يقول الفيلسوف الألماني “نيتشه” : “ لولا وجود الفن في حياتنا .. لانفجرنا من الواقع! وإنه لكي ندرك كُنه الفن لا بد من وجود ميكانيكية طبيعية متمثلة بالكائن الإنسان الذي يمتلك إحساسًا ومشاعرًا تقودُه للنشوة والتمتُّع بمدركات الأشياء الجميلة وبما تثِر النشوة فيه من فيزيولوجيا؛ فـالنشوة هي أساس كل عمل فني؛ وإنه بدون النشوة لا يمكن إنجاز أي فن ، لأنها تمنح الشعور الذي تفرزه في أعماقنا من الطاقة والامتلاء “ .
وبهذه المفاهيم المستنيرة الواعية عن أهمية الفنون بأشكالها كافة في حياة المجتمعات البشرية؛ كانت مصرنا المحروسة لها قصب السبق في خروج أول مهرجان سينمائي دولي يُعقد في عالمنا العربي؛ فخرج إلى النور المهرجان الأول في العام 1976وبدأ فعالياته بعد حرب أكتوبر بثلاث سنوات؛ وبالتحديد في 16 أغسطس 1976 على أيدي الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين برئاسة الفنان الراحل كمال الملاخ، الذي نجح في إدارة هذا المهرجان لمدة سبع سنوات حتى عام 1983؛ ثم شكلت لجنة مشتركة من وزارة الثقافة ضمت أعضاء الجمعية واتحاد نقابات الفنانين للإشراف على المهرجان عام 1985؛ الذي تولى مسؤوليته الأديب الكبير سعد الدين وهبة، حيث احتل مهرجان القاهرة خلال هذه الفترة مكانة عالمية.
وبعد رحيل سعد الدين وهبة تولّى الفنان المخضرم المحبوب حسين فهمي رئاسة المهرجان لمدة أربع سنوات من عام 1998 وحتى عام 2001، إلى أن تولّى إدارته المفكر والكاتب شريف الشوباشي حتى عام 2005 ليرأسه بعد ذلك الفنان د.عزت أبو عوف وحل الفنان عمر الشريف كرئيس شرف للمهرجان رحمة الله عليهما.
ولأن “بئر العطاء الفني” لاينضب؛ فقد استمرت مسيرة المهرجان ونجاحاته إلى يومنا هذا؛ فقد انطلقت فعالياته هذا العام 2022 في دورته الرابعة والأربعين بعودة محمودة للفنان حسين فهمي رئيسا للدورة وتم افتتاحه بحضور وزيرة الثقافة المصرية “د. نيفين الكيلاني” ؛ بمشاركة حشد كبير من نجوم الفن وصناع السينما والإعلاميين؛ وشهدت فعاليات دورته خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية . حيث تم عرض فيلم قصير عن الفنان الراحل “سمير صبري” تقديرًا لمسيرته الفنية الطويلة، كما تحدث الفنان حسين فهمي عن علاقته بالراحل وذكرياتهما الحياتية معًا .
ثم عرضت إدارة المهرجان فيلمًا عن أعمال المخرجة المائزة ــ التي تم تكريمها على هامش المهرجان ــ “كاملة أبوذكري” سواء في السينما أو التليفزيون، حيث حرصت الفنانة “نيللي كريم” على تقديم جائزة “فاتن حمامة للتميز” لها، فهي تعد شريكة أساسية في نجاح أعمال نيلي كريم الدرامية .
