يوميات الأخبار

لماذا لا ننظر إلى نصف الكوب الملآن؟

علاء عبد الوهاب
علاء عبد الوهاب

والأمر على هذا النحو يتطلب وجود قنوات تواصل حقيقية، ومباشرة يعرف من خلالها كيف يفكر الناس؟ وبماذا يحلمون؟ ثم لماذا يفكرون هكذا؟

الأربعاء:

مائة يوم توشك أن تكتمل من عمر التعديل الوزارى الأخير.

ثمة آمال وطموحات راهنت على أداءات مغايرة، سوف تترجم فى قرارات الذين حملوا أمانة المسئولية، وإن القادم أفضل، هكذا نرجو، وثمة بشائر تبعث على التفاؤل.

فى مثل هذا اليوم من الأسبوع المقبل تتم المائة، التى تعد فى بعض البلدان شهر عسل طويل بين المسئول الجديد، والجمهور والاعلام، والبرلمان.

بلدان أخرى تعتبرها مهلة ضرورية ليدرس المسئول ويمحص، و«يذاكر» الملفات التى أصبح عليه أن يديرها بصورة تميزه عمن سبقوه، وربما اتخذ قرارات فى بعض الملفات العاجلة تقدمه للرأى العام فى أبهى حال.

ثمة خيوط تربط بين السياسة العامة، والقائمين عليها، والرأى العام وجمهوره.

تلك الرابطة تعنى ببساطة ووضوح، أن الوزير يسعى لأن يحظى بالمساندة، والتجاوب مع قراراته، والرضا عن أسلوبه.

الأمر على هذا النحو يتطلب وجود قنوات تواصل حقيقية، ومباشرة يعرف من خلالها كيف يفكر الناس؟ وبماذا يحلمون؟ ثم لماذا يفكرون هكذا و...و..، أسئلة عديدة أظنها دارت بخلد الوزراء الجدد، واحسبها  تشغل حيزا من اهتمامهم ووقتهم.

متغيرات وتحديات

الخميس:

قبل أقل قليلاً من مائة يوم، خرج التعديل الوزارى الذى طال انتظاره للنور.

ثمة حرص رئاسي، تجلى فى صورة تشديدات على الوزراء الجدد بالتحلى بالتجرد والموضوعية، وترسيخ مبدأ الكفاءة، والأداء المتميز، وبذل أقصى جهد لإعلاء مصلحة الوطن، تقديراً لحجم المسئولية التى تواكب متغيرات، فرضت بالتالى تحديات تتطلب عملاً دءوبا.

عمليا، فإن ذلك يرتب على الوزراء الجدد الوقوف على أدوات وإمكانات وزاراتهم، لضمان حسن إدارتها، وتطوير أسلوب عملها، لتحقيق أقصى عائد ممكن.
فى الشارع، كان الصدى متجاوباً مع هذا الطرح.

من ثم كان الحرص الرئاسي- مرة أخري- على التوجيه بأهمية التواصل مع المواطنين.

المنطقى أن يتم منح كل مسئول فرصته ووقته قبل مطالبته بانجاز ما، لذا كان كاتب هذه السطور من أنصار فكرة منح الوزير مهلة المائة يوم، إلا فيما لا يحتمل التأجيل.

زملاء وأصدقاء اختلفوا معي، لا بأس، كانوا يقولون:

لقد جاء الوزير لا ليبدل سياسات معتمدة، وإنما ليدير عجلة يجب أن تتحرك دون توقف، إنها مصالح ناس يا هووه.

نعم، لكن لكل مسئول أسلوبه، ومنهجه فى التطبيق، وفرصة للدراسة تعصمه من خطأ التعجل فى اتخاذ قرار يصعب التراجع عنه، أو يكون الثمن فادحاً.

لماذا ينفى البعض أن التغيير يتجاوز الأشخاص وأن تجديد الأداء، ربما يتطلب تعديلاً فى بعض السياسات؟.

وارد جداً، إذا كان التطبيق قد أثبت أن تصميم إحدى السياسات يتطلب تعديلاً جزئياً أو أكثر من ذلك، وحتى يكون الحساب عادلاً، فثمة مرونة يجب منحها للقادم الجديد.

