صلاح بوسريف يكتب : أعْلَى مِنَ الغَيْمِ أدْنَى مِنَ الوَتَرِ

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

«إنَّ كُلَّ شَىءٍ حَىٍّ يَخْرُجُ مِنَ الظَّلام»
   «حَنَّا أرندت»

هَاااا إِنَّنِى أَقِفُ فِى جُرْفِ هَاوِيَةٍ
أسْتَدْرِجُ قَرَارَتِى إِلَى وَقْعِهَا الأخِير.

قَالَ لِي:
ـ لا تَلْتَفِتْ.
مَا ترَاهُ يَكْفِيكَ لِتَرَى الشَّمْس ضَوْؤُهَا يَسْقُطُ فِى النَّهَارِ.
الهَاوِيَةُ ظُلْمَةٌ تَجْرَحُ الضَّوْءَ
تُخْفِى وَقْعَ السُّقُوطِ.
لا أَعْرِفُ، 
بِأَيِّ الأجْنِحَة سَأُحَلِّقُ فِى هَذَا الفَرَاغِ.
لَسْتَ حُلُماً،
أَنْتَ حَقِيقَة فِى جُرْفِ هَااااوِيَةٍ تَقِفُ. 
مَا بَعْد السُّقُوط
الصَّدَى أَعْلَى مِنَ الصَّوْتِ
خُطًى على إثْرِها تَحَسَّسْتُ ظِلِّيَ،
لَمْ أَعُدْ أَرَى شَيْئاً،
لا أَسْمَعُ سِوَى صَوْتِيَ 
فِى دَاخِلِى،
 أَشْجَانُهُ أَحْزَانِى.
كَأَنَّنِى أَخْرُجُ مِنْ رَحِمٍ،
مَا أَزَالُ أَتَلَمَّسُ الضَّوْءَ الَّذِى سَيأْوِينِى.
الهَاوِيَةُ صَوْتِى،
صَاعِداً مِنْ جُرْحٍ غَوِيطٍ،
مِنْ صَدًى ظَنَنْتُ أنَّهُ النَّبْع الَّذِى مِنْهُ تُولَدُ الأنْهارُ.
مَا يَزَالُ اللَّحْمُ فِى جِسْمِيَ غَضّاً،
خُيُوطُهُ لَمْ تَلْتَئِمْ بَعْدُ، 
أَنا الثَّوْبُ انْفَرَطَتْ عُراهُ،
كَأَنَّ الأَرْضَ لَمْ تَلِدْنِى،
بَل مِنْ مَاءٍ خَرَجْتُ.
فِى أُذُنَيَّ صَوْتُ مَحاراتٍ تَتَصَادَى الرِّيحُ فِى أَغْصَانِها،
أَعْلَى مِنَ الغَيْمِ،
أَدْنَى مِنَ الوَتَرِ.
قِيلَ لِي:
هُنَا مُتَاحٌ لَكَ الغِنَاءُ،
الأُرْغُنُّ صَوْتُكَ،
لا تَكْبَحِ الغِنَاءَ،
دَعْهُ مِنْ جَوْفِكَ يَخْرُجُ،
كَمَا المَاءُ مِنَ النَّبْعِ،
 فِى الرِّيحِ نَثَّ رَحاهُ.
هَلْ فِى ماضٍ أَنَا،
أَمْ
فِى زَمَنٍ حَشَرْتُ جُرْحِيَ فِيهِ، 
أَنَا مَاضِيهِ.
 لا 
 أَعْرِفُ!
  كُلُّ الطُّرُقِ تَقُولُ لِى سِرْ،
والنَّهْرُ مَا زَالَ يَجْرِفُنِى نَحْوَ الهَاوِيَةِ.
مَا قَبْلَ السُّقُوط
الهَوَاءُ،
بِعَكْسِ المَاءِ مَا احْتَمَلَنِى.
لَمْ أَسْقُطْ،
بَقَيْتُ وَاقِفاً أَتَعَقَّبُ النَّبْعَ،
أَرَى كَيْفَ مِنَ النَّبْعِ تُولَدُ الوُعُولُ.
الغَابَةُ ثَانِيَةً تَأْوِينِى،
عُشْبُهَا ثَوْبِى،
وَالظِّلُّ مِثْلُ الصَّدَى بِهِ كُنْتُ أَقِيسُ مَكْرَ الطُّرُقِ.
فِى الحَضِيضِ،
ذَاااكَ الَّذِى أَراهُ مِنْ قِمَّةِ المُنْحَدَرِ،
لا أَرَى سِوَى أَصْوَاتِى،
بَعْضُها يَهْجِسُ بِبَعْضٍ، 
وَكَأَنَّنى كَثِيرٌ،
فِى
وَاحِدٍ. 
لَمْ تَكُنِ المَرَايا وُجِدَتْ،
وَالأَنْهارُ،
