"ازدهار ثم اندثار" مكتبة الإسكندرية القديمة.. سر الحلقة المفقودة من تاريخها

تمثال بطليموس يتصدر واجهة مكتبة الإسكندرية
تمثال بطليموس يتصدر واجهة مكتبة الإسكندرية

بدأت جولتنا بالبحث في تاريخ مكتبة الإسكندرية الأصلية القديمة التي كانت منارة علمية أضاءت العالم القديم على مدار 7 قرون كاملة بعد أن نجحت في إحداث طفرة في الثقافة والفكر العالمي.

ولكن كان من الأمور المثيرة للدهشة، والمحزنة في آن واحد، أن معظم الدلائل والشواهد التاريخية على المكتبة القديمة قد اختفت، فالخسارة الفادحة لم تتوقف عند فقد أطلال وأصول محتوياتها ولكن حتى عما دون وسجل عنها داخل مصر ما يعنى عدم التمكن من التعرف على التاريخ الدقيق لهذه المكتبة التي كانت ملء السمع والبصر.. لنكتفي بما وصل إلينا من أخبارها المتقطعة من مؤرخي ورحالة الخارج! فكيف حدث ذلك وهل هناك أمل مستقبلي باكتشاف تاريخها؟

نلتقط الخيط الأول من قضيتنا بفهم السياق المحيط بإنشاء المكتبة القديمة كما ترويها د.منى حجاج أستاذة الآثار اليونانية والرومانية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية والحائزة على جائزة هيباتيا للنساء العالمات في عام 2017 من أثينا، في حديثها «لأخبار الأدب»: بدأت البذرة الأولى لمكتبة الإسكندرية القديمة حينما اعتلى بطليموس الأول «سويتر».

عرش مصر وبدأ فى وضع سياسته على أساس الرغبة فى التفوق فى حوض البحر المتوسط فى كافة المجالات كالعسكرية والاقتصادية والسياسية وما إلى ذلك، إلى أن أشار عليه مستشاره ديمتريوس الفاليرى تلميذ أرسطو بأن يقتدى بمكتبات المعابد المصرية لكى ينشئ مكتبة تكون فريدة من نوعها فتُحقق بذلك مكانة مهمة لمصر أى مملكته التى كانت فى طور التأسيس.

وتُحقق لها التفوق العلمى والثقافى بين باقى ممالك البحر المتوسط، وعلى ذلك أصدر بطليموس الأول أوامره بالشروع فى البناء وتعهدها بعده بطليموس الثانى بالرعاية لتمثل هى وجزئها الثانى مجمع الموسيون المؤسستان التوأم اللذان سيقودان حركة العلم فى العالم القديم. 


وتتابع: واتخذت المكتبة اتجاه عالمى يغطى جميع النتاج العلمى الذى عرفه العالم ذلك الوقت فجمعت الكتب من جميع الأماكن وبكل الوسائل حتى إنهم كانوا يستوقفون السفن المارة بميناء الإسكندرية للبحث عن الكتب، ونسخها وشرائها كما تم إنشاء قسم للترجمة لتسهيل الإطلاع على معارف الثقافات الأخرى.


وتضاعف عدد الكتب العلمية بها وذكر البعض أنها وصلت لـ7آلاف كتاب شملت كل نواحى المعرفة فقد اجتهد علماء مكتبة الإسكندرية من النصف الأول للقرن الثالث قبل الميلاد وحتى نهاية القرن الرابع فى البحث العلمى والدراسى والتأليف ليقدموا إنتاجًا أصيلًا غير وجه العالم، فقد حظى العلماء المقيمين بالمكتبة بمكانة عالية ومزايا خاصة ضمنت تفرغهم للعلم.

