محمد درويش يكتب: عاشت بجرحه.. ولجرحه!

محمد درويش
محمد درويش

بقلم: محمد درويش

دعونا من أزمة المناخ والحرب الروسية الأوكرانية واختفاء الأرز وظهور الفيروس المخلوي، وهيا إلى محاولة للمداواة من ضغوط الحياة.

السبت:
الإبداع مؤلف وملحن
عادة ما ألجأ إلى «اليوتيوب» للاستماع والاستمتاع بأغانى الزمن الجميل التى عاشت فى وجدان جيلى وساهمت فى تشكيل شخصيته التى بدأت بمغازلة بنت الجيران من بعيد لبعيد بأغانى محطة أم كلثوم الأشهر فى أيامنا، ثم ظهر الكاسيت وخاصة الموديلات التى كانت تسمح بوضع شريطين أحدهما للبث والآخر للتسجيل فمنحنا الفرصة لتسجيل كوكتيل من أجمل الأغانى لمطرب، أو لعدة مطربين.

وليقينى بأن الإبداع يتمثل فى المؤلف والملحن أولا بدليل أن حقوق الأداء العلنى تقدم للورثة طوال خمسين عاما من تاريخ وفاة أحدهما مؤلفا أو ملحنا على عكس المؤدى الذى يمكن بعد سنوات أن يؤدى مطرب من جيل لاحق نفس الأغنية ولكنه لايملك إلا نسبتها لمؤلفها وملحنها.

ومن شعراء الأغنية فى هذا الزمن الجميل الشاعر على مهدى الذى قد لايعرفه كثيرون وقبل أن نسرد فى سيرته يكفى الاشارة إلى حديث الشاعر الكبير الراحل محمد حمزة فى حوار له مع مجلة الإذاعة والتليفزيون عندما قال عن على مهدى إنه لولا وفاته المبكرة وهو فى منتصف الثلاثينيات من عمره ما كان لجيلى أن يظهر ويحتل مكانة فى عالم الأغانى.

وإذا تطرقنا إلى بعض من أغانيه فيكفى أن نتذكر له «لعبة الأيام» الأغنية الأشهر لوردة الجزائرية وكتب لها أيضا: من يوميها، كل أطباء القلب، يا قلبى ،عصفور. وكتب لعبدالحليم حافظ «فوق الشوك» التى لحنها محمد عبدالوهاب. كثيرون من المطربين والمطربات فى الأجيال التالية أعادوا أداء أغانى الزمن الجميل على المسرح والتى تلاقى تجاوبا من الأجيال الجديدة فضلا عن الأجيال التى عاصرت مولد هذه الأغانى .. والدليل حفلات الموسيقى العربية بدار الأوبرا والتى تحقق نجاحا منقطع النظير. دعك من حفلات الساحل وما تحققه من رواد، إننا نسمع عنها ولكن هل تعيش أغنية ما كما عاشت أغان لعقود؟!

نأتى إلى خطأ يقع فيه مطربون كثر فى لعبة الأيام عندما يقول فى يوم ما الدنيا تغدر بك وأيام الهنا تفوتك وأيام الضنا تذلك. تجينى وتفتكر حبى.. أشوف الذل فى عيونك.. أقول نفسى فدا ذلك.
عندما استمعت للمطرب الكبير محمد الحلو وهو يعكس المعنى فبدلاً من بتاخدك الأيام أعيش بجرحك وتجيبك الأيام أعيش لجرحك. فيعكسها ويقول: بتاخدك الأيام أعيش لجرحك وتجيبك الأيام أعيش بجرحك مع أنه لو أمعن النظر فى المعنى لن يخطىء فيها أبداً، فهى تعيش بالجرح الذى سببه لها عندما أخذته الأيام منها وعندما عاد نادماً مذلولاً فهى تعيش بجرحه الذى عاد إليها به.. وشتان بين المعنيين عندما يتم استبدالهما.

الأحد:
أحمد رجب وحسين السيد
لعمنا الكبير الراحل أحمد رجب برنامج كان يذاع يومياً بإذاعة صوت العرب فى منتصف السبعينيات وكان اسمه الأغانى للأرجبانى أو «كلام أغانى» على ما أذكر، لذا كنت حريصاً على تسجيل هذه الحلقات يومياً ولا أنسى منها حلقة عن المؤلف الكبير حسين السيد.
بدأ أحمد رجب الحلقة بالإشارة إلى طبيعة عمل حسين السيد كمورد للحوم لعدد من الجهات الحكومية وهى التجارة التى ورثها عن والده وظل يعمل بها إلى مماته رغم اكتساحه فى عالم تأليف الأغانى.

