يوميات الاخبار

الفصحى وشرعية العامية

علاء عبد الهادى
علاء عبد الهادى

اللغة كائن حى يتطور بتطور الحياة ، تولد المفردات ، وتتطور استخداماتها ، وبعضها يموت ، وبعضها تتغير وتلبس ثوباً جديداً ومعنى آخر فى زمن آخر

العنوان ليس فيه خطأ ، كما قد يظن البعض ، أو كما قد يظن  البعض الآخر أنه لا يليق أن توضع لفظة كهذه فى صدر يوميات الأخبار ، ولكن لذلك سبب ، أولا هذه الكلمة التى قد تعتقدها حضرتك للوهلة الأولى عامية ، ليست كذلك ، فهى قد حصلت على شهادة ميلاد بكونها كلمة فصحى بعد أن أضفى عليها مجمع اللغة العربية الشرعية وأجازت لجنة الألفاظ والأساليب فى المجمع استخدامها باعتبارها كلمة فصحى ، وليست عامية كما استقر فى اليقين ، الطريف فى الأمر أن شهادة ميلاد «الاستعباط» ككلمة فصحى عمرها 32 سنة وبتوقيع العلامة اللغوى الكبير الراحل كمال بشر .كلمة الاستعباط ليست الوحيدة التى ارتقت من لسان العامة إلى المعاجم اللغوية باعتبارها فصيحة ، خذ عندك بعض الأمثلة :شَبرق ، وشَبرقة ، واختشى ، وغشيم وشطح .. حتى كلمة دبس فلاناً ولَبًخ فى الكلام ، وغيرها الكثير من الكلمات التى لبست ثوب الفصحى .