 

د. منى حجاج:
لم نعثر على أى توثيق أو كتابات عنها داخل المدينة.. والشهادات وصلتنا من رحالة الخارج

 

ومن بينها الإعفاء من الضرائب وتوفير الإعاشة الكاملة المجانية والمكانة الاجتماعية العالية مما جعلها قبلة للعلماء ومن أشهرهم العالم الرياضى الشهير إقليدس الذى وضع أسس مهمة

 

 

فى علم الرياضة والهندسة، وكذلك أرشميدس السيراكيوزى واضع أسس علم التفاضل، إضافة إلى علماء الطب مثل: هيروفيلوس الخلقيدونى وإيراسستراتوس القوصي، إيراتوسثنيس القورينى وغيرهم.


وترجح حجاج انقسام المكتبة القديمة إلى جزئيين رئيسيين أولهما جزء مخصص لحفظ الكتب والإطلاع عليه وكان مبنى رئيسى به يضم من حوله مجموعة مبان تخدم على المكتبة مثل مقر سكنى للعلماء والباحثين الذى كان يأتون لزيارة المكتبة والاستفادة منها وإجراء الأبحاث العلمية ، وحدائق للنباتات ومرصد فلكى وأماكن للتنزه بينما تجاورت قاعات القراءة مع قاعات حفظ الكتب، أما المكتبة الصغرى الابنة فتم إنشائها لاحقًا داخل معبد السرابيوم وهى لها قصة خاصة.

الخسارة الكبرى

وتستطرد منى حجاج: وسط أحداث كبرى فُقدت مقتنيات المكتبة على أكثر من مرحلة بسبب العنف والتطرف الدينى وكل هذا حدث قبل قدوم العرب بشكل عام حيث ظهرت روايات غير منطقية عن هذا الشأن. كانت مرحلة الفقد الأولى 48 قبل الميلاد عندما اندلعت حرب أهلية داخل مصر بين الملكة كليوبترا السابعة وجيشها وبين أخيها الملك بطليموس السادس عشر الذى كان يشاركها فى الحكم وانقلب عليها.

وأيد القائد الرومانى يوليوس قيصر كليوبترا الذى جاء بجيوشه إلى مصر وسجل يوليوس قيصر بنفسه مذكراته عن هذه الحرب وأورد فيها أن أضرم النيران فى الأسطول البطلمى المتواجد فى الميناء.


 ووصف الكتاب المعاصرون ذلك، ولكن المصادر ليست مباشرة وصريحة فيما إذا كانت أحرقت المكتبة عن آخرها أم جزء منه خلال هذه الحرب، ولكننا متأكدون من أن جزء كبير قد دمُر بالفعل، وبناء عليه فعندما مات يوليوس قيصر وتزوجت كليوبترا من مارك انطونى فقد أهداها مكتبة مدينة براجما التى كانت تقع بآسيا الصغرى على سبيل التعويض.

وأقيمت مكتبة آخرى مكملة وهى المكتبة الابنة وعلى الأرجح انها كانت فى مقر معبد السيرابيوم فى حى راقودة فى منطقة عمود السوارى حاليا ولكن تم  تدمير المعبد عمدًا 396 ميلاديًا حيث صدر قرار من الإمبراطور الرومانى بتدمير كافة المعابد الوثنية بعد إعلان المسيحية كديانة رسمية.


التدمير الثاني

وشهدت المكتبة تدميراً آخر فى القرن الثالث الميلادى حيث تعرضت الإسكندرية كلها لهجمة كبرى حيث هاجم جيش الملكة زنوبيا ملكة تدمر الإسكندرية ضمن خطتها للاستيلاء على مصر واستطاعت غزو الإسكندرية لمدة تقارب العامين وعاشت مع جيشها فى منطقة الحى الملكي.  

 

محسن زهران :

ينبغى ألا يقتصر دور المكتبة على عقد مؤتمرات أو حفلات

وعاثوا فى المدينة تدميرا إلى أن وجه الامبراطور الرومانى جيشه لمحاربتها وهو ما أدى إلى تدمير جزء آخر من تحصينات المدينة. وهكذا تضافرت عوامل مختلفة من احتلال خارجى ومحنة اقتصادية حينها ليصيب الدمار للحى الملكى الرئيسى الذى كان به مقر المكتبة.

