بـ10 آلاف جنيه.. «محلل شرعى» حسب الطلب !

صورة موضوعية
صورة موضوعية

علا نافع

فى صبيحة يوم شتوى بارد، قرَّر حسين تطليق زوجته بعد أن دبت الخلافات بينهما، ووصلت لطريق مسدود، دون أن يعبأ بأنها الطلقة الثالثة، التى بعدها يستحيل عقد قرانهما وزواجهما مرة أخرى، إلا أن شيطانه زين له القرار وشجعه على اتخاذه، والمؤسف أن زوجته تقبلت قراره هذا بحزن وبكاء شديد، وحاولت تذكيره بأطفالهما لكنه أصّر على عناده، وبالفعل تم الطلاق بهدوء، لكن بمرور الأيام وبعد أن أوشكت شهور العدة أن تنقضى أدرك حسين أنه قضى على الأمل الأخير فى إمكانية عودته لطليقته.

بعد أن استشار حسين أحد أصدقائه المقربين، نصحه بالبحث عن محلل شرعى على أحد جروبات «فيسبوك» التى تقدم هذه الخدمة مجانًا أو بمقابل مادى بسيط، ورغم مرارة تقبله لتلك الفكرة فإنه كان مضطرًا لقبولها خاصة مع اقتراب انتهاء مدة العدة، وبالفعل بدأت رحلة بحثه حتى استقر على الاتفاق مع أحد المحللين الشرعيين نظير مبلغ لا يتعدى ثلاثة آلاف جنيه شرط ألا تزيد مدة الزيجة على يومين فقط فى مكان استأجره للزوجين، ورغم اشتراط المحلل ضرورة إقامة علاقة جنسية مع الزوجة فإن حسين لم يمانع إيمانًا منه بشرعية الزيجة، وبعد مرور اليومين تم الطلاق فى هدوء وعادت المياه إلى مجاريها بين حسين وزوجته.


زادت حــــالات الطــــلاق فــــى المجـتــمــع المصري، ووصلت لأرقام مرعبة فى السنوات الأخيرة بحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حيث قدر عددها فى عام 2020 بأكثر من 218 ألف حالة، ولأجل الرغبة فى لم شمل الأسرة مجددًا ظهرت موضة الاستعانة بالمحلل الشرعى إذا كانت تلك هى الطلقة الثالثة للزوجة، فبعد الطلقة الثالثة لا يجوز للمطلقة الرجوع لزوجها الأول إلا بعد زواجها من رجل آخر واستيفاء أركان الزواج الجديد من شهود، وعقد النية، والدخول بها، ولم يعد الحصول على محلل شرعى بمواصفات خاصة أمراً صعبًا فجروبات «فيسبوك» سهّلت ذلك، إذ ظهرت عدة صفحات تقدم تلك الخدمة إما بالمجان ومنها صفحة «محلل شرعى لرد المطلقات للزوج الأول مجانًا لوجه الله»، يتابعها أكثر من 2.5 ألف متابع، وفيها يقوم المحللون بعرض خدماتهم التى تتباين بين زواج لستر من فقدت عذريتها بشرط عدم دفع مهر شرعى أو مؤخر، وأن يكون العقد محدد المدة، وفى أغلب الأحيان لا تزيد مدته على الشهر منعًا لأى التزامات مادية بعد ذلك، كالإنفاق وتأثيث منزل زوجية وغيرها، ولكى تستطيع السيدة ممارسة حياتها بعد ذلك بشكل طبيعي.

وعادة ما تتفاوت أسعار المحلل بحسب الظروف الاقتصادية للزوج الأول أو الزوجة، لكنها غالبا لا تزيد على عشرة آلاف جنيه بحسب مدة الزيجة وشروط المحلل.


جروب آخر ظهر باسم «محلل شرعى لرد المطلقات»، اقتصرت خدماته على عقد الزواج لمدة يوم أو أكثر بشرط ممارسة العلاقة الجنسية التى هى أساس شرعية الزيجة بحسب آراء المحللين الذين يعرضون خدماتهم فى الجروب، والغريب أن الجروب ضم أيضًا أزواجًا وزوجات يبحثون عن محلل فى نطاق محافظات مختلفة بمقابل مادى شرط ضمانات مرضية لهم، ومنها كتابة وصل أمانة يتم تقطيعه فور الطلاق.


