خالد محمود يكتب .. « السباحتان » رحلة سينمائية مبهجة من جراح الواقع إلى نشوة الحرية

خالد محمود
خالد محمود

انتهت‭ ‬أيام‭ ‬وليالي‭ ‬مهرجان‭ ‬القاهرة‭ ‬السينمائي‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬الـ44،‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬بعض‭ ‬أفلامه‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬ستعيش‭ ‬معنا‭ ‬طويلا‭ ‬بإبداعها‭ ‬الفني،‭ ‬الذي‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬تجارب‭ ‬ملهمة‭ ‬بمفرداتها‭ ‬وحكايات‭ ‬وأفكارها‭ ‬وشخصيتها،‭ ‬التي‭ ‬كشفت‭ ‬مخاوفها‭ ‬وأحلامها‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تخلو‭ ‬ولن‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬غضب‭ ‬وتمرد‭ ‬وبهجة‭ ‬وتفاؤل‭ ‬وتمسك‭ ‬بحياة‭ ‬وإعترافات‭ .‬

من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬تحفة‭ ‬المخرجة‭ ‬سالي‭ ‬الحسيني،‭ ‬“السباحتان”،‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭  ‬بطريقة‭ ‬شيقة‭ ‬وجذابة‭ ‬قصة‭ ‬لاجئين‭ ‬غاصوا‭ ‬في‭ ‬حلم‭ ‬صعب‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬وطن،‭ ‬يروي‭ ‬هذا‭ ‬الإنتاج‭ ‬البريطاني‭ ‬الأمريكي‭ ‬قصة‭ ‬يسرا‭ ‬مارديني‭ ‬المثيرة‭ ‬للإعجاب،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬مراهقة،‭ ‬هربت‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القيام‭ ‬برحلة‭ ‬محفوفة‭ ‬بالمخاطر‭ ‬مع‭ ‬أختها‭ ‬سارة،‭ ‬بعد‭ ‬وصولهم‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬استأنفت‭ ‬الفتاتان‭ ‬تفانيهما‭ ‬في‭ ‬السباحة،‭ ‬ووصلت‭ ‬يسرا‭ ‬إلى‭ ‬أولمبياد‭ ‬ريو‭ ‬دي‭ ‬جانيرو‭ ‬2016‭.. ‬سالي‭ ‬الحسيني،‭ ‬التي‭ ‬أخرجت‭ ‬أول‭ ‬فيلم‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬بعنوان‭ ‬“أخي‭ ‬الشيطان”،‭ ‬لا‭ ‬ينقصها‭ ‬أبدًا‭ ‬الصورة‭ ‬المذهلة،‭ ‬وهنا‭ ‬عبر‭ ‬مشوار‭ (‬مع‭ ‬الأختين‭ ‬الواقعتين‭ ‬ناتالي‭ ‬ومنال‭ ‬عيسى‭ ‬يلعبان‭ ‬يسرا‭ ‬وسارة‭)‬،‭ ‬صورة‭ ‬محنة‭ ‬قاسية،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الفيلم‭ ‬يستقر‭ ‬على‭ ‬أسلوب‭ ‬متفائل‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬عندما‭ ‬يصلا‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬وتصبح‭ ‬سارة‭ ‬بطلة‭ ‬أولمبية،‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬نقطة‭ ‬الجمال،‭ ‬وكم‭ ‬كان‭ ‬السرد‭ ‬رائعا‭ ‬ومدهشا‭ ‬وهي‭ ‬تتنقل‭ ‬بين‭ ‬أزمة‭ ‬الواقع‭ ‬ونشوف‭ ‬الانتصار‭ ‬عكس‭ ‬أفلام‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬تكفي‭ ‬بتصوير‭ ‬صورة‭ ‬المعاناة‭ ‬والصدمات‭ ‬واليأس‭ .‬

