«التيار الثالث» آخر مناورات الإرهابية.. تفاصيل

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: عمرو فاروق

شهدت الأيام الماضية، مؤتمراً في اسطنبول، عقده "التيار الثالث" داخل جماعة الإخوان، أو بقايا مجموعة "الكماليون" المنتسبين إلى القيادي محمد كمال، المؤسس لخلايا الجناح المسلح عقب ثورة 30 يونيو 2013، وذلك للإعلان عن وثيقة سياسية للمرحلة المقبلة.

لم تطرح الوثيقة السياسية للتيار الثالث أو "المكتب العام"، توجهات خارجة عن الأدبيات الفكرية للمكون الإخوني، رغم تضمنها عدداً من المؤشرات الهامة، لتحركات هذه المجموعة وأهداف مَن يمولها، ويدعم تواجدها في ظل السيولة التنظيمية التي تشهدها الجماعة في إطار الصراع القائم بين "جبهة لندن" بقيادة إبراهيم منير، و"جبهة تركيا" بقيادة محمود حسين.

لكن لماذا خرجت هذه المجموعة في هذا التوقيت تحديداً؟، وما الدوافع وراء استدعاء هذه المجموعة؟، ولماذا تجاهلوا الخلافات والمشاكل القائمة في العمق التنظيمي للإخوان، وخلق دوائر إعلامية جديدة، والاتجاه لإثارة الشارع باختلاق الشائعات.

تكهنات كثيرة خلف الترتيبات التي صاحبت صعود هذه المجموعة، ومصادر تويلها، وغطائها السياسي، لا سيما في ظل الحديث عن سعي جبهة إبراهيم منير، ومن ورائها جبهة محمود حسين، إلى الدخول في تفاوضات أو تفاهمات مع الجانب المصري عبر وسطاء من دوائر صنع القرار السياسي في المنطقة العربية.

استدعاء مجموعة "التيار الثالث"  أو "تيار التغيير"، (مثلما يطلقون على أنفسهم)، ومحاولة تقديمهم على أنهم الممثل الرسمي لجماعة الإخوان وحلفائها خلال المرحلة الراهنة، يأتي في إطار توظيفهم كورقة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي أربكت حسابات الأنظمة السياسية الحاكمة.

اقرأ أيضًا: رحيق السطور توثيق جرائم إخوان الشيطان

مجموعة "التيار الثالث"، لا تؤمن بنظرية "التغيير من أسفل"، من خلال تجهيز قواعد تنظيمية جديدة، والهيمنة على مؤسسات الدولة أو التأثير في العقل الجمعي للمجتمع، سعياً في الوصول إلى مرحلة "التمكين"، وإعادة الجماعة إلى قمة المشهد السياسي والاجتماعي والدعوي، والتي تترجم في استراتيجية المدرسة الأولى داخل الإخوان التي نظَّر لها حسن البنا، لكنها تؤمن بنظرية "التغيير من أعلى" أو استراتيجية المدرسة الثانية التي طرحها سيد قطب، من خلال الاشتباك مع النظام السياسي، والإعداد والتجهيز لحراك شعبي جارف يقودون زمامه من خلف الستار.

الخيار الأهم في أجندة "التيار الثالث"، فرض الجماعة وسطوتها بالقوة وباستخدام العنف، والاعتماد على التوجهات الفكرية لمفتي الدم والخراب سيد قطب، فضلاً عن تحالفها مع رموز "الجبهة السلفية"، أمثال أحمد مولانا، ومحمد الهامي، وخالد سعيد، والتي تعتبر من التنظيمات الداعمة لسياسات العنف والتكفير داخل القاهرة، ودعت من قبل لـ"إنتفاضة الشباب المسلم"، في 28 نوفمبر 2014.

ومن أبرز قيادات التيار الثالث داخل جماعة الإخوان الارهابية، محمد منتصر، وعمرو دراج، ورضا فهمي، وسيف عبد الفتاح،  ومحمود الجمال، ويحيى موسي، وعلاء حامد، وعدد من مؤسسي وقادة حركة حسم وعناصر اللجان النوعية الموالية للقيادي الإخواني السابق محمد كمال المسؤول عن عمليات العنف المسلح، والذي تمت تصفيته في مواجهات مع قوات الأمن المصرية في أكتوبر من العام 2016.