ونذكِّر أن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 44 بدأت في الفترة من 13 إلى 22 نوفمبر الجاري، ويشهد المهرجان تكريم عدد من الشخصيات المهمة وهاكم كل ما يحيطكم علما بمن تم تكريمهم بالمهرجان: بدءا من المخرج “:بيلا تار” : جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر،وهو المخرج والمنتج والمؤلف؛ ويعد أحد أهم صناع السينما في المجر، وتخرج في أكاديمية المسرح والسينما في بودابست عام 1981؛بدأ مسيرته المهنية المليئة بالعديد من النجاحات في سن مبكرة، و قدم خلال مسيرته الفنية سلسلة أفلام وثائقية وروائية وُصفت بأنها كوميديا سوداء، فأغلب أعماله تم إنتاجها بالأبيض والأسود واستخدم فيها لقطات بطيئة مطولة وقصص غامضة ذات نظرة فلسفية تشاؤمية للتعبير عن الإنسانية، ولجأ في أحيان كثيرة للاستعانة بممثلين غير محترفين لتحقيق أكبر قدر من الواقعية التي ميزت أعماله.
وصولا إلى بهجة حفل الافتتاح الفنانة القديرة “ لبلبة “ : جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر؛الممثلة والمغنية الاستعراضية المصرية الحائزة على عدة جوائز؛و تتضمن أعمالها ما يزيد عن 88 فيلم و260 أغنية و قدمت للدراما التلفزيونية 4 مسلسلات من بينها «صاحب السعادة» و «مأمون وشركاه» مع النجم الكبير عادل إمام. ؛ وقد بدأت العمل في مجال السينما وهي مازالت طفلة في الخامسة من عمرها واشتهرت بتقليد المشاهير.حصلت على عدة جوائز كأحسن ممثلة، أهمها جائزة بينالي السينما العربية من معهد العالم العربي في باريس؛ وقدمت وهي طفلة بطولة 6 أفلام أهمها “حبيبتي سوسو” إخراج نيازي مصطفى الذي قام باكتشافها و”البيت السعيد” من إخراج حسين صدقي و”أربع بنات وضابط” من إخراج أنور وجدي .
ثم أيقونة النجاح في مجال الإخراج بثلة من الأعمال شديدة التميز الفنانة كاملة أبو ذكري : جائزة فاتن حمامة للتميز المخرجة المصرية لها العديد من الأفلام السينمائية البارزة من بينها «ملك وكتابة» و«عن العشق والهوى» (2006)، «واحد صفر» (2009) «18 يوم» (2011)، و«يوم للستات» (2016) الذي افتتحت به الدورة 38 للمهرجان .
عملت أبو ذكري لسنوات قبل ذلك كمساعدة مخرج في عدة أعمال سينمائية للمخرج نادر جلال ؛ و كمساعد مخرج أيضًا في عدة أعمال أخرى أبرزها “البحر بيضحك ليه” (1995)؛لها في مجال المسلسلات التلفزيونية مجموعة من أبرز الأعمال في السنوات الأخيرة، والتي كانت قد بدأتها عام 2004 من خلال سيت كوم «6 ميدان التحرير»، تلاه بعد ذلك عملين شهيرين للفنانة نيللي كريم هما “ ذات” عام 2013 و”سجن النسا” عام 2014 ومن ثم “واحة الغروب”للأديب الراحل بهاء طاهر 2017.جددت كاملة أبو ذكري، تعاونها مع نيللي كريم، التي منحها المهرجان في وقت سابق جائزة فاتن حمامة للتميز، عام 2020 من خلال مسلسل “بـ 100 وش” الذي حقق نجاحا كبيرا حينذاك.
كان هذا استعراضا سريعا و لمحات خاطفة عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؛ واتمنى أن يكون لنا ـفي الأسابيع القادمة لقاءً شاملاً عن الكثير من كواليس المهرجان؛ وسباق الفنانات في استعراض احدث صيحات الموضة والتصميمات اللافتة للنظر؛ واللاتي قمن باستعراضها على السجادة الحمراء بالمهرجان ؛ او كما يقولون عنها بـ “ لغة العصر “ : الريد كاربت ! والنجوم تتلألأ أينما وجدت وسماء الفن محتشدة بها ولنا حق متعة المتابعة والمشاهدة..والتقييم!
هنيئا للفن المصري بزوغ شمس المهرجان على أرض مصرنا المحروسة وأهلا بضيوف الفن الكرام من كل حدب وصوب ينعمون بحفاوة الاستقبال والإقامة السعيدة في أحضانها!.