طاهر قابيل يكتب: التجلى الأعظم وحكايات نويبع

طاهر قابيل
طاهر قابيل

أنا من عشاق الجنوب، ويربطنى بجنوب سيناء رابط قوي، فتجذبنى جبالها الملونة وشواطئها البديعة واهلها الطيبون.. فعندما اسير بين دروبها والتقى بشبابها وشيوخها.. اشعر بسعادة بالغة واستطعم طعامهم.. لقد اصطفى الله -عز وجل- «مصر» و«سيناء» ومدينة «سانت كاترين» و«الوادى المقدس طوى».. ليكلم عبده ونبيه سيدنا «موسى» -عليه السلام- و»تجلى له فى «البقعة المباركة».. هذه هى ارض الفيروز و»كنز الكنوز» الذى انعم الله بها علينا وخصنا به.. فالمكان بديع يجمع بين السياحة الدينية والعلاجية.

فى العام الماضى اطلق ابن مصر البار الرئيس عبد الفتاح السيسى مشروع «التجلى الأعظم».. والذى يتضمن تطوير مدينة «سانت كاترين» وتحديث مرافقها وبنيتها الأساسية وتوسعة الطرق من «دهب ونويبع» اليها.. مع تطوير مطارها ليستوعب الزيادة فى الحركة السياحية وربط «المشروع العالمى» بالمنطقة الساحلية والصحراوية الممتدة بين «الطور وشرم الشيخ» وتحويل منطقة «الوادى المقدس» إلى مزار سياحى وروحانى واستشفائى وبيئى.. مع تطوير «النزل القديم» وإقامة حديقة صحراوية وفندق جبلي و»ممشى ودرب» يحاكى المسار التاريخى الذى اتخذه سيدنا «موسى» عبر «وادى الراحة» وصولًا لجبل «التجلى» وتطوير منطقة «استراحة الرئيس انور السادات -رحمة الله عليه»، وإنشاء ساحة «السلام» للاحتفالات، واقامة مبنى متحفى ومسرح وقاعة مؤتمرات و فندق جبلى ومنتجع سياحى استثمارى ومنطقة «بازارات».

وادى الراحة
لقد كانت لى فرص منذ بداية التسعينيات من القرن الماضى، وحتى سنوات مضت ان اسافر الى جنوب سيناء واستمتع بمشاهدة عظمة جبالها.. منذ عبور نفق الشهيد احمد حمدى والوصول الى شرم او دهب اونويبع او طابا.. وكانت زيارة «سانت كاترين» والقضاء بها لأيام من امتع وافضل الرحلات، وخاصة قضاء ايام فى «وادى الراحة»، والذى كان الرئيس محمد انور السادات- رحمة الله عليه- يحب زيارة المكان والاستمتاع بهدوئه وجماله، وقد شاهدت «المكتب» الذى كان يجلس عليه فى القرية السياحية المواجهة لدير سانت كاترين فى وادى الراحة.

زرت الدير اكثر من مرة وتجولت بداخله وشربت من مياه بئر «موسى» وشاهدت «العليقة» الخضراء .. وقرأت وثيقة العهد والامان التى اعطاها رسولنا الكريم سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام الى الاقباط.. وصعدت الجبل لمشاهدة شروق الشمس.. فالدير يقع أسفل الجبل.. ويعود بناؤه إلى القرن الرابع الميلادى.. وهو من أقدم الأديرة في العالم.. والقديسة كاترين من الاسكندرية.. أمنت بالسيد المسيح -عليه السلام- وناقشت 50 عالماً فاعتنقوا الديانة المسيحية.. وأمر«الإمبراطور» الوثنى بتعذيبها ثم قطع رأسها.

شاهدت داخل الكنيسة الكبرى أجمل لوحات الفسيفساء.. وزرت «شجرة العليقة» وهى نبات نادر لا ينبت إلا فى هذا المكان.. ويكمن سرها في خضارها الدائم .. ويقال إن سيدنا «موسى»- عليه السلام- رأى عندها نارا فصعد اليها وكلمه الله «عزوجل» عندها.. والقديسة «كاترين» ولدت بنهاية القرن الثالث الميلادى ووصفت بالحكمة والعقل.. ولما بلغت الثامنة عشرة تعمدت و امرالقيصر مكسيميانوس بعبادة الأوثان واضطهد القديسة وعذبها.. وأمر بقطع رأسها.. وبعد وفاتها بخمسة قرون رأى راهب في سيناء الملائكة يحملون جثمانها ويطيرون به ويضعونه على قمة جبل.. وفوق قمة الجبل وجد الجثمان كما شاهده فى منامه.. فحمله إلى كنيسة «موسى».. ثم نقل إلى كنيسة «التجلي» فى الدير الذي بناه الإمبراطور «جوستنيان» ويديره أسقف سيناء الذى تربطه علاقات وطيدة مع بطريرك «القدس» ورهبانه وكهنته من اليونانيين.. وقد وضعه اليونسكو على قائمة التراث العالمى.

