عسل في الكوز 

مونديال السعادة

عبدالصبور بدر
عبدالصبور بدر

إذا كنت لا تدرك ماذا يحدث لعشاق كرة القدم أثناء مشاهدة المباريات.. تعالى وأنا أقولك!

بمجرد أن يبدأ "الماتش" يركز المتفرج على أحداثه تركيزًا تامًا، يكون حاضرًا بكل حواسه منذ صافرة البداية وحتى صافرة النهاية، ينسحب من الماضي بكل ما يحمله من مشاكل وآلام، ويمتنع عن التفكير في المستقبل بكل ما يتضمنه من توتر وضغوط، لقد قرر أن يكون فقط هنا، ويضع جميع حواسه لمراقبة مشاهد ساحرة تستحوذ على كل اهتمامه.

إنه مشدود من أذنيه وعينيه وجميع حواسه في اللحظة الحاضرة، يراقب ما يجري أمامه، عيناه تبصران الألوان الزاهية لقمصان الفريقين، واللون الأخضر للملعب يملأ روحه، إنه في حالة غرام ووله بما تنقله الكاميرا من تحركات اللاعبين، وردود أفعالهم، والهواء الذي ينساب بلطف من ثقوب الشبكة، والكرة التي تمرق بين الأقدام، وترتفع في العنان، وتستقر في المرمى. 

لا تسمح أذناه بالدخول إلا لصوت المعلق وهتافات زملائه المتفرجين من حوله أو في المدرجات، وأي نقاش في موضوع آخر غير المباراة يعني أنك تطرق رأسه بمطرقة.

إذا كنت مريضًا نفسيًا وتحب كرة القدم، فأنت لست بحاجة للذهاب إلى أطباء نفسيين، وجلسات التعذيب التي تستحضر فيها جروح الماضي، والفزع من مستقبل غامض ينتظرك، كل ما عليك فعله هو مشاهدة المباريات التي تفضلها؛ لأنها ببساطة أفضل علاج لك!

مشاهدة مباراة قادرة على أن تفصلك من عقلك المزعج، وتريحك من الحزن الذي يسببه لك من كثرة التفكير، وهو يذهب بك إلى الماضي الذي طردك، أو يلقي بك في مستقبل يرفضك، ويضيّع عليك (الآن)، بكل ما يحمله من لحظة حقيقية هي الوحيدة التي  تملكها، وتستطيع استغلالها لصالحك، وقادرة على منحك البهجة المفقودة.

الفرجة على مباراة تعني أنك في رحلة إلى ما وراء العقل الذي يتم تغيبه أثناء المشاهدة، وتعطيل آلاته التي لا وظيفة لها إلا تدمير سلامك النفسي؛ حيث تشعر بالحرية، وتوظيف حواسك في اللحظة الحاضرة كما تحب أن تكون، وليس كما أراد العقل ذلك العدو الذي يتغذى على قلقك ليلًا ونهارًا.

أهلًا بمونديال قطر 2022، بكل ما سيمنحه من سعادة لمئات الملايين على هذا الكوكب التعيس.