يوميات الأخبار

كلمة للعالم

نوال مصطفى
نوال مصطفى

رسالة بعثتها للعالم تقول إننا أصحاب حضارات عريقة، ننطلق إلى المستقبل، نهفو إلى الحداثة واللحاق بأدوات العصر واختراعاته الجديدة

سوف أسمح لنفسى باقتباس «سلوجان» أو شعار معرض الشارقة الدولى للكتاب فى دورته الـ41 «كلمة للعالم»، وأقول إننا كدول عربية وجهنا أكثر من كلمة للعالم فى أكثر من مناسبة، وأكثر من بلد فى الأسابيع القليلة الماضية.

وجهت دولة الإمارات العربية «كلمة للعالم» من خلال المعرض الدولى للكتاب ومؤتمر الناشرين الدوليين الذى ترأسه الشيخة بدور بنت سلطان القاسمى ثم مؤتمر الناشرين العرب الذى يرأسه الناشر محمد رشاد.

رسالة بعثتها للعالم تقول إننا أصحاب حضارات عريقة، ننطلق إلى المستقبل، نهفو إلى الحداثة واللحاق بأدوات العصر واختراعاته الجديدة، متكئين على إرث ثقافى عظيم، وهوية عربية أصيلة، لا تقبل المحو، ليس من السهل على شعوبها أن تتحول إلى مسخ مكرر منزوع الشخصية والتاريخ.

«كلمة للعالم» وجهتها مصر من خلال المؤتمر الدولى للمناخ COP27 الذى تم تنظيمه على أعلى مستوى، وجاءت نتائجه مبهرة للجميع من حيث عدد الاتفاقيات التى وقعت، والشخصيات العالمية الرفيعة التى شاركت، وعدد الرؤساء والملوك الذين حضروا فعاليات المؤتمر. حدث حقق نجاحًا غير مسبوق فى قضية هى الأهم على أجندة قادة العالم أجمع. قضية المناخ التى تهدد كوكبنا، وتنذر بكوارث إنسانية ليس فى مقدور دولة فى العالم مهما كان حجمها، ومهما بلغت قوتها منع وقوعها إذا استمر الحال كما هو. استطاعت مصر أن تبهر العالم كله بهذا الأداء المشرف فى مؤتمر المناخ الذى أضاءت نتائجه شموع الأمل فى قلوب العالم بأن الحلول ممكنة بتضافر الجهود جميعا، ودعم دول العالم الأول لدول العالم الثالث التى دفعت فواتير ثقيلة لأخطاء لم ترتكبها.

«كلمة للعالم» قدمتها دولة قطر العربية الشقيقة بتنظيم أكبر وأهم بطولة لكرة القدم فى العالم. بطولة كأس العالم. منذ البداية فى 20 نوفمبر وحتى الآن نتابع ومعنا عشاق الساحرة المستديرة فى أرجاء المعمورة مباريات تتنافس فيها فرق العالم ونعيش متعة التشجيع والترقب للمفاجآت. صحيح أن مصر لم تحظ بدخول كأس العالم 2022 لكننا كمصريين سعداء أن يقام هذا الحدث الكروى الكبير لأول مرة على أرض عربية، وبتنظيم رائع ومشرف.

الكرة توحد العالم

هو الآن حدث الساعة؛ الذى تغطى هتافات جماهيره على كل الأصوات الأخرى فى العالم، إنه كأس العالم الذى يحل ضيفاً كل 4 أعوام، ولهذا العام 2022 خصوصية حقيقية فهو يقام فى قطر كأول دولة عربية وشرق أوسطية تنال شرف هذا التنظيم، غمرتنى مشاعرالفرحة وأنا أتابع بترقب حفل افتتاح كأس العالم، الرؤساء والملوك العرب حاضرون فى المقصورة الرئيسية.