ويتواصل الحوار بتلك الوتيرة!.

ما كل هذا التفاؤل؟!

الجمعة:

«بطبعى متفائل».

 أكثر من مشهد فى الأيام الأولى جاء ليؤكد جدية المكلفين الجدد بالمسئولية الوزارية، وأن الأمر لن يتطلب صبراً لمائة يوم، ورغم ذلك جنحت إلى حقهم فى المهلة.

متابعتى للأداء المبكر لمعظم الوزراء دعانى لقدر غير قليل من الطمأنينة.. عندما يسأل الوزير الجديد عن مهام واختصاصات فريق العمل بالوزارة، فتلك مبادرة إيجابية يمكن البناء عليها، فالرجل بعيد عن التعالي.

حين يحرص وزير آخر على التعرف على آليات سير العمل، وأبرز الملفات التى يجرى العمل عليها، فهذه لفته تنفى احتمال إدعاء العلم ببواطن الأمور، على غير الحقيقة.

إذا أكد الوزير القادم أنه سوف يبنى على ما تم انجازه، وأن ثمة جهوداً طيبة أنجزها من قبله، ولن يبدأ من الصفر، فذلك يعنى أنه لن يشطب جهودا بُذلت، وأن البناء سيتواصل.

الغريب أن هناك من يقول تعليقاً على هذه المشاهد، أنها لا تتجاوز حيز المجاملة، وفى أفضل الأحوال، فإنها تدل على كريم خلق من جانب الخلف للسلف، وأرى فى الأمر أنه تحميل للمشاهد بأكثر مما تحتمل!.

لماذا لا نثمن هذا المشهد أو ذاك ،بأنه ينم على شعور بالمسئولية فى مرحلة حساسة لا تحتمل الأداء بعيداً ،عن هذه الروح الوطنية الجادة؟.

لماذا لا ننظر الى نصف الكوب الملآن، ونعتبر ما يحدث إنما ينتمى إلى حالة من يقظة ضمير الوطن الذى هو مجموع ضمائر مواطنيه ومسئوليه؟.

أسمع أصواتاً بعضها هامس والآخر زاعق:

ما كل هذا التفاؤل؟.

تهمة لن أدفعها، كما اعتدت طول مشوار العمر.

من سمع ومن رأي

السبت:

ما يثير الدهشة- حقا- بأكثر من غيره، أولئك الذين لا يعجبهم العجب، عندما يشهرون فى وجهك سؤالا يظنونه مفحما:

إذا كنت تقول أمهلوا القادمين حتى مائة يوم «ليذاكروا» وزاراتهم، فما رأيك فيمن خرج على الرأى العام بالوعود، وجدول الأولويات، وكأنه جاهز للوزارة منذ زمن؟.

وما الغريب فى الأمر، إذا كان بعض الوزراء الجدد صاحب باع طويل، ولا ينكر خبرته منصف، فإنه لا يلام، إن اختصر الزمن، لكن لنعتبر ما أدلى به قابلاً للتعديل حذفاً وإضافة، بعد أن يجلس الوقت الكافى فى مقعده، ويطلع على ما لم يكن يعلمه أو يدريه؟.

على فرض صواب ما تذهب إليه، لكن يبقى أن من سمع ليس كمن رأي، أليس كذلك؟.

بكل تأكيد، إلا أنه عندما نضرب مثلاً بوزارة الثقافة، فإن القادمة للمقعد لم تكن بعيدة عن جنبات العمل وكواليسه، وشغلت عديد المواقع التى تؤهلها لتحديد مبدئى لأولوياتها، يصدق الحال على وزيرى التعليم، وعلى وزير الصحة، وحتى وزير الصناعة القادم من لجان برلمانية معنية بالشأن الاقتصادى و....و...

أمازلت مُصراً على أنه، ورغم ما ضربته من أمثلة ونماذج، إن من حق الوزير الجديد إمهاله مائة يوم للدراسة والبحث؟.

