يوميات الأخبار

قاهر الظلام .. «نوَّر طريقنا»

توماس جورجيسيان
توماس جورجيسيان

أو كما هو الحال فى أيامنا الحالية فى القيام بـ «دلق جوجل» بمفهوم «دلق الزنبيل» دون اختيار أو تقييم أو تدقيق ما جاء فى جوجل

بعد نحو خمسين عاما من رحيل طه حسين يبدو لى أنه من الضرورى أن نتساءل ماذا علمنا عميد الأدب العربي؟. أو بتعبير أدق وأصدق ـ ماذا تعلمنا منه وممن تركه لنا من كتابات ومواقف على امتداد عمره؟

من هذا المنطلق قد يبدأ نقاشنا ويستمر.. أو قد يتعثر أو يتوقف لأننا لا نريد أن نواجه أنفسنا .. أو لا نبغى أن نتصادم مع أسلوبنا المعتاد فى تجاهل الحقائق وإهمال إرث التنوير والنهضة المصرية التى تركها طه حسين وغيره من أصحاب الفكر والإبداع للمصريين على مدى عقود طويلة !!

قيمة وقامة أستاذنا العظيم د. طه حسين لا تتمثل فقط فى قهره لظلام بصره وإصراره على التعلم والارتقاء بعقله وروحه بل أيضا فى إصراره وعزيمته على التصدى لظلام الجهل ودعاته من حوله ومقاومته وعدم استسلامه لهم وبالطبع سخاؤه فى مشاطرة بصيرته معنا.. ولذا أدهشنا وأبهرنا .. و«نور طريقنا» ..

«ارم نظارتيك ما أنت أعمى / إنما نحن جوقة العميان» قالها الشاعر نزار قبانى وهو يعبر عن شعوره وشعورنا نحن فى قصيدة رثاء لطه حسين ألقاها فى مقر الجامعة العربية بالقاهرة بعد رحيل العملاق يوم ٢٨ أكتوبر ١٩٧٣ وهو فى ال٨٤ من عمره.. وقتها أيضا قال الكبير توفيق الحكيم : «لقد فارقت جسده الحياة بعد أن فارق اليأس روح مصر».. وهو الحكيم الذى كتب بعد أيام من انتصار ٦ أكتوبر .. «عبرنا الهزيمة»

منذ أيام كان يوم مولد طه حسين ـ ١٤ نوفمبر ١٨٩٨.. ومن مؤلفاته التقط كتابه المهم والملهم ـ مستقبل الثقافة فى مصر . الروائى الجميل بهاء طاهر (من رحل عن عالمنا مؤخرا) وهو يتذكر طه حسين كتب هذه السطور منذ سنوات قليلة : «..أتذكر وأنا تلميذ فى ثانوى أن د.طه حسين كان وزيرا للمعارف، وكان من رأيه ـ وهذا ما كتبه فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» سنة ١٩٣٨ أن القراءة الحرة ينبغى أن تكون بمثابة ثلث المناهج التعليمية على الأقل.
تم بالفعل تطبيق هذا فى العام ونصف العام الذى كان فيه وزيرا، بل وزعت علينا فى المدارس كتب مجانية للقراءة فقط، وبفضل هذه التجربة بدأ أناس كثيرون جدا الاهتمام بالقراءة والثقافة» ثم أبدى بهاء طاهر أسفه قائلا: «..لكن الآن للأسف يتم فرض نصوص على التلاميذ عفا عليها الدهر، نصوص مرهقة، غير فعالة على الإطلاق..! » وأقف طويلا أمام وصف القراءة الحرة وأتأمل معانيها فى تحقيق هذا التحرر للعقل وهذا التحليق للخيال..