تبدأ التكهنات والحسابات قبل أن تنطلق صافرة المباراة الافتتاحية، كثيرون يتوقعون أن تكون هذه هى بطولة ليونيل ميسى التى سيتساوى فيها مع الأسطورة مارادونا، الذى حقق الإنجاز الأعظم لبلاده بالتتويج بالكأس فى 1986، آخرون يتمنون أن تكون الكأس من نصيب كريستيانو رونالدو الذى يعيش واحدة من (أحلى - أصعب) أيامه الكروية فى نفس الوقت، فبينما يحتقل برقم قياسى متفرد بتسجيله 8 أهداف فى خمس نسخ متتالية من كأس العالم بداية من 2006 حتى 2022، يتلقى الضربات الصعبة داخل جنبات نادى مانشستر يونايتد، الذى انتهت علاقته به منذ أيام بعد تصريحاته المثيرة التى ذكر فيها أشياء غريبة على النادى الذى شهد بزوغ نجمه. أما عشاق راقصى السامبا من أمثالى، الذين يعتبرون أن البرازيليين هم السكان الأصليون لكوكب كرة القدم فى العالم، حتى وإن لم يفوزوا فإنهم يمتعونا بكرة قدم جميلة ومغايرة عن الجميع. ولم لا؟ وهم أصحاب العدد الأكبر من بطولات كأس العالم الخمس وهم من قدموا لنا لاعبين عظاما  بداية من بيليه وكاريكا ورونالدينهو ورونالدو وريفالدو وآخرهم نيمار.

الحدث الأبرز فى أول أيام المونديال كان الفوز السعودى التاريخى على منتخب الأرجنتين، بالطبع كانت مفاجأة مدوية، لأن راقصى التانجو من المفترض أنهم فى رحلة تحقيق الحلم الغائب، لكن عزيمة وإرادة ومهارة الأخضر استطاعت أن تحقق النتيجة شبه المستحيلة وتسعد العالم العربى من المحيط إلى الخليج. وهنا لابد أن أقول إنه واضح جداً أن هذه النتيجة ليست عشوائية أو مجرد مفاجأة قدرية جميلة، لكن هى نتيجة تخطيط منظم وعناصر مكتملة من اللعبة، أنا لا أعرف المدرب هيرفى رينارد لكن ما سمعته عنه، أنه مدرب مدمن للفوز وتحقيق الإنجازات، رأيت فيديو له على فيسبوك وهو يتحدث للاعبى المنتخب السعودى بين الشوطين، ويحمسهم ويوجههم ويحاول أن يبث فيهم عزيمة أنهم لا يفرقون شيئاً عن هؤلاء الذين يلاعبونهم حتى ولو كانوا رفقاء ميسى.

أما المنتخب الألمانى الذين وضعوا أياديهم على أفواههم، كوسيلة ضغط واعتراض صامت على قرار الدولة المنظمة قطر بعدم السماح لمجتمع الميم أو الشواذ بأن يتواجدوا بشكل علنى فى شوارع وملاعب المونديال، وهى القضية التى يحاول الغرب أن يفرضها علينا بشكل فج وغير منطقى، أنا لست مع اضطهاد أى مجموعة من البشر مهما كانت، لكن لا تحاول أن تفرض عليّ أشياء ضد معتقداتى وقيمى بإدعاء الحرية، ولا تعطينى درساً فى التعايش مع الآخر وأنت ترفض أن تتعايش معى، بل تهاجمنى بشراسة لمجرد أنى أقول إن هذا التوجه لا يتماشى معى. فى النهاية؛ كانت هناك فرحة لدى الجماهير العربية لنجاح الساموراى اليابانى فى تعطيل الماكينات الألمانية وإلحاق الخسارة بها.

الإيرانيون أيضاً بقيادة كارلوس كيروش، المدير الفنى الأسبق لمنتخب مصر، رفضوا ترديد النشيد الوطنى الإيرانى أمام المنتخب الإنجليزى فى مباراتهم الأولى، والذين هزموا فيها هزيمة مذلة بستة أهداف، ثم عادوا وهزموا ويلز بهدفين فى الدقائق الأخيرة. 

قالت تقارير صحفية إن سر عدم ترديدهم للنشيد الوطنى كان بسبب مساندة اللاعبين للمظاهرات المندلعة فى أنحاء كثيرة ومتفرقة من بلادهم، منذ سبتمبر الماضى، بعد وفاة الشابة مهسا أمينى، لكنهم عادوا مرة أخرى ورددوا النشيد الوطنى بطريقة خجولة فى المباراة الثانية، ونقلت التقارير الصحفية عن قائد المنتخب، إحسان حج صفى، أنه يفترض على اللاعبين أن يكونوا صوت الشعب!. ونجح المنتخب المغربى أيضاً فى كتابة تاريخ جديد له فى المونديال بالفوز على بلجيكا بهدفين، فى مباراة كانت ممتعة جداً.

