علاء عبدالكريم يكتب: كأس العالم وكهنة الظلام

علاء عبدالكريم
علاء عبدالكريم

حين يتعلق الأمر بهزل الكلام الذي يقودك إلى بواطنه الممتلئة بالخرافات والشذوذ الفكري الذي يصل إلى حد الجهل؛ لا معنى هنا لثقافة الانتظار حين ينتفض العقل يهاجم جحيم البؤس الذي ينطق به أفواه هؤلاء، الذين ما زلت أراهم وأصر على أنهم العدو الحقيقي لا في مصر وحدها وإنما في الشرق المسلم كله، هل سمعتم مرة سلفي من أصحاب الذقون السوداء الطويلة التي تطول صدورهم، و»الذبيبة» التي في وجوههم من أثر فعل الحجامة وخلطات العطارين يقول «أنا وطني»؛ فهم وعصابة الإخوان أعداء مصر؛ فمنذ نشأتهم في بداية السبعينيات على يد محمد إسماعيل المقدم بزعم أنهم ينشرون المنهج السلفي، وهم في الحقيقة وبأفكارهم التي تخدع من يؤمنون بها، أنها تقودهم إلى الجنة؛ يصنعون «إرهابي».

للأسف، استهدفت جماعات الإسلام السياسي بكل أشكالها ومشاربها عقول الشباب بمعسول الكلام، ومخاطبة عواطفهم الدينية، مستخدمين في ذلك – تحديدًا مع مطلع السبيعينات - المساجد والزوايا التي انتشرت بالآلاف في كل حي وشارع وزقاق بمصر، وشرائط الكاسيت والكتب المتشددة التي كانت تُباع على الأرصفة وقتها في تقديم خطاب ديني عاطفي يناغم أحلام الشباب الفاشل والعاطل مع الوعد بالجنة والحور العين، وتقديم كتب لأمراء الظلام، بهدف إقامة مجتمع إسلامي أساسه العنف، وهي في الأصل دعوة عصابة الإخوان المسلمين.

فوجئنا منذ أيام قليلة مضت بأحد هؤلاء أصحاب الفتاوى  الظلامية أو كما أحب أن ألقبه بشيخ النساء وتحريم تأجير ذكر الأرنب يفتي لنا بأن؛ «مشاهدة مباريات بطولة كأس العالم التي تقام الآن بدولة قطر «انحرافًا بالغًا»، ويواصل القيادي السلفي في فيديو نُشر من الدعوة السلفية بعنوان «تعليقًا على المظاهر الدينية في كأس العالم» قائلًا: «أن بطولة كأس العالم في قطر يوجد فيها منكرات أخطرها هي إلهاء العالم، متابعا: كنت خايف أجي ألقي الدرس النهاردة على النصف لقيته على التلتين، وواصل السلفي تحذيره زاعمًا أن هناك أخوة وأخوات يشجعون فرقًا بل ويحزنون عند خسارتهم، موضحًا أن هناك منكرات أخرى مثل التعصب والنزاعات الجاهلية، وكذلك إحياء محبة الكفار لأنهم يلعبون لعبة حلوة»!

وقال صاحب الفتاوى الشاذة تارة والغريبة تارة أخرى والمتشددة تارة ثالثة، تخالف المنهج الأزهري، الوسطي: «إن منع قطر للخمر ليس حدثًا غير مسبوق، ولكن يجري في مختلف ملاعب العالم، معقبًا: عشان محدش يسكر ويتجن في الملعب، لافتًا إلى أن قطر بها أماكن تقدم الخمر مثل الفنادق وأماكن الرقص والموسيقى، وأنهى السلفي يقول: «كل مظهر إسلامي نفرح به ولكن مش هنقول كأس العالم نصر عظيم، وفتح كبير للعالم للإسلامي»!

لا استغرب أبدًا كلامهم الذي فاض وطفح عن شواطئ الاحتمال؛ فهؤلاء ولاؤهم ليس للدولة الوطنية ولكن لشيوخهم القدامى أعداء الإنسانية والتقدم والحضارة؛ فلو عُرفت كرة القدم في عهد الرسول صل الله عليه وسلم لمارسها لأنه كان يحب الجري والسباق، وكما أوضح لي العالم الأزهري المستنير الدكتور مصطفى راشد قائلًا؛ «لقد اهتم الرسول صل الله عليه وسلم أشد الاهتمام بتوجيه وحث المسلمين على ممارسة الرياضة وبخاصة تلك الأنشطة ذات القيمة العالية في إكساب جسم الإنسان اللياقة البدنية والمهارة والصحة والترويح المباح. والرياضة تجعل المؤمن قوي وهو مادعا إليه الرسول الكريم حيث قال صلوات الله عليه وسلامه: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير»، كما إن الرسول صل الله عليه وسلم كان يحب السباق والجري ويمارس رياضة السباقة والجري الذى تفعله كرة القدم حاليًا؛ فقد روى أبو داود (2578)، وأحمد (26277) عَنْ عائشة، قالت: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: (تَقَدَّمُوا)، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: (تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ) فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: (تَقَدَّمُوا) فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ: (تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ) فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: (هَذِهِ بِتِلْكَ)». «صحيح أبي داود».

فمن أسف أن جماعات الإسلام السياسي لا تنتصر إلا للتعصب والخرافة وإنكار العلم الذي يأتي من الغرب الكافر، وهذا ما نادى به رشيد رضا، مع مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وقد تأثر به مؤسس شجرة الإرهاب الخبيثة في العالم الساعاتي البنا، حين قال رشيد رضا: «ضرورة تجنب المسلمين اقتباس أفكار الغرب ونظرياته وفلسفاته، ومنظوماته القيمية،لأنها في جملتها مثيرة للريبة وموصومة بمقاصد الغرب الشريرة، ويمكن أن تشكل خطرًا على عقائد المسلمين»، في حين مثلًا نجد الطهطاوي معجبًا بباريس والعلم الذي وصلت إليه بفضل علمائها ومفكريها ومثقفيها وأدبائها، وأني لأتسائل في عجب؛ هل تقدم الغرب بالإلحاد أم بالعلم؟!