وواصل بهاء طاهر تعليقه على هذا الكتاب الذى صدر قبل ٨٤ عاما : «فى رأيى كتاب طه حسين كتاب ثوري، لأنه ليس كتابا عن التعليم فحسب، وإنما كتاب عن الديمقراطية الحقيقية، كيف يمكن تطبيق الديمقراطية فى حياة أى مجتمع..! ليتنا طبقنا أفكار طه حسين منذ هذا الوقت. لو كانت طبقت لكنا أنقذنا الوطن من براثن التطرف الديني، هذا الكتاب كان سيعلم المصريين احترام الاختلاف، أن الرأى يتم الرد عليه بالرأى وليس بالهمجية والقنبلة والعنف والتطرف والتمرد».

ولا شك أن قراءة عناوين فصول هذا الكتاب تقول لنا الكثير عن القضايا التى طرحها طه حسين فى الثلاثينات من القرن العشرين وتكشف جدية وخصوصية هذا العقل المفكر المتأمل وبالطبع المهموم بشئون أهله وثقافتهم ــ وهى كما ستقرأ رءوس موضوعات وقضايا يمكن أن نطرحها اليوم ونناقشها ونتبادل الآراء حولها. ونقرأ من هذه العناوين: مستقبل الثقافة فى مصر مرتبط بماضيها البعيد.. مسايرة الإسلام للحضارة فى العصور المختلفة.. مادية الحضارة وروحية الشرق وحضارته.. مهمة التعليم الأولى أخطر من محو الأمية .. حقوق المعلم والثقة فيه..كم لغة أجنبية يجب أن يتعلمها التلميذ .. التعليم العام: ما هو ؟ .. قلة إنتاج المثقفين وأسبابها .

بالتأكيد كيفية احتفائنا بأصحاب القامة والقيمة فى تراثنا الفكرى والأدبى تحتاج إلى إعادة نظر ومن ثم تبديل الأسلوب التقليدى الذى يتكرر مع كل ذكرى ميلاد أو وفاة .. فليس المرجو أو المطلوب إقامة مؤتمرات وندوات لا يحضرها غالبا إلا المشاركون فيها ..أو تقديم مواد خام أرشيفية وغالبا رصها أو تجميعها دون أدنى جهد أو جدية فى التعامل معها.. أما المأمول فهو تصقيلها وتشكيلها بحيث يتبين للمرء وخاصة للأجيال الجديدة القيمة المميزة التى أضافها هذا الاسم العلم لثرائنا الأدبى والفكرى والإنسانى والمصرى .. هل فى استطاعتنا أن نفعل ذلك فى احتفائنا المقبل بطه حسين .. وبمرور ٥٠ عاما على رحيله ؟

الخميس

الثقافة العلمية أمر حيوى

مع انعقاد قمة المناخ بشرم الشيخ .. وتكرار الحديث عن التغيير المناخى وتداعياته على حياتنا من الطبيعى التذكير من جديد بأهمية وضرورة الثقافة العلمية .. ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ما يجب أن نعرفه أكثر وأكثر عن حالة كوكبنا الأرضى وعما يجب أن نفعله من أجل إنقاذه أو على الأقل إرجاء تبعات تلوثه المدمر .. والمخيف!

ولا شك أن ما عشناه كبشر فى العالم خلال زمن الجائحة وما عايشناه من أجواء ومواقف وطوفان من المعلومات الصحية المتضاربة غالبا .. بالإضافة إلى حوارات تليفزيونية مع أطباء ومتخصصين بفتاويهم الصحية صار أمرا مثيرا للقلق والحيرة معا .. خاصة مع استمرار خلط الحابل بالنابل .. أى عندما تختلط الآراء والمعلومات والأكاذيب وتتضارب المواقف منها.. ويخرج المتلقى (الغلبان) منها أكثر ارتباكا وحيرة وقلقا

ما يمكن قوله فى هذا الأمر هو أن الثقافة العلمية يا سادة لا تعنى فقط نشر المعلومات والأرقام ومتابعة أحدث الأخبار والاختراعات والاكتشافات بقدر ما يجب أن يكون هناك انتقاء أو غربلة فى هذا الكم الهائل من الداتا ـ طوفان المعلومات وذلك من أجل ضمان وصول ما هو صحيح علميا وما هو مفيد للمعرفة أو إثراء للثقافة العلمية.