ولم يكتفِ الجروب بتقديم خدماته عند هذا الحد، فهناك خدمة الزواج من الفتيات اللاتى فقدن عذريتهن لأى سبب من الأسباب فى سرية تامة، ومن ثم الحصول على ورقة الطلاق كى تستطيع أن تتزوج بعد ذلك شرعيًا وتعيش بصورة طبيعية فى المجتمع.


وهناك صفحة ثالثة كانت أكثر احترافية فى التعامل مع طلبات الأزواج، إذ تراعى التنوع الجغرافى والظروف الاقتصادية المختلفة، وتحمل اسم «محلل شرعى زوج تحت الطلب»، وفيها يتم تعيين مجموعة من المحللين بحسب كل محافظة مختلفى الأعمار، والأهم مراعاة السرية عند الاتفاق خاصة أن أغلب المحللين يتمتعون بخلق عال بحسب تأكيد أدمن الصفحة.

 

ووضعت الصفحة شروطًا لإتمام الزيجة منها ضرورة الاتفاق مع مأذون شرعى لتحديد موعد عقد القرآن، فضلًا عن التنبيه بعدم إبداء أى معلومات عن المحلل أو حتى التلميح بكونها زيجة لهدف ما، والأهم عدم وجود مؤخر أو مهر فى قسيمة الزواج بل فى أغلب الأوقات يكون مجرد مبلغ رمزى لا يتعدى 25 قرشًا، بجانب إقامة علاقة جنسية لإضفاء الشرعية على الزيجة وإبعاد شبهة الزنى عنها.


يقول على نوح (اسم مستعار) محلل شرعي: يعتقد الكثيرون أن ما نقوم به أحد أشكال الزنى لكنه مساندة ومنع لتفكك الأسرة خاصة مع زيادة حالات الطلاق، والأهم أن زواج المحلل يقوم على الدخول بالزوجة سواء لمرة أو أكثر وذلك بحسب رغبة السيدة، مضيفًا أنه فى حال شعور الزوج بالغيرة أو الضيق يفضل إخفاء ذلك عنه منعًا لإثارة المشكلات بعد ذلك.


ويضيف: «يعتقد البعض أن المحلل الشرعى يشترط الحصول على نظير مادى مقابل الزواج، لكن أغلب المحللين الموجودين على صفحات «فيسبوك» لا يتقاضون أجرًا، إنما يقومون بهدفهم النبيل نظير لم شمل الأسرة، مشيرًا إلى أن الزيجة تستمر ما بين يومين وشهر، ويتم الطلاق لتعود إلى زوجها الأول بعد انتهاء شهور العدة.

وعن شروطه التى يضعها مقابل إتمام الزيجة يقول: أشترط أن توفر الزوجة مكانًا لممارسة العلاقة الزوجية، والغريب أن هناك بعض الأزواج يشترطون أن يكون ذلك فى منزلهم الخاص لمدة معينة كى يطمئن قلبه ويضمن حدوث الطلاق على الفور، وفى حال وجود أطفال مع الزوجة فإنه يقترح تأجير مكان متواضع لمدة يومين تقوم هى بدفع إيجاره كاملًا.
أما محمود شاهين (23 عامًا) فيقول: لا يعد فارق السن عقبة لإتمام الزيجة سواء بوجود علاقة جنسية أم لا، فمن أهم شروطى للزواج الحصول على مقابل مادى مرضٍ، وعدم تسجيل عقد الزواج سواء لدى محام أو على يد مأذون، منعًا للمطالبة بأى حقوق شرعية بعد ذلك أو لمعرفة المحيطين بي، فأنا مازلت أعزب من وجهة نظرهم وأريد الزواج بشكل شرعى ومعلن.

