«حرب النفط» على صفيح سخان بين روسيا والاتحاد الأوروبي

القارة العجوز توجه بالالتزام بسقف الأسعار والدب الروسي يهدد بـ«تعطيش» الأسواق العالمية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

    
في أعقاب شهور من التخطيط والمفاوضات، يقترب موعد دخول أكبر شريحة عقوبات إلى الآن على النفط الروسي حيز التنفيذ، ويبقى مدى تأثيرها غامضاً. وتوصل مسؤولو الاتحاد الأوروبي بعد ظهر الجمعة لاتفاق يحدد سقفاً لسعر الخام الروسي عند 60 دولاراً للبرميل. سيتوجب على أي شخص يريد الحصول على الخدمات الأساسية التي يقدمها التكتل الموحد –لا سيما التأمين– دفع هذا السعر أو أقل. ينطبق الأمر نفسه على ناقلات النفط الأوروبية، خاصة الأسطول اليوناني العملاق.


يُعتبر الحد الأقصى المفروض من قبل الاتحاد الأوروبي جزءاً من عملية تجري على مستوى العالم، حيث من المقرر أن تسير مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى على نفس الدرب.

اقرأ أيضا :«قاب قوسين» أوروبا تقترب من إقرار آلية تأطير سعر النفط الروسي


لكن ما زالت توجد أسئلة هائلة دون إجابة ستحدد شكل تأثير هذه التدابير على سوق النفط، بما فيها عمق أسواق التأمين غير الأوروبية، ورغبة بعض مالكي الناقلات بالمشاركة في التجارة مع روسيا، ومدى فاعلية فرض سقف الأسعار.


فيما يلي نستعرض كافة ما تحتاج لمعرفته حول ما يمكن أن يتغير على صعيد النفط الروسي.

بداية من يوم الإثنين، سيفرض الاتحاد الأوروبي حظراً على عمليات استيراد النفط الخام المنقول بحراً المنتج في روسيا. يوجد استثناء لبلغاريا، إذ يمكنها مواصلة استيراد الخام الروسي المنقول بحراً حتى نهاية 2024، بموجب العقود الموقعة قبل تاريخ 4 يونيو 2022.ولم تتأثر التدفقات عبر خطوط الأنابيب، رغم أن ألمانيا وبولندا أكدتا أنهما ستوقفان مثل هذه الواردات مع حلول نهاية 2022.


وستفرض أيضاً المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي حظراً على الخدمات البحرية التي تتيح نقل النفط الروسي، بما فيها ما يطلق عليه الدول الثالثة، وهي دولة بخلاف روسيا والبلد الموقعة للعقوبات. تتضمن قائمة الخدمات المحظورة التأمين والوساطة وأسطول الناقلات المتواجد داخل الاتحاد الأوروبي بما فيها السفن المملوكة باليونان وقبرص. لن تُطبق هذه القيود في حال تم شراء النفط بسقف السعر المحدد أو أقل منه.


وفي حال تداول النفط الخام بسعر 60 دولارا أو أقل، فإن الدول المشاركة في سقف السعر، والتي تتضمن مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا، ستتيح الحصول على الخدمات الأساسية بما فيها التأمين.


يوجد سقف واحد للسعر لكافة أنواع الخام بروسيا. سيكون مستوى 60 دولاراً أعلى بـ10 دولارات تقريباً من سعر درجة الأورال الأساسية -يجري شحنها من الموانئ الغربية للبلاد- لكن أقل من سعر خام "إسبو"، والذي يجري تحميله على الناقلات في ميناء كوزمينو بآسيا. ويفوق سعر هذا النوع الـ70 دولاراً، بحسب بيانات قدمتها شركة "أرغوس ميديا".


ويُحتسب السعر المتداول كحد أقصى عند تحميل النفط الخام على متن سفينة. ولا يتضمن تكلفة النقل والرسوم القانونية. سيُطبق منذ استلام الشحنة على السفينة وحتى نقلها عن طريق الجمارك إلى بلد جديد. وبمجرد تكرير النفط، فإنه لن يخضع للحد الأقصى، لكن في حال تم مزجه مع نوع آخر من الخام، فإنه سيكون خاضعاً لسقف السعر.
ويدرس الاتحاد الأوروبي آلية تسمح بإجراء تقييمات وعمليات مراجعة بصورة منتظمة للحد الأقصى للسعر بداية من منتصف يناير 2023.

وعادة تحصل السفن على تغطية تأمينية ضد مشكلات، مثل تسرب النفط، عبر منظمة يقع مقرها بلندن ويطلق عليها المجموعة الدولية لنوادي تأمين الحماية والتعويض. تستخدم المجموعة المعروفة اختصاراً بـ"آي جي" (IG). ويُعوّل برنامج إعادة تأمين بصورة هائلة على الاتحاد الأوروبي، ما يعني أنه لن يُسمح بتقديم خدماته إلا في حال تم شحن النفط الخام تحت سقف السعر.