في‭ ‬شريط‭ ‬الفيلم،‭ ‬شاهدنا‭ ‬أبطالنا‭ ‬في‭ ‬زورق‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬بحر‭ ‬إيجة‭ ‬عندما‭ ‬توقف‭ ‬المحرك،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬20‭ ‬شخصًا،‭ ‬بينهم‭ ‬طفل‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬6‭ ‬سنوات،‭ ‬محشورين‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬القارب‭ ‬لمسافة‭ ‬8‭ ‬أميال‭ - ‬من‭ ‬الساحل‭ ‬التركي‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬ليسبوس‭ ‬اليونانية‭.‬

“كانت‭ ‬إحدى‭ ‬ليالي‭ ‬الصيف‭ ‬المتأخرة‭ ‬شديدة‭ ‬البرودة‭ ‬والرياح‭ ‬وقاسية،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يصطدم‭ ‬القارب‭ ‬بموجة‭ ‬كان‭ ‬يرتد‭ ‬ويعود‭ ‬باتجاه‭ ‬تركيا”،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬يسرى‭ - ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬17‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬–،‭ ‬بدأ‭ ‬الزورق‭ ‬في‭ ‬امتصاص‭ ‬الماء،‭ ‬اتصل‭ ‬أحد‭ ‬الركاب‭ ‬بخفر‭ ‬السواحل‭ ‬في‭ ‬اليونان‭ ‬وتركيا‭  ‬لن‭ ‬يرسلوا‭ ‬المساعدة‭.. ‬أظهر‭ ‬رفع‭ ‬الأيدي‭ ‬السريع‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬اللاجئين‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬السباحة،‭ ‬وكم‭ ‬كان‭ ‬المشهد‭ ‬رائعا‭ ‬في‭ ‬تصويره‭ ‬للحظة‭ .‬

أنه‭ ‬فيلم‭ ‬لديه‭ ‬الكثير‭ ‬ليقوله،‭ ‬لكنه‭ ‬يظل‭ ‬ملتزمًا‭ ‬بقيمته‭ ‬الترفيهية‭ ‬طوال‭ ‬الأحداث‭ ‬بأسلوب‭ ‬ذكي‭ ‬لتتبع‭ ‬الرحلة‭ ‬مع‭ ‬قصة‭ ‬ملهمة‭ ‬وقوية‭ ‬ومليئة‭ ‬بالأمل،‭ ‬قصة‭ ‬واقعية‭ ‬لشقيقتين‭ ‬صغيرتين‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬التي‭ ‬مزقتها‭ ‬الحرب‭ ‬تقومان‭ ‬برحلة‭ ‬شاقة‭ ‬نحو‭ ‬الحرية،‭ ‬ويصور‭ ‬الفيلم‭ ‬انتصار‭ ‬يسرا‭ ‬في‭ ‬فريق‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬أولمبياد‭ ‬ريو‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬لحظة‭ ‬مجد‭ ‬حقيقي‭.‬

