محمود الورداني يكتب: بمناسبة بهاء طاهر (٢)

محمود الورداني
محمود الورداني

أواصل ما بدأته الأسبوع الماضى حول ماكُتب هنا وهناك بعد رحيل بهاء طاهر، وتحديدا التعليقات التى تناولت جيل الستينيات بوصفه جيلا أغلب أبنائه  من النمامين وكتاب التقارير وكارهى بعضهم البعض. 


ولما كنتُ من الموجة التالية لهذا الجيل، وأنتمى لموجة السبعينيات، فأعتقد أن شهادتى حول ذلك الجيل ليست مجروحة. أود أولا أن ألفت النظر إلى أن ذلك الجيل مختلف، ويمكن بسهولة واستحقاق أن نطلق عليه ذلك الفظ : جيل.


ومن الواجب أن نضع فى اعتبارنا أن تمرد وثورة وغضب الستينيات كان جزءا من حركة عالمية، وكان الطلاب والشباب عموما فى ذلك العقد قد تمردوا على العالم الرأسمالى وتخلف  المناهج وسيطرة وحوش الطبقات المستغلة.

ولم تندلع الثورة فى فرنسا وحدها حيث احتل الطلاب الجامعات، ولا فى الولايات المتحدة فقط حيث تزعم الفيلسوف العجوز هربرت ماركيوز تمرد الطلاب والشباب وأصدر كتابه الأشهر» الإنسان ذو البُعد الواحد»، وكذلك كتابه الأقل شهرة« نحو ثورة جديدة» وكلاهما تم ترجمتهما وصدرا عن دار الآداب اللبنانية فى أواخر ستينيات القرن الماضي.


وأما فى مصر، فإن سيطرة نظام عبد الناصر وتنظيمه السياسي، والتى امتدت لعقود، كانت قد بدأت فى الضعف والتراخي، ثم جاءت النكبة الكبرى والهزيمة المروعة فى يونيو 1967 .


غنى عن البيان أن الهزيمة لم تكن- على فداحتها- مجرد هزيمة عسكرية فقط، بل أيضا هزيمة للحكم المطلق والاستبداد والفساد السياسى. وكان شباب الستينيات قد بدأوا تمردهم بالكتابة ومختلف أشكال الإنتاج الفنى قبل الهزيمة.

ولم تكن مصادفة أبدا أن التمرد والغضب والتجديد لم يكن مقصورا على الإنتاج الأدبي، فقد تأسست على سبيل المثال جماعة السينما الجديدة، وكان المسرح( التابع للدولة، والحقيقة أنه لم يكن هناك شئ خارج عن سيطرة الدولة) تجاوز الخطوط الحمراء.

وهو مايمكن قوله فيما يتعلّق بالفنون التشكيلية، وللمرة الأولى منذ عقود يخرج فنان هوالشيخ إمام عيسى برفقة أحمد فؤاد نجم من الحوارى حرفيا، مصطدمين بالمؤسسة ومتجاوزين لها.


وقبل أن يمر عام واحد على الهزيمة، كان أبناء الستينيات الجالسون على مقهى ريش قد تجمعوا وبدأوا فى التفكير فى أول محاولة للاستقلال عن المؤسسة الرسمية فى النشر، ولايمكن تصور حجم الخطوة التى بدأوها.

وإلا إذا ذكرتُ أن القسم الأعظم من النشر كان تابعا للدولة وتحت سيطرتها المباشرة، كما أن كل المجلات الشهرية والأسبوعية كانت تابعة للدولة مثل المجلة والفكر المعاصر والمسرح والسينما والكاتب.. وغيرها وغيرها.


وأضيف أن أبناء الستينيات لم يكن لديهم مشاكل شخصية فى النشر وأغلبهم مُرحّب بهم، سواء فى المجلات المصرية أو اللبنانى وخصوصا مجلة الآداب البيروتية، لذلك فإن اختيارهم للاستقلال من خلال مجلة لهم وحدهم يديرونها وينشرون فيها ما يريدون، يكتسب قيمة مضاعفة.


وهكذا بدأ التفكير والإعداد لمجلة» جاليرى 68 « من مقهى ريش. نظّموا حملة تبرعات من بعضهم البعض، وتبرع كل من نجيب محفوظ ويوسف إدريس بخمسين جنيها، وهو مبلغ له قيمته آنذاك، كما بادر الفنانون التشكيليون من أجيال مختلفة فى الإعداد لمعرض لأعمالهم، وخصصت حصيلة البيع للمجلة الوليدة..  فى العدد القادم إذا امتد الأجل أواصل شهادتى.

اقرأ أيضا | محمد عبد الفتاح السباعي يكتب: التاريخ الشعبى لكرة القدم.. 11لاعباً لاستقلال الجزائر بمسامير