اعتمدت جبهة "التيار الثالث"، في منهجهم التربوي على مايعرف بمرحلة "سرية الدعوة وسرية التنظيم"، خلافاً للمنهج الشائع "علانية الدعوة وسرية التنظيم"، الذي تحدث عنه القيادي الإخواني فتحي يكن، في كتابه "ماذا يعني انتمائي للإسلام"، وترسيخ مبدأ تكوين ما يشبه الخلايا العنقودية للتنظيم الجديد الموازي للجماعة الأم، تحت شعار"دار الأرقم"، فضلا عن مجموعة محددة، مثل كتب "شبهات حول الإسلام" لمحمد قطب، و"الإسلام والسلام العالمي" لسيد قطب، و"ظلام من الغرب، الإسلام في وجه الزحف الأحمر، الإسلام في مواجهة الرأسمالية، الإسلام في مواجهة الاشتراكية" للشيخ الغزالي، و"الإسلام دين الله في الأرض والسماء" للدكتور جمال عبد الهادي، و"الإسلام والمذاهب الاقتصادية المعاصرة "ليوسف كمال ، و"الإسلام ونظرته السامية للمرأة" لعمر التلمساني، "الذريعة إلى مكارم الشريعة" للراغب الأصفهاني.

تمثل قضية "المصالحة" حجر الزاوية بالنسبة لجماعة الإخوان والمتعاطفين معها أو المستفدين من تواجدها في المشهد الإقليمي والدولي، في ظل المحاولات القوية لفك التحالف بين النظام الملالي الإيراني، وبين التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الارهابية، ووقف التمدد الشيعي في قلب المنطقة العربية.

الدولة المصرية تسير في طريقها بما يتوافق مع مصالحها الداخلية والخارجية دون إملاءات، ومن ثم عملت على تفعيل لجنة "العفو الرئاسي"، في إطار مظلة "الحوار الوطني"، والإفراج المشروط عن بعض العناصر غير المرتبطة بممارسة أعمال العنف ضد مؤسسات الدولة.

حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخير عن "المصالحة" وأهل الشر، تضمن رسالة واضحة لمختلف الأطراف العربية والأمريكية التي تعمل على إعادة تمرير جماعة الإخوان الارهابية للمشهد بما يحقق لها مصالحها على حساب الجانب المصري .

احتضان الجانب التركي لهذا المؤتمر ولهذه المجموعة يثير الكثير من علامات الاستفهام في ظل التعاون والتفاهم بين أنقرة والقاهرة، على المستوى الأمني والاستخباري، أو ما يعرف بـ"دبلوماسية الباب الخلفي"، بعيداً عن الدبلوماسية السياسية المباشرة والأجواء الإعلامية، لإعادة ترتيب جذور المشهد بين الجانبين وفقاً لمجموعة من المطالب المتبادلة التي لا ترقى إلى مستوى الشروط، بعد سنواتٍ من القطيعة.

قدمت مجموعة "التيار الثالث"، من قبل، تقييماً متعلقاً بالداخل التنظيمي، تحت مسمى "الرؤية"، في 28 صفحة، على 4 محاور أهمها: "غياب ترتيب الأولويات، وعلاقة التنظيم بالدولة، والممارسات الحزبية، والشرعية الثورية".

ضمت المحاور 17 نقطة، أبرزها "غياب مشروع سياسي متكامل للتغيير، عجز الجماعة عن إدارة وتحليل المعلومات، فضلاً عن التداخل الوظيفي بين الحزبي التنافسي والدعوي التنظيمي، وعدم الجاهزية السياسية للجماعة، وفشلها في صناعة وتطوير القيادات والكوادر الحزبية.

اعتبرت مجموعة "التيار الثالث"، أن الجماعة مليئة بالتناقضات الفكرية التي تم التغاضي عنها على مدار تاريخها، خشية تفجير التنظيم من الداخل، ما عمل على تكريس حالة شديدة من التعقيد وعدم التجانس، والفشل التام في خلق بيئة تصهر الخلافات العمرية والاختلاف الفكرية.

يضاف إلى ذلك سيطرة عواجيز الجماعة على المشهد التنظيمي بالكامل، مع  غياب آلية العمل المؤسسي، والدور الرقابي والمُحاسبي، خاصة في في الدرجات التنظيمية العليا، والتداخل بين المهام الإدارية والتربوية، وعدم الفصل بين الجانب الرقابي والجانب التنفيذي، وترسيخ استراتيجية الهرم التنظيمي، وتحصينه من الإختراق الأمني.

تحركات "التيار الثالث"، في ذاتها تمثل انفجارا للصراعات والخلافات الداخلية، والقاء الضوء على المزيد من الانقسامات والإرتباك الفكري والتنظيمي بين القواعد الإخوانية، وعدم الانفصال الحقيقي عن المرجعية القطبية، التي تحرض على الارهاب ونشر الشائعات.