«شـباب ضــد الإنجـاب».. «فيس بوك» و«تويتر» ضمن منابر نشر الدعوات

العزوف عن الإنجاب
العزوف عن الإنجاب

علا نافع

فى بقعة هادئة يتسللها ضوء خافت جلس محمود، ذلك الشاب الثلاثيني يستجمع قواه ويلملم شتات أفكاره، فاليوم قرر إخبار عائلته بنيته في العزوف عن الإنجاب والإتيان بطفل قد يعانى فى  تلك الحياة القاسية بحسب رأيه، وكان من حسن حظه أنه استطاع إقناع زوجته بحجته تلك، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية التى عصفت بهما وأجلت زواجهما عامين متتاليين.

لا يدرى محمود كيف سيستقبل والداه قراره، خاصة أنه ابنهما الوحيد.. فهو يتوقع أن تنتابهما حالة من الثورة والغضب بل وربما قطيعة تامة لفترة، لكنه بات مصممًا على رأيه وقناعته بأن يكون شخصًا «لا إنجابيًا»، فالإنجاب بحسب رأيه عقد من طرف واحد دون الحصول على موافقة المولود، لذا فإنه عقد باطل!

لم يكن محمود وحده من يؤمن بضرورة عدم الإنجاب في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي يمر بها العالم وليس مصر وحدها، أو حتى بسبب عدم القدرة على عدم تحمل المسئولية، فهناك حملة ظهرت منذ عامين تدعى «ضد التناسل» جابت الوطن العربي مؤخرًا ونجحت في استقطاب آلاف الشباب، واتخذت من منصتي «فيس بوك» و«تويتر» منبرًا لنشر دعوتهم، واستعانوا بفلسفة خاصة تؤيد قرارهم ذلك مفادها أن «الإنجاب فعل غير أخلاقي دائمًا وأبدًا وفى كل الظروف والأحوال»، «فرضت علينا الحياة ولن نفرضها على أحد».

ووصل عدد أعضاء الصفحة إلى 90 ألف متابع ينشرون آراءهم عن أسباب رفضهم الإنجاب دون نشرها بالقوة، كما تتباين أعمارهم وظروفهم الاقتصادية ومستوياتهم الاجتماعية.

مجموعات مؤيدة

ومع ظهورها انطلقت دعوات أخرى متشابهة كحملة «شباب ضد الإنجاب»، ومجموعة «معادة الإنجاب»، ومجموعة أخرى باسم «مغاربة لا إنجابيون»، ويومًا تلو الآخر يؤمن بها كثير من الشباب والشابات خاصة في دول عربية مثل سوريا ولبنان نتيجة الظروف التي تعانيها بلادهم.

ويعتمد أغلب مطلقي هذه الدعوات في طرح حججهم على آراء بعض الشعراء القدامى أو الفلاسفة، على رأسهم أبو العلاء المعري الذي رفض الزواج والإنجاب، قائلًا جملته الشهيرة: «هذا ما جناه أبى عليّ، وما جنيت على أحد»، وكذلك الفيلسوف والشاعر عمر الخيام صاحب مقولة: «ما كان أسعدني لو لم أجئ للدهر يومًا ولم أرحل ولم أكن».

وفي عصرنا الحالي اتخذ بعض الفنانين والمشاهير موقفًا شخصيًا رافضًا للإنجاب، سواء بحجة عدم القدرة على الرعاية أو تقييمهم السلبى للأحداث المحيطة بهم، وكان من أشهرهم عبدالسلام النابلسي وسناء جميل، وهناك أيضًا روايات ومؤلفات مختلفة لا تعد دعوة صريحة لعدم الإنجاب وإنما تعرضها بشكل محايد.

انقراض البشر!

وبالطبع مع ظهور الحملات الجديدة الداعية لعدم الإنجاب لاقت هجومًا دينيًا واسعًا، إذ إن جميع الديانات السماوية تدعو إلى التناسل والتكاثر، ورأى بعض رجال الدين أنها دعوة مستترة لانقراض الجنس البشرى والقضاء عليه، كما أنها تكبت المشاعر الإنسانية والفطرية بقوة الفلسفة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعى المتزايد.

