إنها مصر

العتبة الخضرا

كرم جبر
كرم جبر

المدن بلا حدائق هى مثل الصحراء، والبنايات بدون أشجار يطلقون عليها «حدائق الأسمنت»، والقاهرة كانت جميلة قبل أن يزحف عليها القبح فى عهود سابقة، فاغتالوا الحدائق وحل محلها الشوارع والمبانى العشوائية والباعة الجائلون.

يطلقون على منطقة وسط البلد «العتبة الخضرا»، وكانت فعلاً خضراء، ولكنها لم تعد كذلك، لذلك يكتسب المشروع العظيم الذى تنفذه الدولة حالياً لاسترداد الجمال فى منطقة العتبة أهمية بالغة، ليعود قلب القاهرة ناطقاً بالورود والأشجار والأكسجين.

هل يصدق أحد أن منطقة العتبة الخضرا، كانت حديقة كبيرة مساحتها 60 فداناً، وفيها بحيرات رائعة، يتنزه فيها الناس بالمراكب، وشلالات مضيئة وأكشاك للموسيقى ومسرح كوميدى اسمه تياترو الأزبكية.

وكان فيها دار الأوبرا التى شهدت أوبرا عايدة للموسيقار العالمى فيردى بمناسبة افتتاح قناة السويس، والمنطقة تدين بالفضل للخديو إسماعيل الذى ظلمناه كثيراً.

إسماعيل أثناء زيارته لباريس جاء مبهوراً بعمرانها الحديث وشوارعها وحدائقها، فقرر تحويل الأزبكية إلى حى حديث على شاكلة الأحياء الباريسية، يضم حديقة رائعة فأصدر أوامره بردم البركة التى كانت تتوسط الميدان، وأنشأ فى مكانها حديقة الأزبكية على يد المهندس الفرنسى باريل ديشان بك.

وأنشئت الحديقة على مساحة 18 فداناً أحيطت بسور من البناء والحديد، وفتحت بها أبواب وأقيم فى طرف الأزبكية المسرح الكوميدى الفرنسى، وبعد الانتهاء من تشجير الحديقة بالأشجار والنباتات النادرة وتزيينها وإنارتها، عين الخديوى مسيو «باريليه» الفرنسى ناظرًا لها، وكانت تقام بالحديقة العديد من الاحتفالات الرسمية والشعبية الكبرى للأجانب والمصريين لتكون هذه الحديقة لائقة بمصر التى كانت درة الشرق وساحرة العالم القديم.

وشهد الميدان منذ سنوات طويلة تعديات مستمرة ومتلاحقة، بدأت بحريق دار الأوبرا فى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى، وحل محلها جراج كبير، يفتقر أدنى درجات الذوق والجمال.

وتحول الميدان من السياحة والتنزه إلى محلات تجارية وبوتيكات وأسواق وعربات للباعة الجائلين، وحلت الشوارع مكان الحدائق، مثل عبد العزيز والموسكى والرويعى والأزهر.

والآن بدأت الدولة تنفيذ مشروعات لاسترداد الجمال فى ميدان العتبة، صحيح أنها لن تعود كما كانت، ولكن إضفاء لمسات من الماضى إلى الحاضر.
التطوير كما أشار الجهاز القومى للتطوير الحضارى، يدخل فى إطار خطط استعادة القاهرة التاريخية، وفى صدارته إحياء المركز الثقافى والفنى لحديقة الأزبكية، الذى كان يشهد حفلات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وكبار الفنانين.

ويتضمن أيضاً تسجيل نافورة الميدان كأثر لمنع الاقتراب منها، بجانب الجبلاية والشجيرات النادرة الباقية حتى الآن.. وأهم ملامحه نقل جراج الأوبرا، وربط الحديقة بالمسارح المجاورة، وإعادة إحياء أكشاك الموسيقى وتنظيم الحفلات الفنية والموسيقية.. وملامح وتفصيلات كثيرة لاستعادة الجمال فى العتبة الخضرا.