إنها مصر

الزمن لن يعود!

كرم جبر
كرم جبر

 الموبايل تحول إلى شيطان، إذا صدمت سيارة مواطناً ودمه يسيل، يلتف حوله الناس ليس لإنقاذه ولكن لتصويره و"شير" ودمه يسيل.

ولا تطمئن وأنت تتحدث مع صديق أو غريب، فقد يسجل كلامك دون أن تدرى، رغم أن ذلك مجرم قانونا، وإذا دخلت أى مكان تجد الجميع منشغلين عن الحديث والتواصل، باللعب فى الموبايل. فتقطعت الروابط الاجتماعية.

ومن ناحية المضمون، فالتغيرات التى طرأت على الشخصية المصرية فى السنوات الأخيرة حادة ومرعبة.. انخفضت معدلات الشهامة التى كانت علامة مميزة للجدعان أولاد الشارع والحارة، فيهبون لنجدة امرأة مأزومة، ويمنعون المعاكسات ودخول الغرباء، أما الآن فابن الحتة هو الذى يعاكس جارته ويصورها بالموبايل.

وفى الواقعة الواحدة تتعدد الشهادات، وفى المحاكم فئة اسمها شهود الزور، وإذا صادفك حظك العثر بأولوية المرور مع سيارة أخرى، فسوف تسمع ما لا تحبه ولا ترضاه، ولو ركنت سيارتك خطأ أمام مقهى أو محل عصير، فتجد الكاوتش على الأرض، حتى لا تفعلها ثانية.

ونشاهد طلبة الجامعة فى أفلام أبيض وأسود، يرتدون البدلة كاملة، حتى لو كانت فقيرة، والكرافت والشنبات والأحذية اللامعة، ومصففى الشعر وحليقى الذقون، الآن اذهب إلى أى جامعة، تى شيرت والذقون متسخة والشعر منكوش، والجينز ممزق، واللغة غريبة والمفردات صادمة، وأحياناً تجد شاباً يرتدى بنطلوناً صورة طبق الأصل من بنطلونات البنات.

بنات أمس كن شبه نادية لطفى وزبيدة ثروت وفاتن حمامة، هوانم ورقة وذوق وشياكة، واستايل مصرى أصيل يوحى بالروعة وعنوانه "الست دى مصرية"، وكانت الفتاة المصرية وردة العرب، قبل ظهور اللبنانية والتونسية.

بنات اليوم، اختفت الفساتين الشيك وظهرت الملابس ذات القطع الصغيرة، الجينز المقطع والبلوزات اللاصقة والكوتشى، ونادراً ما تجد من ترتدى حذاء يلمع، وصغرت الأجسام وقصر الطول وانكمش العرض.

ورغم كل ذلك:

الجيل الحالى يمتلك "القدرة" ويبحث عن "القدوة"، والشباب مولع بالبحث عن مثل أعلى، يقتنع به ويؤمن بمبادئه ويسير على دربه، شريطة أن يكون نموذجا حقيقيا، مبدعا وملهما ومقنعا ومتفوقا فى مجاله.

ولا يمكن أن تحكم على شباب اليوم بمعايير الأمس، ولا يمكن أن تقنع ابنك أن الجنيه يشترى عشر بيضات وكيلو سكر وباكو شاى كما كنا نسمع من أجدادنا، ونصطنع أننا نصدقهم.

ولن يعود زمان حتى لو قلت للزمان ارجع يا زمان، رغم ذلك فالجيل الحالى أفضل من السابق، والسابق أكثر وعياً ممن سبقه، وإلا ما تغيرت الدنيا وما تقدمت للأمام.