تقول (س. ن) واحدة من اللا إنجابيات: الأمومة غريزة فطرية لدى الإناث تداعبهن منذ نعومة أظفارهن، فتحلم الفتاة بأن تكون أمًا لطفل واحد أو أكثر، لكن تبدلت الأحوال فقد أصبح العالم الذى نعيش به بغيضًا، تلوح به أشباح الحروب والمجاعات من آن لآخر، فضلًا عن الظروف الاقتصادية الصعبة التى جعلت الإنسان عاجزًا عن تلبية مطالبه الشخصية، فما بالك بطفل أو أكثر!!

وتضيف: قرار عدم الإنجاب نابع من الحب الشديد وليس بسبب كره الفكرة، فالكثير منا يندم على وجوده بالحياة ويتمنى مغادرتها سريعًا، فأي منطق يجعلنا نسهم في وجود مزيد من البشر يقاسون ضغوط الحياة المختلفة، مشيرة إلى أن قناعتها تلك حازت رفضا شديدا من جانب أسرتها وصلت إلى حد التعنيف اللفظي والبدني، لكنها لم تتخلَ عنها ومازالت تحلم بشريك حياة يتقبل رأيها هذا.

أما (ب.ك) مهندس وأحد مؤسسي جروب «ضد التناسل»، فيقول: العالم لم يعد مكانًا مثاليًا للحياة السعيدة، بالتالى من المؤلم الزج بأطفال أبرياء إلى هذه الحياة ليعانوا فيها، فالحروب والأزمات البيئية والكوارث الطبيعية بمثابة إشارة واضحة على عدم أمان عالمنا، إضافة إلى اليأس الذى تغلغل بداخل الشباب العربي نتيجة البطالة المتنامية وصعوبة الحصول على فرص عمل مناسبة.

ويشير إلى أن دعوتهم بدأت من خلال عدة مقالات لوقف التناسل، تلتها مبادرات على وسائل التواصل الاجتماعي، سرعان ما تحولت إلى حملات على «فيسبوك» باسم «شباب ضد الإنجاب»، ومجموعة «معاداة الإنجاب»، ومجموعة أخرى باسم «مغاربة لا إنجابيون»، فضلًا عن الجروبات التي تضم مؤيدين من دولة واحدة مثل «Child free Egypt» التي تعمل على تبادل الخبرات ونشر الأفكار في ربوع مصر، وكذلك مجموعات في سوريا ولبنان والعراق.

وحول الاتهامات الموجهة إليهم بنشرهم فكرة الانقراض، يقول: لا توجد نصوص دينية تحرِّم عدم الإنجاب، فلا ذنب على من لا ينجب، وبالطبع فإن هناك الكثير من الصحابة والتابعين وحتى الأنبياء الذين لم ينجبوا أو يفكروا حتى في الزواج، وقد تكون تلك الفكرة دافعًا لزيادة فرص تبنى الأطفال اليتامى وانتشالهم من غياهب التشرد والفقر، لكن بشرط القدرة على رعايتهم ماديًا وعاطفيًا وتربيتهم بشكل سليم.

إشباع الغريزة

من ناحية أخرى، لاقت دعوات اللا إنجابية وصفحاتها على «فيسبوك» استهجانا كبيرا من قبل بعض الشباب، حيث يقول أحمد راغب (محاسب): التكاثر والتناسل يعدُّ سُنة الحياة والفطرة التي حبانا بها الله لتعمير الأرض، كما أن الإنجاب يزيد من أواصر الصلة بين الزوجين والأهالي، والأهم أنه يشبع الغريزة لدى الرجل والمرأة فى أن يصبحا أبًا وأمًا.
وتتفق معه مى عـبدالغنى (25 عامًا): الأمومة غريزة تُولد بها الفتـاة وتحاول الاستمتاع بممارسـتها بشتى الطرق سواء برعاية أشقائها أو حتى والدها ووالدتها، وبالطبع فإن دعوات اللإنجابية شىء غريب على مجتمعنا العاشق للجو الأسرى.