ويشير إلى أنه يشترط المقابلة والتعارف قبل العقد العرفى لكسر حاجز الخوف والخجل، كما يتعمد إرسال صورة شخصية أو أكثر للزوجة كى يتسنى لها معرفته عن قرب، وأضاف: بعض الأزواج يرفضوننى لصغر سنى ووسامتى اعتقادًا منهم بأن هذا الزواج ربما يتحوَّل لقصة حب وعشق وترفض الزوجة تطليقى لها.
وعن المبلغ الذى يحصل عليه يقول: يختلف بحسب مدة الزيجة والحالة المادية للزوجين لكنها تتراوح بين ثلاثة وخمسة آلاف جنيه، ويتم دفع نصف المبلغ قبل كتابة العقد العرفى والنصف الآخر بعد الطلاق، مؤكدًا أنه يرفض كتابة أى إيصالات أمانة فعمله ما هو إلا عرض وطلب.

ولا تقتصر خدمات تلك الصفحات على المحللين الذين يعرضون خدماتهم، بل تضم أزواجًا يبحثون عن محللين لزوجاتهم، ومنهم (س. ك) الذى يقول: منذ العام الأول لزواجى دبت الخلافات مع زوجتي، ما دفعنى لتطليقها ثلاث مرات خلال عشر سنوات، وأصبح من المستحيل إعادتها لعصمتى مجددًا، واضطررت للبحث عن محلل شرعى ليتسنى لى الزواج منها مرة أخرى حفاظًا على الأسرة والأبناء. ونصحنى أحد الأشخاص بالبحث عن محلل شرعى فى أحد جروبات الفيسبوك المخصصة لهم نظير مقابل مادى بسيط، وبالطبع راودنى شعور بالغيرة لقيامه بالدخول بها لكننى تغاضيت عن ذلك حتى يكون تطليقها منه شرعيًا، مؤكدًا أنه يبحث عن زوج فى نطاق محافظات الصعيد المشهور أبناؤها بالجدعنة والإخلاص.

وعن رأى الفقهاء فى شرعية عمل المحلل، يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: الزواج هو أسمى العلاقات الإنسانية التى شرعها الدين الإسلامي، فهو مودة ورحمة. يقول تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، فإذا انقضت تلك الشروط فلم يعد الزواج صحيحًا بل أصبح مجرد بيزنس، فنكاح المحلل باطل شرعًا وموضوعًا استنادًا إلى الحديث النبوى: «لعن الله المحلل والمحلل له»، مؤكدًا أن المرأة التى طلقت ثلاث مرات لا يحل لها العودة لطليقها إلا إذا تزوجت وطلقت بشكل طبيعى دون أى شروط.
ويتفق معه المأذون الشرعى محمد حسين: يعرف زواج التحليل بأنه زواج المطلقة ثلاث مرات من زوج آخر لتحل لزوجها الأول، إذ يُحظر عودتها لزوجها بعد الطلقة الثالثة بحسب الشريعة الإسلامية، فإذا كان النكاح بهدف تحليل المرأة لزوجها بشروط يتم الاتفاق عليها فإنه زواج باطل أو زنى مقنع، مشيرًا إلى أنه فى حال كان منوياً فقط دون أى اشتراط فهو صحيح كما أقره الحنفية والشافعية.

من الناحية القانونية، يقول محمود سلامة الخبير القانونى: أفرزت حالات الطلاق المتعددة ما يعرف باسم زواج المحلل بهدف لم شمل الأسرة ومنع تفككها بعد الطلقة الثالثة، وبالطبع فإنه تحول لبيزنس خاصة أن آلاف الشباب باتوا يعرضون خدماتهم فى التحليل الشرعى للحصول على مقابل مادي، مؤكدًا أن ما يحدث على صفحات الفيسبوك والجروبات ما هو إلا جريمة اتجار فى البشر بحسب نص المادة 27 من قانون الإنترنت الجديد بإنشاء موقع على منصات التواصل الاجتماعى بهدف تسهيل ارتكاب جريمة اتجار بالبشر تصل عقوبتها لخمس سنوات حبس وغرامة تزيد على 300 ألف جنيه.

أقرأ أيضأ :أبو القمصان: ارتفاع الطلاق بمصر يكون في مرحلة عمرية معينة