إجبار أم اختيار؟.. أن تعيش وسط الغابات ويرتبط مصيرك بها.. هل هو اختيارك أم أنك لم تجد اختيار اخر ليصبح إجبار.. سؤال لن تجد أفضل من قبيلة «أورانج ريمبا» الإندونيسية للإجابة عليه وكأنه تم اختراعه لهم خصيصا فهم الأجدر على إجابته في ظل المصاعب التي تواجهها هذه القبيلة ليس لأن مصيرهم ارتبط بالأشجار والغابات فقط فهي مستحيلات أمام أي شخص طبيعي ولكنهم تمكنوا من القضاء عليها وإنما لأنهم وجدوا صعوبة للعيش وسط الحياة.
لتقف طويلا أمام أعضاء هذه القبيلة لتفكر.. هل هم من اختاروا هذا المصير المرتبط بالأشجار على الرغم من وجود حياة أكثر تطورا أمامهم أم أنهم أجبروا منذ القدم على هذه الحياة ليجدوا صعوبة في التطور؟.. لكي تتمكن من الإجابة على السؤال عليك الخوض في تجربة العيش وسط «أورانج ريمبا» لتحدد هل هو اختيار أم إجبار؟
على الرغم من أن إمضاء يوم كامل وسط قبيلة أورانج ريمبا أمر في غاية الصعوبة لرفضهم للغرباء بشكل غريزي بسبب إدراكهم لما يمكن أن يسببه هذا الغريب من تأثير سلبي على بيئتهم الحساسة ونقل للأمراض وايضا بسبب الاختلافات الواضحة بينهم وبين الآخرين في كل تفاصيل حياتهم بداية من نوع الطعام مرورا بالمنازل ونهاية بروتين الحياة وقواعدها إلا أنك لا تحتاج إلى الكثير من الوقت للتعرف عليهم.
فتكفي فقط ساعات قليلة حتى تتعرف على قواعد تلك القبيلة الصارمة والتي تعيش على خط المواجهة في محاولة لإنقاذ ما تبقى من غابات بإندونيسيا وتتخذ من غابات سومطرة المطيرة موطن لها على مر العصور والأجيال.
ويتعرف الجميع على أعضائها والذين قد يتخطوا الأربعة آلاف عضو بقليل على أنهم شعب الغابات أصحاب التقاليد الصارمة والآلهة المتعددة وكأنهم خارج حدود الزمان وعلى الرغم من أن الجميع ينظر إليهم وإلى طبيعة حياتهم بتعجب لأنهم لا يعرفوا في الحياة سوى الغابات والأكواخ الصغيرة.
إلا أنهم يقابلوا هذا التعجب بفخر يملأهم بعالمهم الأخضر كونهم هم الوحيدين الذين رأوا وتعاملوا وتعرفوا على حيوانات يسأل الناس عنها وعن ماهيتها فهم من اختبروا كيفية مواجهة النمور بأنفسهم واستيقظوا على أصوات الطيور الحيوانات وعاشوا وسط الكثير من الاختيارات المتاحة أمامهم وفقا لموقع سيرفيفال انترناشونال.
وتبدأ قواعدهم الصارمة مع اختياراتهم للطعام فهم لن يأكلوا الحيوانات الأليفة التي يتم تربيتها لهذا الغرض مثل الدجاج أو الأبقار أو الأغنام، حيث يعتقدوا أن تناول مثل هذه الحيوانات هو شكل من أشكال الخيانة فبعد أن تطعم الحيوان ويصبح سمينا تأكله هو خيانة لذلك الحيوان ولهذا علمتهم الغابة أن امامك الكثير من الطعام والخيارات وما عليك فعله هو القتال من يفوز يأكل الخاسر وفقا لموقع بي بي سي.
وتمر تلك القواعد بتقديس المياه لذلك يمنع استخدام الصابون لتظل مياه النهر نقيه يمكنك الشرب منها مباشرة وتنتهي هذه القواعد بتحريم نوم الغرباء وسطهم وهو أمر متوقع فكل غريب غير مرحب به وإذا كانت كل هذه التقاليد ليست بالعجيبة بالنسبة لك فإليك ما يجبرك على الانبهار وسط غرابة تقاليد أورانج ريمبا هي العلاقات السرية التي تربط أفراد القبيلة بالأشجار.
فالأشجار ضرورية لمجتمع أورانج ريمبا وركن صميم في عدد من طقوس القبيلة اكثرها أهمية هي دفع الحبل السري لأطفال القبيلة فمع ولادة طفل جديد يتم غرس شجرة له يدفن أسفلها حبله السري يحتفظ معها برباط مقدس لبقية حياته، حيث ترسم هذه الشجرة عمره أثناء نموه لذلك يمنع قطع الأشجار فمعنى قطع الشجرة هو قتل أحد أفراد القبيلة ومع ذلك أيضا يجب على كل فرد حراسة شجرته من التعرض للهجوم أو السقوط.
وفي وقت مبكر من حياة كل فرد ينتمي إلى أورانج ريمبا يكتب اسم كل فرد بلحاء شجرة ما اسمه لتكون شجرته الثانية التي وجب عليه حمايتها حتى الموت للدفن بجانبها لذلك تعتبر هذه الأشجار ثمينة كمصدر لكل شخص في الهوية الفريدة للقبيلة وتعتبر مقدسة تماما ومن هنا أسست قبيلة أورانج ريمبا علاقتها مع الأشجار ووطدت احساسها بالمكان والأشياء الحية الموجودة حولهم في مجتمعهم داخل الغابة الذي يتلخص في تبجيل قوي الغابة.
ولكن مع كل هذا الارتباط يواجه مجتمع أورانج ريمبا مستقبل غامض بسبب تغير المناخ الذي أنهى مساحات شاسعة من وطن القبيلة وانهى حياة الكثيرين بحرائق امتدت لمسافات طويلة كما أنهى البعض حياة الآلاف من الأشجار في سبيل تأسيس مزارع زيت النخيل ولهذا أصبحت قبيلة أورانج ريمبا واحدة من أكثر القبائل الأصلية المهددة بالانقراض في إندونيسيا ورغم ذلك هم مازالوا مصممون على حماية غاباتهم والحياة التي بنوها لأنفسهم داخل حدودها.