لكن هناك بعض البدائل. وكانت شركة "إنغوستراك إنشورانس" (Ingosstrakh Insurance) الروسية هي أكبر شركة تأمين روسية لتغطية تأمين الحماية والتعويض بأكتوبر الماضي، وقد تكون أحد الخيارات المتاحة. ورغم ذلك، لم تعط الشركة أي مؤشرات عندما سُئلت في نوفمبر الماضي عمّا إذا كانت تتعجل سد هذا الفراغ. ويُعدّ عمق سوق التأمين في روسيا محدوداً بالمقارنة مع الأسواق التقليدية.
وصرّح نائب وزير النقل الروسي الأسبوع الماضي بأن السلطات الصينية لم تعترف حتى الآن بعقود التأمين الروسية، لكن الهند وتركيا تعترفان بها. وأكدت شركة تكرير هندية في وقت سابق أن روسيا توفر التغطية التأمينية لشحناتها من الخام.
وفي رد فعل من روسيا، شددت باستمرار على أنها لن تقوم ببيع النفط للبلدان التي تشارك في فرض سقف الأسعار. وحذّر نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك الأسبوع الماضي من أن الخطة ربما ينجم عنها مخاطر هائلة بالنسبة لأسواق السلع الأساسية، بما فيها حدوث عجز بالسوق.


حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الخميس الماضي أن روسيا ستستمر في التفاوض مع شركائها بطريقة "مباشرة" حول تسعير مبيعات النفط الخام، وأشار إلى أنه "يوجد دائماً أحد عناصر إحداث توازن المصالح"، بما فيها الأسعار. ويترك هذا مجالاً لروسيا لإبرام مبيعات بأسعار أقل من السقف المحدد مع زعم أنها غير محددة من خلال الحد الأقصى للسعر نفسه، ولا تشارك الدول التي تبيع لها روسيا في الوقت الحالي تطبيق في سقف الأسعار، لكنها قد تحاول استغلاله كوسيلة للضغط.


وتواصل مجموعة كبيرة من البلدان عمليات استيراد النفط من روسيا على طول خط أنابيب "دروجبا"، وهو الأكبر في أوروبا، بينما يتم شحن ما يصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً من النفط عبر كازاخستان من محطة قريبة من ميناء نوفوروسيسك الروسي. ولا تُعتبر هذه الشحنات محظورة.


ومن غير الواضح ما تستطيع روسيا القيام به أو ما ستقوم به من أجل معاقبة الشركات التي تشارك في تطبيق سقف الأسعار. وقد يتسبب ذلك بإلحاق الضرر بمصالحها.
ومنذ نشوب الحرب، سوّقت مجموعة من التجار الجدد النفط الروسي لدى المشترين بآسيا، بينما ابتعدت الكيانات التقليدية. وتتضمن هذه المجموعة شركات على غرار "كورال إنرجي" (Coral Energy)، و"ويلبريد" (Wellbred) و"مونتفورت" (Montfort). ولا تخضع الشركات، التي تتداول خارج دبي بدون روابط مع الاتحاد الأوروبي، لعقوبات التكتل الموحد، لكنها ستبقى في احتياج لخدمات أساسية مثل التأمين والتمويل.


وفي أول رد روسي رسمي أكد الكرملين أنه «لن نقبل» حدا أقصى لسعر النفط الروسي، نقلا عن رويترز حيث نقلت وكالات أنباء رسمية عن الكرملين قوله اليوم السبت إن روسيا «لن تقبل» فرض مجموعة السبع وحلفائها حدا أقصى لسعر النفط الروسي.


ونقلت وكالة تاس للأنباء عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قوله إن موسكو استعدت لفرض الحد الأقصى للسعر وكانت تعمل على تحليل الأمر.
وتابع "لن نقبل هذا السقف". وأضاف أن التحليل سيتم بسرعة وستعلن روسيا بعده كيف سترد.


وكان تحالف من الدول الغربية بقيادة دول مجموعة السبع، اتفق الجمعة، على وضع سقف لسعر النفط الروسي المنقول بحرا عند 60 دولارا للبرميل بهدف الحد من إيرادات موسكو ومن قدرتها على تمويل الحرب في أوكرانيا.


وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومسؤولون رفيعو المستوى في الكرملين مرارا إنهم لن يوردوا النفط للدول التي تطبق سقف الأسعار.
وانتقدت سفارة روسيا في الولايات المتحدة في تعليق على تيليجرام ما قالت إنه "إعادة تشكيل" لمبادئ السوق الحرة، وأكدت أن الطلب على نفطها سيستمر رغم هذه الإجراءات.


وأضافت أن مثل هذه الخطوات ستؤدي حتما إلى "زيادة عدم اليقين وفرض تكاليف أعلى على مستهلكي المواد الخام".
وتابعت: "نحن على ثقة بأن الطلب على النفط الروسي سيستمر".


وسيسمح سقف الأسعار للدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمواصلة استيراد النفط الخام الروسي المنقول بحرا، لكنه سيمنع شركات الشحن والتأمين وإعادة التأمين من التعامل مع شحنات الخام الروسي في جميع أنحاء العالم ما لم يتم بيعها بأقل من الحد الأقصى للسعر.