من آن إلى آخر تثور قضية ، العامية والفصحى ، وكيف أن الأخيرة وتحديداً المصرية تمثل خطرا على الفصحى ، وكثير من الأحيان يتردد بعض الكتاب،والروائيين فى استخدام بعض الكلمات التى تتردد كثيراً على لسان العامة مظنة  أنها عامية وليست فصحى ، ووصل الأمر الى حد « سخرية البعض على وسائل التواصل الاجتماعى من إجازة مجمع اللغة العربية، لصيغة «استفعل» من المادة الثلاثية المكونة من العين والباء والطاء (ع. ب. ط). فقد أجاز المجمع قولهم: استعبط فلان أى ادعى العباطة بمعنى السذاجة أو البله، وقولهم: استعبط فلان فلانا بمعنى تصوره أو ظنه عبيطاً أى ساذجاً وأبله.». وهذا ماقاله نصاً الدكتورعبدالحكيم راضى للزميلة منى نور فى تحقيق مهم نشر فى «أخبار الأدب» عن آلية اضفاء مجمع اللغة العربية الشرعية على بعض الكلمات المستحدثة على لسان العامة.
شرب القهوة حرام !
هذا يدفعنى للحديث عن إنجاز مهم وتاريخى للغة الضاد وربما لم يشعر به إلا خاصة الخاصة من المهتمين باللغة العربية ، وربما قليل من الأكاديميين ، وهو خروج المعجم التاريخى للغة العربية للنور.. أغلبنا يسمع عن المعاجم ، وقد يعدد أسماء بعضها ، وخاصة جيل ما قبل عصر « السوشيال ميديا «.. ولكن المعجم التاريخى يختلف ، ويمثل حلماً طال انتظاره ، بعد أن  فشلت عدة محاولات كثيرة أغلبها بسبب التمويل ، بدأها المستعرب الألمانى فيشر الذى كان عضواً فى  المجمع العلمى المصرى عام 1936 ، ولكن ماذا يعنى المعجم التاريخى ، وماذا يفرق عن المعاجم الموجودة التى نعرفها ؟
اللغة كائن حى يتطور بتطور الحياة ، تولد المفردات ، وتتطور استخداماتها ، وبعضها يموت ، وبعضها تتغير وتلبس ثوبا جديداً ومعنى آخر فى زمن آخر .
والمعجم التاريخى ببساطة يستخرج ما يمكن أن نسميه «شجرة نسب لكل كلمة ،وكيف تفرعت الأصول وتطورت ، وأنجبت أجيالا من الكلمات والدلالات عبر العصور : كما يقول د.مأمون وجيه المدير العلمى للمشروع الذى تصدت الشارقة لإنجازه وخروجه للنور بعد قرابة تسعين عاما من المحاولات الفاشلة ، وقد  تم الاحتفال فى معرض الشارقة الدولى للكتاب فى دورته الأخيرة بإنجاز ما يقرب من نصف عدد حروف اللغة العربية ، وتعهد الشيخ سلطان بن محمد القاسمى حاكم الشارقة الذى وهب حياته لخدمة الثقافة والمثقفين ، وخدمة اللغة العربية بإنجاز وتمويل المشروع الذى تتشارك فيه كل المجامع العربية .
أعطيك مثالاً لتقريب فكرة المعجم التاريخى من خلال تتبع استخدام كلمة وتطور معناها واختلافه باختلاف العصر الذى تقال فيه ، خذ عندك مثلا كلمة قهوة ، التى نطلقها على مشروب القهوة الذى نحتسيه ، أو المكان الذى نجلس فيه ونحتسى المشروبات ، ولكن أيام الجاهلية استخدم العرب كلمة القهوة بمعنى الخمر ، حيث «ورد اسم القهوة فى اللغة العربية، أصلاً، للخمر، من القهو. وتجمع أمهات المعجمات العربية، على أن الخمر سمّيت بالقهوة، كونها تُقهى شاربها عن الطعام، وتذهب بشهوته.
شىء من هذا حدث مع بعض الكلمات العامية التى كان يستحى أبناء جيلى أن يقولوها ونحن فى شرخ الشباب ، ونعتبر من يقولها منفلتاً ، أو بلا أخلاق ، ولكن الآن أصبحت هذه الكلمات تستخدم بأريحية على ألسنة البنات والأولاد ، حتى الملتزمين منهم ،وأصبحت تقال على ألسنة أبطال الأعمال السينمائية والدرامية ولم تعد للكلمات مرادفها اللاأخلاقى الذى كنا نراه والذى لازلنا نراه ،ولا أستحى أن أكتب تلك الكلمات هنا ،  ولكن الجيل الحالى لا يرونه مثلنا .. هذا أيضاً ..تطور تاريخى للغة ولكن للأسوأ
أهمية هذا المعجم تتبدى فى أنه يقدم تاريح الألفاظ العربية ومعانى الألفاظ وتطور دلالاتها وتطور المصطلحات عبر العصور، إضافة إلى الرجوع للأصول والجذور لتأثيل الكلمة فى اللغة العربية (أثلة الشيء» «أصله» و»التأثيل» تعنى «التأصيل» ) كما يقوم بتقسيم البحث للكلمة الواحدة حسب جذر الكلمة.
متحف جورح واشنطن
أتذكر عندما زرت العاصمة الأمريكية واشنطن فى أعوام قليلة من اجتياح العراق على يد قوات التحالف بزعامة أمريكا ثم احتلالها بزعم البحث عن أسلحة الدمار الشامل التى كان يصنعها صدام حسين ليهدد بها العالم ، وقتها زرت بيت جورج واشنطن الذى تحول الى متحف فريد ، قد أعود للكتابة عنه فى وقت آخر ، وأثناء خروجى سألتنى إحدى إداريات المتحف عن البلد الذى جئت منه ، وراحت تخمن : وقالت ملامحك شرق أوسطية .. تركى ؟.. سورى ، صح سورى ؟ اعتدلت ورفعت هامتى على طريقة محمد صبحى ، حتى أصبحت أعلى من ناطحات السحاب فى أمريكا نفسها،  وقلت بانجليزيتى التى تعلمتها فى مدارس الحكومة : أنا مصرى .