نعم، فحتى يكون الحساب عادلاً، لابد أن يمارس القادم للوزارة حقه فى تقدير الامكانات المتاحة، والموارد الممكنة، والكوادر القائمة على العمل، وبمن يستعين، ومن يستبعد؟ و... أسئلة كثيرة يحتاج امتلاك إجابة صحيحة ودقيقة عنها مدى زمنياً معقولاً.

حق.. وواجب

الأحد:

على مدى نحو ثلاثة أشهر، بأيامها وأسابيعها لم يمل بعض الأصدقاء والزملاء، من «مشاغبتي» بأسئلتهم، و«جر شكلي» بتساؤلاتهم التى أوردت منها عينات فى السطور السابقة.

ويمر الوقت سريعاً، لنقف على مشارف انتهاء عتبة المائة يوم الأولى فى الوزارة، فماذا عساهم فاعلين؟ أقصد الوزراء بالطبع.

خلال أشهر ثلاثة، صدرت تصريحات، وبيانات، بل إن البرلمان استخدم بعض أعضائه حقهم الرقابى بسؤال هذا الوزير أو ذاك، وقام بعضهم بزيارات ميدانية لمواقع ومحافظات صاحبها أكثر من تصريح، لا بأس بذلك كله، لكن هل هذا كافٍ؟

لا أعتقد، وفى ذلك تقدير للصالح العام، ثم للرأى العام، وبالطبع فإن ذلك يصب فى مصلحة الوزير والوزارة.

ماذا تعني؟.

من حق الرأى العام، ومن واجب الوزير، بل ومن حقه أيضاً أن يعرض رؤيته مكتملة الأركان، وإن يحدد أولوياته، وأن يصارح الناس بالمشاكل التى وجدها، وبأوجه القصور التى تتطلب قدراً من الوقت والصبر لتجاوزها، ثم من حقه أن يروج لمشروعه، ما دام يمتلك مشروعاً.
من حق كل وزير، ومن واجبه فى ذات الوقت، أن يتفاعل مع الرأى العام بعرض منهجه فى التعاطى مع المشكلات التى ورثها، وأن ثمة حلولا تتجاوز ما سبق طرحه، شرط أن تغلفها رؤية شاملة، مشفوعة ببرنامج زمنى مُلزم للوزير والوزارة.

رضا واقتناع

الإثنين:

كيف يتم إخراج هذا المشهد فى اليوم المائة أو حوله؟.

إذا شئت أن اجتهد، ففى مؤتمر صحفى موسع للوزير، ومن يرتئيه من كبار معاونيه، يبدأ بتلاوة بيان غير مطول يعرض فيه برنامجه الملزم بتوقيتاته أمام الرأى العام، ثم يفتح باب الاسئلة للصحفيين، بصدر رحب وأفق واسع، وطول بال، ليقدم إجابات محددة شافية.

ثم لماذا لا يُدعى بعض ممثلى المجتمع المدنى للمؤتمر، مع منحهم حق السؤال مما يشيع مناخا به درجة من الرضا والاقتناع والتشاركية، فيما يشبه البرلمان الشعبي.

أتصور ألا تكون صيغة المؤتمر الذى يقتصر على وزير واحد هى المعتمدة فى كل الاحوال.

فلماذا لا يكون المؤتمر مشتركاً بين وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي؟ ينسحب ذلك على وزير التجارة والصناعة، ووزير قطاع الأعمال.

ونفس الأمر ينطبق على وزير السياحة والآثار مع وزير الطيران المدني.. وبالمثل وزير القوى العاملة، ووزيرة الهجرة والمصريين بالخارج.

ثمة تشابكات ومشتركات بين الوزارات فى هذه الأمثلة وغيرها، ولا شك أن الرأى العام شغوف بأن يكون متفاعلاً مع المشهد، فى تجربة لا شك أنها تثرى العمل العام، فى ظل أجواء الحوار الوطنى، ويعد المشهد الذى اطمح إليه، تعميقاً للحوار، وتأكيداً لأهمية ولوج أوسع قدر من الجمهور لدوائره.