أشار أحمد رجب إلي أن هذه المهنة كان لها تأثيرها على ما يكتبه حسين السيد من أغان حيث العقود والحسابات والكمبيالات والبيع والشراء وضرب مثلا بأغنية «بيع قلبك بيع ودك شوف الشارى مين»، وأغنية «خاف الله» لفايزة أحمد عندما تقول: عهدى معاك بتأيدنى بحاجات كتير وحاجات وأغنية عبدالوهاب «بافكر فى اللى ناسينى» عندما يقول: أنسى اللي شارينى وأدوّر على اللى بايعنى.
وأضاف أحمد رجب: قلت هذه الملحوظة لعمنا عبد الوهاب فأجابنى معاك حق، لكن آخر أغنية بألحنها دلوقتى لنجاة اسمها «ساكن قصادى» مفيهاش حاجة من دى خالص، طلبت أن أسمعها وقلت لا فيها.
سألنى: فين
قلت له: حاسبى
وهى قبل نهاية الأغنية عندما تقول : والناس يقولوا حاسبى!

الإثنين:
عاوز جواباتك
ومع ذكر الراحل حسين السيد أتعجب جداً من أغنية «عاوز جواباتك» التى شدت بها الرائعة نجاح سلام وألحان العظيم رياض السنباطى.
خداع وقعنا فيه وهى تدخل علينا بدموع وآهات حتى نتعاطف معها دون أن يسأل أحد نفسه لماذا طلب خطاباته؟
مفهوم أننا فى الشرق وإذا أراد الرجل أن يخلع بسبب ما ، أيا كان، على باطل أو حق فهو لن يطلب خطاباته، وماذا يضيره لو ظلت مع من أرسلها إليها وهو يبث لها أفراح الغرام الأولى.
التفسير الوحيد لأنه طلب جواباته أنه كتبها لمن لا تستحق، إن مدادها ليس من الحبر بل من ليالى الشوق والسهاد والدنيا التى يطالعها من خلالها.
كانت هى الوجود كله حتى بدر منها ما جعله يرى أنها لا تستحق ما بثه من كلمات على صفحات من الأشواق.
باختصار لقد صنعها من هواه ومن جنونه وعندما برئ منهما طالب بخطاباته.. صح ولا لأ؟

الثلاثاء:
لا مش أنا اللى ابكى
أما أغنية «لا مش أنا اللى ابكى» وأيضا لحسين السيد فقد قال عنها أحمد رجب: إنها غير كل الأغنيات التى عاصرتها.
الحبيب يضرب جرس الباب لتفتح له المحبوبة فيبدأ من حيث انتهى الآخرون قائلا: لا مش أنا اللى ابكى ولا أنا اللى اشكى لو جار عليَّ هواك، ويستطرد أحمد رجب:
كان المفروض أنه أحضر هداياها ليعيدها لها ويطلب جواباته وهداياه هو الآخر حتى يقطع كل ما يمكن أن يذكرها به أو تذكره هي.
ولكنها قالت: لا ما يصحش من على الباب كده لازم تتفضل وتشرب القهوة وبالفعل دخل ليتراجع عن موقفه الأول ويقول: أنا مش باعاتبك دلوقتي، أنا بدى أقول ده ليه يحصل، عشان نهايتك، ونهايتى كان يجرى إيه لو كانت أطول؟
ونخ صاحبنا بعد الموقف العنترى الذى بدأ به الأغنية.

الأربعاء:
القاضى يوم الحكم غاب
للمطرب الراحل ماهر العطار أغنية اسمها «بلغوه»، وللأسف تصيبك بالصدمة عندما يطالب من يعرف علاقة الحب بينه وبين محبوبته ما تقولوش إنى بكيت فى غيابه واشتكيت، وتشيد به كمستمع رجل مثله بأنه يأبى على كرامته أن يقال عنه إنه اشتكى وبكى فى غياب المحبوبة لتكتشف أنه يطلب ذلك قائلا: متقولوش عنى كده لتزعلوه!!
ويذهب إلى أبعد من ذلك وهو يقول:
قالوا الهوى له محكمة، رحت اشتكيت، قدّمت شكوى ومظلمة وكمان بكيت، وبعد ما طال العذاب القاضى يوم الحكم غاب!
يا أخى.. أخذ إجازة عارضة.. وده حقه