الشارقة عاصمة الثقافة

قال أستاذنا وعميد الأدب العربى صاحب نوبل نجيب محفوظ : «إن أكبر هزيمة فى حياتى هى حرمانى من متعة القراءة بعد ضعف نظرى». وقال بيل جيتس أغنى رجل فى العالم: «حقا كان لدى الكثير من الأحلام عندما كنت طفلا ، وأعتقد أن هذا مرده بقدر كبير إلى كونى كنت أقرأ كثيرا». أما أوسكار وايلد الأديب البريطانى العالمى فقال: «إن شغفى بالقراءة يجعلنى أزهد فى الكتابة».

 تأملت تلك الأقوال الثلاثة، فوجدت فى كل منها وجها مضيئا، وإنسانيا لوظيفة القراءة فى حياتنا، أديب نوبل يعتبرها سلاحه الأقوى فى مواجهة الحياة، ووقوده الأول فى إبداع رواياته، التى طالما أمتعتنا واستطاعت أن تخترق الحدود وتصل إلى العالمية. بينما يعتبرها بيل جيتس المفجر الأساسى للأفكار الخلاقة التى جعلت منه أغنى رجل فى العالم، ومن أكثر الشخصيات الملهمة على مستوى العالم كله، أما الأديب العالمى أوسكار وايلد فهو يشعر أن متعة القراءة وشحذها لطاقاته الإبداعية والإنسانية تتجاوز عنده متعة الكتابة نفسها، بل إنه ربما يتمنى لو أبحر فى عوالم الكتب الساحرة، دون أن يكون عليه التزام تجاه موهبته، وقرائه بضرورة أن ينتج أدبا، ويكون حاضرا فى فضاء الكتابة.

هؤلاء البشر وغيرهم ممن عرفوا قيمة القراءة فى الحياة كانوا حاضرين فى ذهنى وأنا أتابع المناقشات القيمة التى دارت فى الحلقات والجلسات التى حفل بها المؤتمر الدولى للناشرين فى مدينة الشارقة بدولة الإمارات العربية الشقيقة.

الاتحاد الدولى للناشرين تترأسه شابة إماراتية، مثقفة، تشربت حب الثقافة من والدها سمو الشيخ سلطان القاسمى، واستطاعت أن تفوز برئاسة اتحاد الناشرين الدولى الذى تقود فاعلياته بنجاح وتميز.

هى الشيخة بدور بنت سلطان القاسمى، استمعت إلى كلمتها أثناء افتتاح المؤتمر، واستوقفنى ما قالته عن تجربتها مع الاتحاد الدولى للناشرين حيث قالت: «إن هناك ثلاثة دروس استلهمتها خلال عامين من تولى مهام رئاسة الاتحاد الدولى للناشرين. حضرت خلالها العديد من معارض الكتاب واجتمعت مع ممثلى جمعيات الناشرين فى أكثر من 25 دولة، هذه الدروس تتلخص فى ضرورة العمل والتفاعل مع قطاع النشر على المستوى العالمى. والأهمية القصوى لتعزيز التعاون الثنائى الإقليمى بين الناشرين، إلى جانب تعزيز التنوع والشمول على تحقيق التغيير الإيجابى».

كان حضور فاعليات معرض الشارقة الدولى للكتاب فى دورته 41 ملهمًا، ومحفزًا لأسئلة كثيرة قفزت إلى رأسى، أولها: هل نحن أمة تقرأ؟ وإذا كانت القراءة وصناعة النشر تمر الآن بوعكة ثقافية فما السبب فى ذلك؟ نحن أمة الضاد، وأصل اللغة والفن والثقافة فماذا حدث لنا كدول عربية؟. الهوة الشاسعة التى تعكسها الأرقام فى هذا المجال تحتاج منا إلى الانتباه واليقظة، خاصة أن هناك جهوداً مخلصة دءوبة لتحفيز الإبداع والمبدعين وكذلك هناك مشهيات للقراء من خلال معارض دولية للكتاب على مستوى راقٍ منها طبعا المعرض الأم، معرض القاهرة الدولى للكتاب، ومعرض الشارقة، وغيرهما من المعارض العربية التى تقام فى كل قطر عربى. إذن أين المشكلة؟ ولماذا تتراجع معدلات القراءة العربية، وبالتالى يقل إنتاج ونشر الكتب بصوره الورقية والإليكترونية؟. 

الموضوع يحتاج لحوار مفتوح يضم كل الدول العربية، ويتبناه الإعلام الذى لا نعفيه من المسئولية عن تفاقم تلك المشكلة. الإعلام الذى أصبح يبحث عن الفضائح والتريند ولا يهتم بقضايا مهمة هى حجر الزاوية لبناء أى أمة تبحث عن النهوض والتقدم.