ردت على بسعادة غامرة ، وكأنها فجأة وقفت أمام الفرعون الذهبى توت عنخ آمون ، أو أنها عثرت على وريث عرش كليوباترا وقالت : «واو .. مصرى .. زيارة مصر.. حلمى الذى لم يتحقق بعد ، كل مرة أخطط لزيارتها يحدث ما يمنعنى من تحقيق هذا الحلم «.. واستفاضت فى ذكر أماكن أثرية تتمنى زيارتها عندما يتحول الحلم الى حقيقة وتزور مصر، بعضها أماكن لا يعرفها للأسف بعضنا كمصريين .. سألتها : وماذا يمنعك من الزياة الآن .. قالت : الحرب فى العراق !
وأسقط فى يدى ، وأخرجت قلما من جيبى _ لم تكن الهواتف الذكية عرفت بعد _ ورحت أرسم لها خريطة المنطقة على ورقة بيضاء ، لكى أزيل مخاوفها ، وأوضح لها أن العراق دولة عربية ، وما يحدث فيها بالتأكيد يهمنا ، ، ولكنها تبقى بعيدة عن مصر، وما يقع فيها من أحداث لا يجب أن يمنعنها هى أو أى سائح من زيارة مصر ولكن الفتاة الأمريكية لم تقتنع .. أحكى هذا الذى حدث قبل قرابة عقدين من الزمان ، وقتها كنا نردد أن العالم أصبح قرية كونية صغيرة ، فما بالنا بما نحن عليه الآن ، سواء على مستوى الدول أو الأفراد ، لم يعد للمسافات معنى ، وتغيرمفهوم الزمن والإحساس به ، لم يعد أحد بمنأى عن أية أحداث تقع فى  أى مكان فى الكرة الأرضية كما كان يحدث فى الماضى .. لم تعد هناك دولة قادرة أن تغلق حدودها على نفسها « وتكفى خيرها شرها « الشر سيأتيك سيأتيك : من الباب ، أو من الشباك أو حتى من تحت عقب الباب .. ظهر ذلك مع الأزمة الاقتصادية العالمية التى حدثت مع انهيار بنك ليمان براذرز الأمريكة سنة2008  ، ولكنه ظهر جليا جلياً هذا العام فى حرب روسيا وأكرانيا ، أتخيل أن هذه الحرب  ذاتها لوحدثت قبل عدة عقود ربما ما كنا شعرنا بها ،أو حتى سمع بعضنا بها ،  ولكن الواقع المرير يقول إن شظايا نيران هذه الحرب التى تدور رحاها على بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات ، وتقع فى قارة أخرى ، تفصلنا عنها محيطات وأنهار وجبال ، وعدة دول ، سقطت على أغلب دول العالم ومنها مصر ، سقطت فى العتبة وفى سوق الموسكى ، وفى  المناصرة وغيرها من أسواق مصر وأمسكت بخناق الجميع ، وكأننا طرف مباشر فى الحرب ، تأثر سعر الزيت وسعر طبق الفول ، وسعر شريحة الكمبيوتر ، وقطع غيار السيارات واشتعلت الأسعار نفسها، ولم تعد الصحف تستطيع أن تؤمن الورق الذى تطبع به ، ودور النشر تضرب أخماسا فى أسداس وهى تجد نفسها مضطرة الى رفع سعر الكتب الى حد يهدد الصناعة برمتها ، إنها العولمة الغاشمة فى أسوأ صورها .
شذوذ الغرب
لماذ هذا الإصرار الغربى على تفجير قضية حقوق الشواذ فى بطولة كأس العالم ؟ وهل موقف قطر وموقف الاتحاد الدولى لكرة القدم يتعارض حقا مع  حقوق الإنسان ، على اعتبار أنهم أصلا (بنى أدمين ) ؟ ولماذا هذه الهجمة « المسعورة « التى ما إن تهدأ ساعة حتى تتأجج من جديد ؟ شواذ العالم  فى هذه المعركة فرصة ذهبية لكسب أرضية جديدة ، تجعل من يقف فى وجه شذوذهم هو الشاذ ، بل ومطالب بأن يدافع عن نفسه .. وجدوا كل المواصفات متوافرة  فى قطر : دولة عربية ومسلمة وصغيرة وقوانينها مثل كل الدول الشرقية تقريبا تجرم المثلية ، وحدث عالمى يتابعه المليارات ، لذلك تحرك شواذ العالم على قلب رجل واحد _ مع الاعتذار لكل الرجال _ وأطلقوا أبواقهم لخوض معركة الأمتار الأخيرة لإباحة الشذوذ فى كل أرجاء المعمورة  .. ولكن لماذا هذه النظرة الاستعمارية التى يمارسها الغرب ضدنا ؟ ولماذا يريدون أن يصدروا لنا مفهومهم لحقوق الإنسان ، بل ويريدون أن يلزمونا به ، على اعتبار أن هذا هو النموذج الصح الذى يجب علينا اتباعه ؟ لماذا يأتون إلى ديارنا ويحكون أنوفنا ،ويخرجون ألسنتهم ، فى محاولة لإلزامنا بقوانينهم وعاداتهم وتقاليدهم ؟ هل نستطيع أن نفعل العكس ؟ هل يجرؤ عربى أن يفعل شيئا مخالفا للعادات والتقاليد الألمانية حتى تجاه كلب او قطة ؟  أليس هذا شكل من أشكال الإستعمار ؟
خلق الله سبحانه كل كائن حى من الفيل الى الديدان ، وزوده بأسباب البقاء ، وخلق له ( أعضاء ) يتناسل بها ويتكاثر ليبقى النوع ، السؤال : هل الجهاز الذى خلقه الله للمرأة مهيأ شكلا وموضوعا ووظيفة لكى تتناسل به مع إمراة من نفس نوعها ، أم أنه مهيأ ليتكامل مع الجهاز المقابل من النوع الآخر ( الذكر ) ؟ هل خلق الله الرجل لكى يتناسل ويتزاوج مع مع رجل مثله ، وزوده بما يحقق ذلك ؟ ام أنهم تعدوا على فطرة الله التى فطر الناس عليها ؟