نهاية الحلم في الغربةl وفاة شاب بغيبوبة سكر تاركا طفلين وأم قعيدة

محمد
محمد

كتبت: إيمان البلطي

 توفى والده وهو بعد ابن الـ ١٠ سنوات، ووجد نفسه بين ثلاثة أشقاء وهو أكبرهم، تولى وهو لا يزال في صباه أمر رعايتهم، تلك كانت حياة «محمد» منذ بدايتها، حياة صعبة عاشها بكل تفاصيلها المرة، منذ أن خرج صغيرًا للعمل، ليقتات قوت يومه وقوت أسرته، سافر إلى ليبيا مرتين، في المرة الأولى واضعًا نصب عينيه مسؤولية زواج شقيقتيه، يأمل في أن يعود حاملا بين يديه الخير لهما، واستطاع بعد غربة لم تطل أن يطمئن عليهما في حياتهما الزوجية، ثم تزوج هو وأنجب طفلين، وعندما اهتزت أموره المادية، وأصبح قاب قوسين من العوز، خصوصا وأن في رقبته أم وزوجة وأولاد وأخ مريض بالكلى، وزاد على ذلك أن «محمد» نفسه أصيب بمرض السكري، سافر مرة ثانية إلى ليبيا للعمل حاملًا في رقبته رعايتهم، ولكن شاء القدر أن تكون هذه رحلته الأخيرة، وتوفاه الله في أسبوع غربته الأولى. تفاصيل تلك الواقعة ترويها السطور التالية.

كان حلمه بسيطًا، متواضعًا، يتلخص في أن يعيش هو وأولاده حياة كريمة، يعلم أطفاله الصغار، عبدالعزيز ولارا، ويوفر لأمه، السيدة العجوز، كل ما تريده، فـ  «محمد عبد العزيز النواجي» ابن قرية أبو مشهور، التابعة لبركة السبع بالمنوفية، والبالغ من العمر ٤١ عامًا، كافح منذ صغره كفاحًا طويلا، وعانى الأمرين في حياته.

في البداية توفى والده وهو طفل، وترك له مسؤولية أمه وأخواته، فحمل على عاتقه وهو بعد ابن الـ ١٠ سنوات مسؤوليتهم جميعا، وخطى منذ بداية حياته خطوات صعبة، لكنه استطاع اجتيازها، وكان على قدر المسؤولية التي وكلت له.

عندما أصبح شابًا، واقتربت سنوات عمره من الـ ٢٠،  فكر في السفر خارج البلاد، وبالفعل سافر إلى دولة ليبيا الشقيقة، وهناك كافح وكادح لتوفير أى أموال يرسلها إلى أسرته، وبالفعل استمر في غربته قرابة الـ ٥ سنوات متصلة، استطاع فيها أن يزوج إخوته جميعًا، وأن يضمن مستقبلهم، وخصوصًا شقيقاته البنات الذي تكفل بتجهيزهن من الألف للياء، واطمئن عليهن في بيوتهن.

معاناة

عندما استقر له الوضع، وخف حمله بعد أن اطمئن على شقيقاته في بيوتهن، طلبت منه والدته الزواج، وبالفعل كان يدور هذا الأمر في مخيلته، لكنه فضل السفر فترة ثم يعود، وسافر وهناك مكث قرابة السنتين، حتى قامت أحداث ليبيا، التي معها فقد لقمة عيشه، وعاد إلى مصر.

مرت السنوات كان يعمل خلالها بأجر يومي، حتى تزوج وأنجب ابنه «عبد العزيز» والذي أسماه على اسم والده، وبعده أنجب ابنته «لارا» ولكن بعدما ارتاح من مسؤولية زواج شقيقته، صار في رقبته أم قعيدة، وزوجة وابناء، وشقيقه الأصغر الذي أصيب بمرض الكلى.

وعليه أصبح عمله بـ «اليومية» لا يكفيه الحاجة، وأصبحت حياته فى ضيق مادي، وزاد على ذلك إصابته بمرض السكري، واحتياجه هو الآخر إلى علاج بشكل دائم ودوري حتى يتجنب مضاعفات البرد ولا يدخل في غيبوبة السكر. لكن على كل ما فيه، ما كان يفكر إلا في والدته والمحيطين به.