يحيط بالدير سور يحتضن عدة أبنية تخترقها ممرات ودهاليز، وهو اشبه بحصون «القرون الوسطى»، وتم بناء سور حوله من «الجرانيت» يبلغ ارتفاعه بين 12 و15 متراً.. ويعود بناء «دير سانت كاترين» إلى القرن الرابع الميلادى عندما أمرت الامبراطورة «هيلانة» والدة الإمبراطور «قسطنطين» ببنائه.. وتم استكمال بنائه في عهد الإمبراطور»جوستينيان»، ومن أهم مبانيه «الكنيسة الكبرى» التي صممت على شكل «البازيليكا» الرومانية، وبها صفان من 12 عمودا، تمثل «شهور السنة» وزين سقفها وجوانبها بالفسيفساء، وبها تابوت يقال ان به بقايا «جثة القديسة كاترين».. وبالدير كنيسة صغيرة وأخرى للعليقة المقدسة.. وبجوارها مقام «سيدنا هارون»، ومسجد» الحاكم بأمر الله» المبنى فى عصرالفاطميين عام 500 هجرية، وهو من «الحجر اللبن والجرانيت»، وهناك ايضا مكتبة المخطوطات والوثائق والفرامانات. وتم بناء جدار حول العليقة لحمايتها من العابثين والزوار.. وبالكنيسة «خزانة مقدسة» بها مجموعات من المخطوطات الدينية الاثرية، وغرفة لجماجم الرهبان والكهنة.. وتقع مدينة «سانت كاترين» على هضبة ترتفع 1600 متر.. ويحيط بالدير مجموعة من الجبال أعلاها «كاترين وموسى والصفصافة» والتى تكسو الثلوج قممها وأرض المدينة فى الشتاء.

محمية طبيعية
وتجولت فى اكبر محمية طبيعية من حيث المساحة.. وتقع عند التقاء «وادى الإسباعية مع وادى الأربعين» على هضبة مرتفعة تحيط بها جبال «كاترين وموسى والصفصافة والصناع والبنات» وتبلغ مساحتها4300 كيلو مترمربع.. وهى من أهم الملاجئ الطبيعية للنباتات النادرة.. مثل «السموة والحبك والزعتر والشيح والعجرم والعتوم والبثيران والطرفة والسكران» وتكثر بها الزراعات المثمرة والينابيع والآبار مثل بئرالزيتونة وبئرهارون.. وتذخر بأشكال الحياة البرية مثل «الثعالب والضباع والأيائل والغزلان والوعول والأرانب والذئاب والقنفذ والفأر الشوكي والجربوع والطريشة».. وأنواع من الطيور أهمها «اللقلق والنسر والصقر والعقاب والعوسق والشنار والقطا المتوج والقمري وبومة بتلر والقنبرة والأبلق والتمير والغراب والعصفور والنعار والدرسة».. وتنتشر بها المناظر الطبيعية التي تجعل السير فيها متعة للنفس ولطالبي المتعة يكون الصعود إلى قمة «جبل كاترين» ومشاهدة «شروق الشمس» ورؤية خليجي العقبة والسويس على مرمى البصر.. ففي مدينة «سانت كاترين» قريتان هما «الطرفة والسعال» ويتبعهما31 تجمعا بدويا.. ويضم مطارها صالة بسعة 80 راكباً سيتم تطويره.. وهناك طرق برية تصل اليها من «نويبع ونفق الشهيد احمد حمدي ووادي فيران».. فالمدينة تضم «كنوزا» ورموزاً للديانات السماوية الثلاث «الاسلام والمسيحية واليهودية» ومشروع العالمي «التجلي الاعظم» يضعها وارض الفيروز على خريطة السياحة العالمية.