أدلة غير جازمة

ورغم أن المكتبة القديمة كانت ملء السمع والبصر إلا أن هناك العديد من المعلومات الدقيقة المنقوصة فتشير د.منى حجاج إلى أن الأدلة التاريخية لم تجزم بسنة البدء فى بناء مكتبة الإسكندرية القديمة على وجه التحديد ولا حتى موقعها، فليس لدينا مصادر دقيقة لذلك ولكن من المعروف أنها فى عهد بطليموس الثانى فى النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد كانت المكتبة فى أوج رونقها وكامل تجهيزاتها.  


 وتضيف: كما لم تقطع الأدلة التاريخية بموقع المكتبة ولكننا نعلم أنها كانت تقع بالحى الملكى فى منطقة القصور الملكية وكان يمتد من رصيف السلسة شرقًا إلى محطة الرمل غربًا، ومن شاطئ البحر شمالًا إلى شارع كانوب  العرضى الرئيسى بالمدينة وهو حاليًا شارع أبى قير.


وهناك قضية حاول العلماء تدارسها هل تم فصل مكان حفظ الكتب نفسه عن قاعات الإطلاع أو لا؟ وأين كان المكان الذى كانت تصنف فيه الكتب بعد ورودها من المراكب حيث كانت هناك  مجموعة مخصصة لفرز الكتب وتصنيفها وتوثيقها فى سجلات فأين كان يحدث ذلك فى هل فى الميناء نفسه أم كانت تنقل إلى مقر داخل المكتبة ثم تصنف هذه نقطة أخرى لم نستطع على تحديدها على وجه الدقة.


 أتساءل عن فقدان دلائل المكتبة وكيف لمجتمع مولع بالتوثيق والتسجيل ألا يدون بالتفصيل عن هذه المكتبة المهمة؟ تجيب حجاج: لم نجد فى مدينة الإسكندرية تحديدًا أى مصادر مكتوبة عن المكتبة القديمة ولكن علمنا عن المكتبة من كتب لمؤلفين ومؤرخين وباحثين كتبوها وسجلوها فى أماكن متفرقة من العالم، وربما كانت توجد فى الإسكندرية دلائل ولكن لم يساعد جو الإسكندرية الرطب على حفظ المواد الهشة مثل البرديات المستخدم كبديل للورق وذلك فلم نجدها.


 كما يجب أن نراعى أن الإسكندرية تعرضت لدمار طبيعى وبشرى وكوارث طبيعية كبرى مثل تسونامى وزلازل مختلفة، وكذلك شهدت خلال المرحلة الثانية من العصر البطلمى شهدت ثورات وحركات عنف متكررة، وقد تكون أضاعتها هذه المحن الفرصة للتعرف على الأماكن الأصلية للمنشآت الكبرى والهامة فى اسكندرية القديمة.


أمل مستقبلى


ولكن هل يعنى ما سبق أنه قد لا يكون هناك أى أمل فى العثور على أى دليل أثرى مستقبلًا؟ الدكتور خالد أبو الحمد مدير عام آثار الإسكندرية يجيب: بالفعل لم يُعثر على أثار أو دلائل لمكتبة الإسكندرية القديمة لأنه بالأساس لم يتم الحفر فى موقعها الأصلى القديم حتى الآن ولكن ربما أن نجدها إن نقبنا فى الموقع الصحيح».


وكشف فى حديثه «لأخبار الأدب»: أن الموقع الحالى لمكتبة الإسكندرية والذى أُجريت حفائر أثرية خلال فترة الإنشاء ليس هو ذاته موقع المكتبة القديم ولكنه قريب منه، فقد قدر العلماء موقع المكتبة الأصلى بأنه يبعد عن موقع المكتبة الحديثة بمسافة ٢٠٠ م او ٣٠٠م إلى الغرب من الموقع الحالي.