قبل أن يعاود محمد الغربة التي اعتاد عليها مضطرًا من أجل أسرته وعائلته، عمل فرانًا بأحد أفران الخبز البلدي، كان يتقاضى أجرًا يوميًا زهيدًا، حتى أنه كان لا يسد مستلزمات بيته، ولأجل هذا عمل في الفرن ليلا وفي النهار يعمل في مجال المعمار، وعلى هذا الحال استمر الوضع، لكن كانت حالته المادية من سيئ لأسوأ، خصوصا بعد أن كبر ابنه ودخل المدرسة، وهنا ازدادت أعباؤه المالية أكثر وأكثر، ففكر حينها فى العودة للعمل بدولة ليبيا، أخذ يفكر كيف سيدبر المال للسفر، فذهب إلى كل معارفه كي يعطونه مبلغ السفر على سبيل السلفة، لكن لم يتحصل على شيء وانتهت محاولاته بالفشل.

عندما عجز عن تدبير أموال السفر على سبيل السلفة، فكر في الاقتراض من البنك، وبالفعل توجه إلى البنك، وتحصل على قرض بقيمة ٢٥ ألف جنيه، وبعدها توجه إلى مكتب السفريات وأتم كل الأوراق المطلوبة، ودفع الرسوم المادية. وأصبح على بعد خطوات مرة أخرى من العودة إلى ليبيا.

سفرية الموت

عندما أبلغ أسرته بأنه ينوي السفر، رفضت الأم خوفا عليه من الغربة، لأنه مريض بالسكر، وكذلك أسرته رفضوا سفره، لكنه أخذ وقتًا كي يقنع الأسرة بفكرة السفر، ولكى يوفر لهم حياة كريمة، وبعد محاولات كثيرة اقتنعت أسرته على مضض.

يوم السفر كان «محمد» ينام على قدمي أمه، يقبلها ويقبل أولاده، وكانت دموعهم دموع فراق بعده عودة، وما كان يأتي في مخيلتهم أن هذا وداع أخير، وداع لا لقاء بعده. وحدها الأم التي كان في قلبها غصة وخوف دفين، وقد صح ما كان يدور بداخلها.

ودع الجميع «محمد» فى حزن شديد، وتوجه للركوب والاستعداد لرحلة سفره البرية لدولة ليبيا الشقيقة، وسافر ووصل إلى معبر السلوم بسلام، وغادر أرض الوطن، وبعد ٦ أيام متواصلة وصل إلى بلدة طبرق، الواقعة على جزر ليبيا، وهناك أوقفت السلطات الليبية الأتوبيس لتوقيع الكشف الطبي على المسافرين.

أما عن «محمد»، فبمجرد ما أن وصل أتوبيس الرحلة إلى طبرق، حتى باغتته غيبوبة السكر، ونام مغشيًا عليه من شدة التعب، ولأن معظم المسافرين لا يعرفون بعضهم البعض، لم يكن احد يعرف من المسافرين أن محمد مصاب بمرض السكر، وأن نومه هذا لم يكن نومًا طبيعيا، بل كان غيبوبة السكر.

استمر الوضع قرابة ٨ ساعات، دون أي إسعافات، وبعد أن حاول أحد المسافرين إيقاظه، عرفوا أنه مغشيًا عليه ولم يكن استغراقا في النوم من طول ساعات السفر، وعليه حاولوا إسعافه بكل الطرق لكن باءت محاولاتهم بالفشل، فنقلوه إلى أقرب مستشفى، وهناك أبلغهم الأطباء أنه مات، وعثروا في محتوياته على رقم هاتف زوجته، فاتصلوا بها وأخبروها أن محمدًا قد مات.

عندما علم الأهل، توجهوا مسرعين إلى أن وصلوا إلى حدود السلوم، منتظرين عودة الجثمان، وقامت السلطات المصرية بسرعة إنهاء الإجراءات، وبالفعل تم تعجيل الإجراءات، وتسليم الجثمان إلى ذويه، ودفنه بمقابر العائلة بالقرية، وسيطرت حالة من الحزن الشديد على أهالي القرية، لأنهم يعلمون مدى كفاح ذلك الشاب منذ صغره، وأنه ترك أسرة مكونة من والدته القعيدة وابنه الصغير البالغ من العمر ٧ أعوام وطفلة صغيرة لم يتعد عمرها ٣ أعوام، وزوجته، وشقيقه المريض، وقد طالب جاره سيد الشافعى، من الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي النظر إلى حال الأسرة البسيطة، بعمل معاش يساعدهم على الحياة ومتطلباتها بعد أن مات عنهم عائل الأسرة الوحيد.

أقرأ أيضأ : بعد الحكم بإعدامه.. رسالة المحكمة لمغتصب طفلة كفر الشيخ