كان‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬كتبته‭ ‬الحسيني‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬جاك‭ ‬ثورن‭ ‬مدهشا‭ ‬في‭ ‬سرد‭ ‬قصة‭ ‬واقعية‭ ‬تتلخص‭ ‬أساسًا‭ ‬في‭ ‬الدراما‭ ‬الرياضية‭ ‬المستضعفة‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬دراما‭ ‬بقاء‭ ‬اللاجئين،‭ ‬نتابع‭ ‬يسرا‭ ‬وسارة‭ ‬من‭ ‬التدريب‭ ‬القاسي‭ ‬تحت‭ ‬عين‭ ‬والدهما‭ ‬اليقظة،‭ ‬إلى‭ ‬محاولتهما‭ ‬اليائسة‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬السورية،‭ ‬من‭ ‬رحلتهما‭ ‬الصعبة‭ ‬عبر‭ ‬أوروبا،‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬يسرا‭ ‬للتدريب‭ ‬والإستعداد‭ ‬الأولمبي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭.. ‬الدراما‭ ‬الرياضية‭ ‬تنشط‭ ‬وترتقي‭ ‬بالحيوية،‭ ‬ودراما‭ ‬اللاجئين‭ ‬مروعة‭ ‬وتستنزف‭ ‬عاطفيًا،‭ ‬لكنهما‭ ‬مجتمعين‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة،‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬تتوقف‭ ‬القصة‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬رحلة‭ ‬الأختين‭ ‬مارديني‭ ‬كلاجئين،‭ ‬وتبدأ‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حلم‭ ‬يسرا‭ ‬الأولمبي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ونجحت‭ ‬المخرجة‭ ‬في‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬العالمين،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬المدهشة‭ ‬التي‭ ‬تكافح‭ ‬فيها‭ ‬يسرا‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬المفتوحة‭ ‬المظلمة‭ ‬لبحر‭ ‬إيجة،‭ ‬تتخيل‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬كحارة‭ ‬في‭ ‬مسبح‭ ‬قبل‭ ‬جر‭ ‬زورق‭ ‬اللاجئين‭ ‬إلى‭ ‬الأرض،‭ ‬وجعل‭ ‬الفلاش‭ ‬باك‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬واقع‭ ‬سوريا‭ ‬المؤلم‭ ‬أكثر‭ ‬إحكامًا‭ ‬وتأثيرًا‭ ‬عاطفيًا،‭ ‬أيضا‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تتخيل‭ ‬فيها‭ ‬يسرا‭ - ‬وهي‭ ‬تكافح‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬المفتوحة‭ ‬المظلمة‭ ‬لبحر‭ ‬إيجة‭ - ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬كحارة‭ ‬في‭ ‬بركة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تجر‭ ‬زورقها‭.. ‬اللاجئون‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ .‬

أداء‭ ‬ناتالي‭ ‬ومنال‭ ‬عيسى‭ - ‬بصفتهما‭ ‬يسرا‭ ‬وسارة‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ - ‬كان‭ ‬قويا‭ ‬،‭ ‬وتضيف‭ ‬علاقتهما‭ ‬الأخوية‭ ‬الواقعية‭ ‬طبقة‭ ‬إضافية‭ ‬من‭ ‬الأصالة‭ ‬للفيلم،‭ ‬يضيف‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬شيئًا‭ ‬لإضفاء‭ ‬الحيوية‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬تمتلك‭ ‬منال‭ ‬طاقة‭ ‬شائكة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬إلى‭ ‬الغضب،‭ ‬بينما‭ ‬تمتلك‭ ‬ناتالي‭ ‬تعبيرا‭ ‬متفائل،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬والدها‭ ‬وعائلتها،‭ ‬لكن‭ ‬المجتمع‭ ‬بأسره‭ ‬على‭ ‬أكتافها‭.‬

كانت‭ ‬هناك‭ ‬عاطفة‭ ‬ظاهرة‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الشقيقتين‭ ‬عيسى‭ ‬تستمتعان‭ ‬بفرصة‭ ‬سرد‭ ‬هذه‭ ‬القصة،‭ ‬هناك‭ ‬لقطات‭ ‬متعددة‭ ‬تخطف‭ ‬الأنفاس‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يُنسى‭: ‬“صاروخ‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬حمام‭ ‬السباحة‭ ‬ويغرق‭ ‬ببطء‭ ‬أمام‭ ‬يسرا،‭ ‬بنادٍ‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬حيث‭ ‬يأخذ‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬في‭ ‬الخلفية‭ ‬إحساسًا‭ ‬بأضواء‭ ‬الليزر‭ ‬أو‭ ‬الألعاب‭ ‬النارية،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬نرى‭ ‬لحظة‭ ‬مدهشة‭ ‬بحرارة‭ ‬الأجواء‭ ‬المؤهلة‭ ‬للأولمبياد،‭ ‬هي‭ ‬لحظة‭ ‬تستحق‭ ‬البهجة‭ ‬حقًا‭ ‬ونحن‭ ‬أيضا‭ ‬معها‭ .‬”