أما قبل

أبطال العالم فى الكلام !

إبراهيم المنيسى
إبراهيم المنيسى

يبدو أن هذه النسخة الاستثنائية، فى مكانها وتوقيتها وطقسها وتفاصيلها، من كأس العالم هى ليست فقط بطولة كشف المنحدر الثقافى الذى آلت إليه الحضارة الغربية التى تسارع وتصارع دفاعا عن ما يعتبرونه حقوقا للشاذين عن قانون الفطرة والطبيعة الإنسانية قبل الأخلاقية، بينما يغض أصحاب هذه الحضارة الطرف عن مصائب الشعوب المضطهدة  وحقها فى الحياة الكريمة وأبناء مخيمات اللاجئين وضحايا حروب أشعلها أصحاب هذه الحضارة شديدة البرجماتية والازدواجية الفاضحة..

لكن يبدو كرويا أن هذه الدورة من كأس العالم فى قطر التى نظمتها ببراعة مثالية وكفاءة عالية وحرص على الاحتفاظ بمقومات وقيم المجتمع العربى وتقاليده وأطره الأخلاقية، هى دورة سقوط حواجز الخوف بين منتخبات الدول الأفريقية والدول الكبرى كرويا سواء الأوروبية منها أو اللاتينية.. لم يعد يخشى الأفارقة مواجهة هؤلاء بل ظهر أن كل منتخب أفريقى يتأثر بما تصنعه بقية المنتخبات الأفريقية..

راجع كلام السنغالى أليو سيسيه المدير الفنى للسنغال قبل لقائه مع الإكوادور ويتجرأ عليها ويطيح بها، وهو يقول إن فوز المغرب على بلجيكا كان ملهما له وللاعبيه وأنهم تيقنوا أن كل شيء بات ممكنا وأن الأفارقة يمكنهم صنع الكثير.. وقد كان!تأهل السنغال كأول الأفارقة لدور الستة عشر جاء مستحقا، برغم ما ظنه الكثيرون من تأثر أسود التيرانجا بغياب نجمهم الأبرز ساديو مانى الذى أبعدته الإصابة المؤثرة عن المونديال بصدمة هزت السنغال رئيسا وشعبا لكن وضح أن السنغال تملك البديل والجريء والقدرة على سد فراغ مانى وأن هذا البلد الذى ينفذ مشروعا كرويا حقيقيا يمتلك لاعبين على كفاءة عالية ينتشرون بتميز فى أندية أوروبا والدوريات الكبرى.. الشمس تشرق عندهم حتى لو غاب مانى!

مشروع السنغال الكروى الذى أتى بثماره اليانعة سواء بإنجاب نخبة هائلة من لاعبين مميزين انتشروا أوروبيا وعلى أعلى المستويات، أو بتكوين منتخبات قوية ليس فقط فى المنتخب الأول الذى حقق لبلاده كأس الأمم الأفريقية لأول مرة فى تاريخها وتأهل لكأس العالم وفرض كلمته على الكبار، ولكن حتى على مستوى الناشئين والكرة الشاطئية بل والنسائية تفوقوا ببراعة.. مش واقفين على حد!

هذا هو المشروع الحقيقى محدد المعالم  والأفكار، لكن ما قرأته للدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة بأن لدينا مشروعا لكأس العالم القادمة وما أشار إليه مسئولو اتحاد الكرة بهذا الشأن يدفعنا للتساؤل: هل يدرك هؤلاء قيمة ومعنى وملامح المشروع.. وكيف يكون التخطيط والإعلان عن محتوى هذا المشروع وتدرجاته ومراحله وإفرازاته بحيث يقف الرأى العام على حقيقة ما يسمعه من كلام اعتاده الجميع بعد كل حسرة لغياب الكرة المصرية عن مثل هذه البطولات العالمية..

نجمنا العالمى محمد صلاح وهو يتحسر إلى غيابه وزملائه عن المونديال لم ينس أن يبشرنا بالتأهل لبطولة كأس العالم القادمة ٢٠٢٦ لكنه اشترط لهذا التأهل أن نمتلك خطة طويلة المدى واضحة ومستقرة يدعمها الجميع.. فهل نملك هذا بالفعل؟.. وهل فكر أحد من باعة الأوهام للجماهير كم ستكون أعمار لاعبينا الحاليين فى الدورة القادمة؟. وكيف أن معظم المنتخبات العفية فى البطولة الحالية تعتمد على العناصر الشابة الصغيرة بينما لايزال المدربون الأجانب عندنا يندهشون من اعتبارنا اللاعب فى عمر الـ ٢٣ عاما هو ناشئ ولسه صغير..؟!

وحتى لا ننسى المستقبل والمشروع الذى يتحدث عنه صلاح وكل من يفكر بوعى وصدق ومسئولية حقيقية للكرة المصرية علينا ألا ننسى أن منتخب الناشئين المصرى فشل فى مجرد التأهل عن شمال أفريقيا لتصفيات الأمم الأفريقية المؤهلة لكأس العالم.. فشلنا بالثلث فى مجرد الدخول لمنطقة شمال أفريقيا.. يعنى لجزء من القارة.. وعايزنى أكسبها؟!

المسألة لا تخص مجلس إدارة اتحاد الكرة هذا وحده.. وافتقادنا للمشروع الكروى والخطط طويلة المدى الجادة والواضحة والمعلنة للجميع هو إرث متراكم فى عمق ثقافة اتحاد كرة يؤمن دوما بالنظر تحت قدميه وارضاء جمعيته العمومية ومصالحها الضيقة.. واحيينا النهاردة وموتنا بكرة !

من هنا فلا ندرى لماذا لا يبادر وزير الشباب والرياضة أشرف صبحى بسرعة الدعوة لحوار مجتمعى رياضى جاد يستعين فيه بنخبة من خبراء اللعبة ونجومها وكبارها ونقادها ليستقر الجميع على ورقة عمل تمثل مشروعا حقيقيا متكاملا ينهض بمسابقات الناشئين ودورى المحترفين وحكام اللعبة ومنتخباتها وكيفية تفعيل نقلة حقيقية لكرة القدم المصرية لتدخل كصناعة جادة فى بناء الاقتصاد الوطنى يمكن أن تسهم بقدر غير محدود فى تنمية الاقتصاد الوطنى ولو بقدر مناسب بدلا من أن تبقى مستزفة بشدة وغرابة للعملة الصعبة فى بلد يشهد قفزات دولارية قياسية ومتسارعة 

نحتاج لعمل جاد وحقيقى يسعد جماهير اللعبة وينمى صناعة الكرة ويغزى منتخباتها ويدفع بالعشرات من لاعبيها ومواهبها لكبربات الأندية العالمية بعد ما أثبت لنا محمد صلاح أننا يمكن أن نذهب بعيدا ونستطيع فعل الشيء الحقيقى لو تخلينا وبسرعة وبجد عن لقبنا المفضل والتاريخى: أبطال العالم فى الكلام!!