كَانَ النَّبْعُ مَا زَالَ فِى ظُلْمَتِهَا يَحْضُنُها،
مِثْلِيَ.
قَبْلَ أَنْ أُولَدَ مِنْ مَاءٍ.
تَوَسَّلْتُ الطِّينَ أَنْ يَلْبسَنِى،
لَم يَشَأْ.
تَوَسَّلْتُ الرِّيحَ، 
وَرُوحِى فِى رِيحِى كامِنَةٌ،
لَمْ تَشَأْ.
خِلْتُ بَعْدَ أَنْ وَقَفْتُ فِى شَفَا الهَاوِيَةِ،
أَنَّنِى النَّهْر أَوْشَكَ يُلْقِى رِيحَهُ فِى المَاءِ.
مِنْ أَسْفَلِ التَّلَّةِ،
كَانَتِ الغَابَةُ تَتَعَقَّبُنِى،
تَرَى،
مِنْ أَيِّ العَنَاصِر جِسْمِيَ سَيكُونُ ثَوْبِى.
هَلْ أَبْقَى،
هَلْ أَعُودُ،
أَمْ
أَنَا مَازِلْتُ الطُّرُقُ تَلْتَمِس خَطْوِى،
وَالأَرْضُ لَنْ تَطْفُو فِى المَاءِ،
مَا لَمْ أَكُنْ وُلِدْتُ !!؟ 
السُّقُوط
كَأنَّنِى لَمْ أَكُنْ،
   لَمْ أَتَخَيَّل أَنَّنِى سَأَكُونُ.
كَأَنَّنِى نَسْمَةُ رِيحٍ بَاغَتَتْ زَهْرَةً فِى أَوَّلِ انْبِجَاسِهَا،
كَأَنَّ لا شَيْءَ حَدَثَ فِى الأَرْضِ،
وَأَنا أُوشِكُ أَخْرُجُ مِنَ الزَّهْرَةِ،
مِنْ مَائِهَا الَّذِى شَرِبَتْهُ لِيَصِيرَ أَرِيجَهَا.
المَسَافَةُ بَيْنَ الهَاوِيَةِ والنَّهْرِ،
فَادِحٌ مَا تَتْرُكُهُ مِنْ فَراغٍ فى هَذَا المَصَبِّ الآثِمِ.
هَلْ أَسْقُطُ،
أَخْرُجُ مِنْ قِشْرَتِى،
أَمْ
أَبْقَى،
حُدُوسِى تُؤْلِمُنى
وَأنَا أَرَى كَيْفَ الرَّمَادُ يُؤَجِّحُ الوَقْتَ،
أُسَمِّيهِ الزَّمَنَ،
وَكَيْفَ الزَّمَانُ مَا يَزالُ فِى عُرْفِ العَابِرِينَ هُوَ المَاضِى.
لَنْ تَكُونَ أَنْتَ،
مَا 
لَمْ
تُولَدْ عَلَى سَجِيَّةِ أسْلافِكَ،
مَنْ
رَمَادُهُم عَلِقَ بِجَمْرِكَ،
والنَّهْرُ عِنْدَهُم، 
العَيْنُ الَّتِى مِنْهَا جَاءَتِ الأَرْحَامُ.
هَاااا يَرْتَطِمُ الصَّدَى بالصَّوْتِ،
فِى حَلْقِيَ الحُرُوفُ تَلاشَتْ.
لا
لُغَةَ لِى،
لا 
لِسَانَ.
ما الَّذِى كَانَ،
لِمَاذَا فَجْأَةً، كُلُّ شَيْءٍ ضَمُرَتْ أَنْحاؤُه،
يَدِى وَأَنَا أَسْقُطُ،
لَوَّحَتْ لِى مِنْ بَعِيدٍ،
والشَّجَى فى صَوْتِيَ كَانَ نَفْسُه الصَّدَى. 

أَلَيْسَ المَاءُ طَفْرَةَ غَيْمٍ،
بَيْنَ شَآبِيبِها الأَنْهَارُ أَخْفَتْ طُيُورَها،
قَبْلَ أَنْ تَبْدُو السَّمَاءُ،
هِى نَفْسُها الأرْضُ لِبِسَتْ جَمْرَها!!؟
هَجَسْتَ، 
وَأَنْتَ تَسْقُطُ،
بالزَّهْرِ كَيْفَ اسْتَبَاحَتْ هَزِيعَهُ السَّمَاءُ،
كيْفَ السَّمَاءُ آخَتِ الوَرْدَ بالرَّمَادِ.
كُنْ.
وَبَعْدَهَا كُنْتَ الفَرَاش يُرَفْرِفُ فِى نَوْمِكَ،
لا تَراهُ،
سَمِعْتَ دَبِيبَهُ فِى مائِكَ،
لَمْ تَنْتَبِه،
تَرَكْتَ النَّهْرَ عَلَى سَجِيَّتِه،
يَغْسِلُ الزَّهْرَ بالرَّمادِ.

اقرأ ايضا | قصة إنشاء أول متحف آثار داخل مكتبة