الثقافة العلمية تعنى فى المقام الأول أن تعلم القارئ أو المتلقى لها طريقة أو طرق صيد السمك لا أن تقدم له السمك فقط.. وبالطبع لا يكون تقديم العلم وتطوراته بمفهوم غرايب وعجايب ـ كما اعتادت بعض الصحف ووسائل الإعلام على ذلك. أو كما هو الحال فى أيامنا الحالية فى القيام بـ «دلق جوجل» بمفهوم «دلق الزنبيل» دون اختيار أو تقييم أو تدقيق ما جاء فى جوجل .. وما يتم التسليم به طالما جاء فى الزنبيل إياه.. ومن ثم يمكن الوثوق به والعمل به.
إن الثقافة العلمية معلومات وحقائق علمية وأيضا أسلوب لطرح الأسئلة والبحث عن الإجابات.. أسلوب تناول للمعلومات وطريقة تعامل مع الحقائق .. إنها أيضا تفكير علمى ناقد يتساءل دوما وذهنية علمية يوزن الأمور ولا يتسرع الى استنتاجات أو افتراضات لا أساس لها من الصحة !! إنها مهمة صعبة وليست مستحيلة على الصحف والمجلات ووسائل الإعلام القيام بها وتدريب الصحفيين والإعلاميين على القيام بهذه الأدوار بمعرفة وجدية وإخلاص

السبت

أخبار اليوم .. وذاكرتنا

صدور أخبار اليوم .. صباح السبت ١١ نوفمبر ١٩٤٤ كان بلا شك ثورة فى الصحافة المصرية.. وبالطبع القارئ لهذه الصحيفة يعرف بدايات أخبار اليوم الأسبوعية ـ كل يوم سبت ـ وبعدها بثمانى سنوات انطلاق الأخبار اليومية ..

ومع عيد ميلاد أخبار اليوم ال٧٦ أرى أن كتاب «شارع الصحافة» لمى شاهين بما يتضمنه من ذكريات عن بدء وانطلاق هذه الصحيفة العريقة فى حاجة إلى إعادة قراءة .. وأيضا إلى إعادة طبع. وذلك للتذكير بتفاصيل وأجواء صدور الصحيفة المتميزة التى استطاعت من عددها الأول أن تلفت الأنظار وتجذب الاهتمام وتكون لها شعبية لدى القراء ويكون لها نفوذ لدى صناع القرار ..إن صفحات هذا الكتاب تتناول جهد مصطفى أمين وأيضا على أمين فى تحقيق الحلم.. وتجسيد رؤيتهما لما يعنى صحيفة حية ونابضة وحاضنة للأقلام الموهوبة وأيضا مؤثرة ومتواصلة مع جماهير القراء .

كما يجب التذكير للأجيال الجديدة وخصوصا من الصحفيات أن أخبار اليوم بدأت بأربع محررات هن مى شاهين وفاطمة حسن وحورية عفيفى وأسماء عبد الله .. ويبقى السؤال.. ماذا نعرف عنهن؟ وعن تاريخهن؟ وعن كتاباتهن؟..

وبما أننا نحاول هنا فى هذه المساحة المميزة من صحيفة الأخبار ـ يوميات الأخبار ـ أن نعيد قراءة ذاكرة أخبار اليوم (الإصدار والدار) فإن الكاتب والصحفى كامل الشناوى هو أول من كتب هذا الباب ـ يوميات الأخبار ـ فى العدد الصادر بتاريخ أول ديسمبر ١٩٥٣.. كامل الشناوى صديق مصطفى أمين تواجد بقلمه المميز وأسلوبه الساحر على صفحات أخبار اليوم .. كما أنه شارك فى رئاسة تحرير الأخبار من عددها الأول الصادر يوم ١٥ يونيو ١٩٥٢..

وكما أقول لأحبابي: نفسى أن أقرأ قبل شهر ديسمبر ٢٠٢٣ كتابا يضم مختارات من «يوميات الأخبار» على امتداد سبعة عقود .