحياة وكم من مرة حاول التواصل معه لكنه رفض.


قال الابن «سيدى القاضى، منذ 7 سنوات كانت أمى بيننا، ترعانى أنا وشقيقتى، فجأة أصبحت مخيفة، وجدناها تصرخ، وتبكى ليل نهار، تدفعنا بيدها بعيدا كلما اقتربنا منها، أخبرنا الأطباء أنها مصابة بمرض نفسى أثّر على المخ.


كنا نعلم رغم صغرنا من أصابها بذلك المرض، لقد كان أبى، فقد كان كثيرا ما يهينها، ويضربها ويستهزأ بها، كانت تغلق حجرتها على نفسها بالساعات، وتفتحها عندما يغادر خارج المنزل، لم تكن تشتكى لأحد، كانت تعشق العزلة، وتميل إلى الصمت الدائم.


ورغم مرضها، لم تتوقف عن العطاء، كانت تعمل ليل نهار، تخرج من وظيفتها، إلى منزل الجيران تنظف وتخدم بأجر، ثم تعطينا المال كله، ننفقه على دراستنا وملابسنا مأكلنا ومشربنا، أما أبى، فلم يكن يأتى إلى البيت كثيرا، كان يخشى والدتى، أخبر المقربين منه أنها مجنونة وقد تنتقم منه على ما فعله معها، لذلك تركنا معها وكان يأتى لبضع ساعات ليأخذ حاجته ويغادر.


فى سنواتها الأخيرة.. سيدى القاضى، تحولت أمى إلى طفل بريء، لم نكن نعرف كيف نتعامل معها؟!، كانت تضحك معنا، تدللنا، وعندما تسمع صوت أبى تهرب إلى حجرتها، ظلت هكذا حتى وجدناها ملقاة على الأرض، فاقدة للوعى، ليخبرنا الطبيب أنها فارقت الحياة.


بعد موت أمى اختفى ذلك الأب نهائيا، سافر الى الخارج وقطع علاقته بنا، تركنا ثلاثة أطفال صغارا نبحث عن لقمة عيش توسلا من الجيران الذين عطفوا علينا، تحولنا إلى أطفال شوارع داخل جدران منزلنا، كنا نصحو مذعورين، شقيقتاى لم يتجاوز عمرهما وقتها الـ9 سنوات، كان لسانهما ينطق ليل نهار أمى أمى، أما أبى فقد سقط من عقولنا يوم أن تركنا وغادر.


حقيقة سيدى القاضى أنا لا أتذكر من ملامح أبى سوى صورة له معلقة على جدران حجرة نومه، ورغم ذلك مازال يخيفنا كلما نظرنا إليها، لقد كنا شاهدين رغم براءتنا وقتها على القسوة التى كان يعامل بها أبى أمى، كنا نخاف من ضحكاتها، فقد كانت دموعاً وتعبيراً عن خوفها من ذلك الزوج.


منذ عامين سيدى القاضى تواصلنا مع عائلة أبى، أعمامى، طلبنا منهم أن يرأفوا بحالنا، فقد اختفى ابنهم، ولم يعد حتى يطمئن علينا، وجدنا منهم صراحة كل العطف، لكنهم توقفوا عن مساعدتنا، فلن يتحمل أحد مسئولية ثلاثة أبناء فى حاجة الى مأكل وملبس وأموال للتعليم والعلاج.


لم يعد أمامنا سوى معاش أمى، كانت أوراقه متوقفة على حضور أبى، لكنه غاب، وهو الوصى علينا، بحثنا عنه وترجناه يعود، لكنه متواجد فى الخارج بإحدى الدول العربية متزوج هناك، وأغلق هاتفه فى وجه من تواصل معه.


الآن سيدى القاضى، شقيقتاى كبرتا، وطرق الخطاب باب شقتنا، وأنا اخشى من القادم، فوالدى الوصى الوحيد علينا، وعدم وجوده سيوقف كل خطواتنا القادمة فى مستقبلنا.


جئنا هنا بكامل إرادتنا، نطلب الزامه بالحضور والوصاية علينا او اسقاط لقب «الأب» من سجلات الحكومة، بعد ان سقط نهائيا من ذاكرتنا ومشاعرنا وعقولنا وكل حياتنا.


الآن نطلب نقل وصايتنا الى شقيقتنا ، نحن لا نريد ذلك وهو لا يريدنا، لنقطع سيدى القاضى كل ما يربطنا بذلك «الأب المؤقت».

طلب القاضى من الابن الاكتفاء بما سرده من تفاصيل، وسأل شقيقتيه، أين والدكما ، فأجاباه أنهما لم ترياه منذ 7 سنوات، اختفى ولم يعد يتواصل معهما، سافر الى الخارج وعاش هناك وتركهما يواجهان قسوة الحياة وعنفوانها.. وبعد دقائق رفع القاضى الجلسة، وقرر التاجيل للجلسة القادمة لحين حضور الأب للمحكمة. 

اقرأ ايضا | شيماء : «أصبحت مطلقة بسبب طبق مكسور»