فكرة غريبة

وعن رأى الطب النفسي في هذه النوعية الغريبة من الدعوات والحملات، يقول الدكتور محمد المهدى، أستاذ الطب النفسي: اللا إنجابية فكرة غريبة على مجتمعنا المصري، فمازال إلى الآن حلم الزواج والإنجاب يداعب مخيلة الشباب والفتيات، وأغلب متبنى تلك الفكرة لديه فوبيا من الفشل فى الحياة الزوجية وإنجاب أطفال يعانون من أمراض نفسية مختلفة أو يعجزون عن تربيتهم بشكل مُرضٍ لهم.

ويضيف: بعض دعاة اللا إنجابية مروا بتجارب قاسية في طفولتهم سواء تربية صارمة أو عنف بدني ولفظي، جعلتهم يرفضون تكرارها أو القيام بها نحو أطفالهم.

مشروعات أخرى

أما الدكتور أحمد صادق، أستاذ علم الاجتماع، فيقول: هناك عدة عوامل حفّزت زيادة اللاإنجابيين فى مجتمعنا، أهمها خروج المرأة للتعليم والعمل فهذا ساهم فى  تخفيض الإنجاب أو حتى منعه، فبات مشروعًا تكميليا لا أساسيًا، ناهيك بصعوبة الزواج ونجاحه فى حد ذاته، فحالات الطلاق المتزايدة خلقت خوفًا لدى الشباب وجعلتهم يبحثون عن مشروعات أخرى ينشغلون بها مثل الرغبة فى  السفر أو جمع المال أو الدراسة.
ويشير إلى أن بعض الفلاسفة الحداثيين يروِّجون لفكرة أن الإنسان هو السبب وراء كل الكوارث التى تعصف بالكرة الأرضية، وأدى إلى اختلال التوازن البيئى، وقد نجحوا فى نشر هذه الأفكار فى عقول الشباب والفتيات ما جعلهم يقررون عدم الإنجاب.

وفى  سؤال لدار الإفتاء عن حكم اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب، قال الدكتور شوقى  علام، مفتى  الديار المصرية، إن عدم الإنجاب هو حق للزوجين معًا، ويجوز الاتفاق عليه إذا كان لهما مصلحة فيه. أما على مستوى الأمة فعدم الإنجاب يؤدى لخلل بنسبة التوازن التى أقام الله الخلق عليها، فالإسلام حث على النكاح والتكاثر مع ضرورة حُسن التربية ومراعاة الأطفال.

فيما يقول الدكتور محمود الأبيدى، أستاذ الشريعة الإسلامية: الإنجاب رزق من عند الله وإرادة إلهية لا يمكن الوقوف أمامها، فقال تعالى فى كتابه «نحن نرزقهم وإياكم»، و«فى السماء رزقكم وما توعدون»، لكن هناك فهم خاطئ للإنجاب، فالبعض ينجب أكثر من ثلاثة أطفال ثم يشكو بعد ذلك من ضيق الرزق وعدم كفايته ويلقى باللوم على الدولة، مؤكدًا أن الوسطية فى الإنجاب حل مثالى بحيث لا يزيد على طفلين.
يتابع: أما مبررات اللاإنجابيين فهى فهم خاطئ للدين الإسلامى، وتعميم هذه الآراء يهدم ثوابت المجتمع، ويحفز على ظهور بعض الآراء الخـارجــة كالمساكـنــة والزواج العــرفـى وغــيرها، مطـــالـبـًا الإعــلام بممارســــة دوره التوعوى للشباب وهدم تلك القيم الغريبة التى تهاجم مجتمعنا.

أقرأ أيضأ : الإحصاء: مستوى الإنجاب في مصر يقل.. والوجه القبلي أعلى المعدلات | فيديو