بعد ان تركت «سانت كاترين» اتجهت الى «نويبع» التي تطل على خليج العقبة في طريقي الى طابا.. ويمكنني منها رؤية الأراضي «السعودية والاردنية» والتنقل بين قارتي افريقيا الى اسيا.. وفى جلسة على مقهى بجوار ميناء نويبع اقترح مضيفي أن نقوم «بسفارى» الى «الكنيون الملون وواحة ام احمد وجبل النواميس».. وقال ان المدينة كانت تعرف في الماضي بانها «طابة نويبع»، وفيها «أرض القمر والبادية وجزيرة رأس شيطان»، و3 قرى هي «عرب واسط والمزينة والشيخ عطية». بالإضافة الى عدة تجمعات بدوية في «وادي وتير» ويعمل أغلب سكانها في السياحة والصيد والرعي.. ومن عاداتهم اجتماع العائلات يومياً برئاسة «شيخ القبيلة» للتحدث وحل المشكلات.. ومن أشهر وجباتهم «الزلابية والرقاق بالسكر والجريشة «قمح وسمن ولبن» والمعدوس «أرز بالعدس» والسمك المجفف والصيادية والمسلوقة واللحم الشطير والفتة بلبن الماعز».. وتشتهر المدينة بغناها بالمعالم السياحية والطبيعية الساحرة وتتخللها الكهوف والسهول والهواء النقي.. وتتعدد الأودية بها التي نحتتها مياه الأمطار والسيول.. وشكلت الرياح جبالها لتجعل منها قطعا فنية مثل «وادي الشواشى».. وقد شاهدت ذلك في مغامرتي «بالكانيون الملون».

رأس شيطان
تذخر شواطئ «نويبع» بمواقع للغطس وحدائق الشعاب المرجانية والكهوف البحرية والأسماك الملونة مثل «الباسلت والملائكة والجروبر» ومن المواقع المتميزة بها «تى ريف» وهو عبارة عن سهل رملى تعلوه قمم صغيرة تتوافد عليها أسماك «الراي الصفراء والسوداء» وايضا منطقة «أبو لولو» وهى شعاب مرجانية غنية بالحياة البحرية والأسماك الصخرية والسلاحف والدلافين وسمكة الأسد. و«أم رايشر» وبها «الأخطبوط والحبار وأسماك البراكودا» و«بواكى» التى توفر أجمل اماكن الغطس وسط الشعاب وفصائل الأسماك.. وفى «بساطة أو رأس شيطان» جبال مغمورة في الماء وأودية وكهوف وسهول وتشتهر مياهها بغناها «بالشعاب الصخرية والأخطبوط وأسماك البافر والجروبر القمرية وشقائق النعمان بألوانها المختلفة».. اما «قلعة الترابين» فقد شيدها السلطان الأشرف الغوري لحماية سيناء من الغزو التركي ورعاية المسافرين والحجاج إلا أن الأتراك احتلوها بعد تشييدها بفترة قصيرة.. و ظلت سببا لتوفير مياه الشرب للبدو من البئر المحفورة بها.. زرت «جبل النواميس وواحة ام احمد» بعد جولتى «بالكانيون الملون» وشاهدت بيوت «الانسان الاول»على جبل ارتفاعه قليل، وقيل لى انه كان يمر اسفله مجرى «النيل» وان «النواميس» تجمع بدوي تنتشر به آثار ما قبل التاريخ.. وتعود التسمية إلى منطقة «وادى الشجيراء» الذى يضم «مبانى من الأحجار الزلطية الكبيرة على هيئة قباب»، وترجع إلى العصر البرونزي والأحجار مرصوصة بطريقة بدائية دون استخدام مواد للبناء.. وهناك «قرية الصيادين» وتم تشييدها على الطراز البدوى من طابق واحد واستخدم في بنائها الكثير من الخامات البيئة وتتميز ببساطتها.. وتعتبر واحة عين «أم أحمد» من أكثر الواحات جمالا تقع أسفل «وداي الزلجة» وبها حدائق صغيرة من النخيل وبساتين الفاكهة.. ومصدرها مياه السيول التى ترشحت وتجمعت فى «الحجر الرملي».. قضيت ساعتين فى «الكانيون الملون» المليء بالتكوينات الصخرية الملونة.. قضيت اياما رائعة فى ارض الجمال والمتعة والقيام برحلات سفارى فى «سانت كاترين ونويبع».