 

وذلك طبقًا لما ورد من خلال كتابات المؤرخين اليونانيين والرومان القدامى ومن خلال الدراسات الأثرية والخرائط الطبوغرافية لمحمود باشا الفلكى الذى قام بإجراء حفائر ومجسات للتعرف على طبوغرافية المدينة القديمة وقدم خريطة الإسكندرية خلال العصر اليونانى والعصر الروماني.


 وأضاف: قياسًا على الوضع الحالى فأرجح أن الموقع القديم لمكتبة الإسكندرية فى المنطقة ما بين أرض كوتة والقائد إبراهيم وهى منطقة بكر لم يتم التنقيب فيها سابقًا، وأتوقع بنسبة كبيرة أن نعثر على آثار مهمة فى هذه المنطقة تخص مكتبة الإسكندرية القديمة وغيرها من الآثار حيث إن ذلك الموقع يمثل الحى الملكى القديم وقد عثرنا سابقًا على آثار مهمة بالفعل حولها ومن بينها موقع مكتبة الإسكندرية الحديثة.

 

إحياء مكتبة الإسكندرية

ظل إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة حلم يراود العديد من المفكرين والعلماء فى أنحاء العالم لعقود طويلة، ولربما رآه البعض محض أفكار خيالية ستظل حبيسة الأدراج.. ولكن كان هناك أستاذة مخلصين من جامعة الإسكندرية آمنوا بهذا الحلم وأطلقوا شرارته وصدقوا بأصالة مدينتهم وقدرتها على إحياء مجدها، تضافرت جهودهم مع العديد من جنود الظل حتى تم افتتاحها رسميًا فى 16 أكتوبر 2002.


واحد من أبرز أبطال مشروع إحياء مكتبة الإسكندرية كان الراحل د. مصطفى العبادى أستاذ الحضارة اليونانية والرومانية بجامعة الإسكندرية الذى قدم دراسات تاريخية متميزة عن المكتبة القديمة واحتفل موقع جوجل الأسبوع الماضى بوضع صورته كشعار له فى ذكرى ميلاده.


ذكر مصطفى العبادى فى كتابه «مكتبة الإسكندرية القديمة سيرتها ومصيرها» الذى أصدرته اليونسكو بعدة لغات فى عام 1992 أن هناك ندرة فى المصادر المتاحة عن المكتبة القديمة فالمعلومات جزئية منتزعة من إشارات عابرة مبعثرة فى كتابات المؤلفين مختلفين لم تكن من ضمن اهتمامتهم الرئيسية، أما الكتب التى كتبت عن المكتبة القديمة مثل الألواح وهى السجل الذى كتبه كاليماخوس أو عن الموسيون الذى كتبه أرستونيكوس فلم يصلنا منها شيء.


ويشير إلى أن مصير مكتبة الإسكندرية وأسلوب اندثارها هو نقطة نزاع بين دارسى التاريخ، حيث حصدت المكتبة اهتمام إنسانى غير مألوف وكذلك الموسيون الذى كان يشابه المجمع العلمى لأنهما كانا الممثل الرئيسى لحضارة عصرهما والأساس الذى قامت عليه ما يمكن أن نسميه جامعة الإسكندرية القديمة التى حملت لواء عالمية البحث العلمى والمعرفى لأكثر من 7 قرون متصلة.


 ويرجح العبادى أنه ربما أدت عظمة المكتبة وشهرتها إلى عزوف المؤلفين عن الكتابة عنها ضاربًا المثل بما ذكر أثينايوس الذى استقى مادة كتابه من 1500 كتاب قرأها فى مكتبة الإسكندرية فى القرن الثانى «فيما يتعلق بأعداد الكتب وتأسيس المكتبات وجماعات الموسيون، ماذا عساى أن أقول فهى معروفة للناس جميعًا !».

ويوافقه فيديريكو مايور المدير العام الأسبق لليونسكو الذى ذكر فى تصديره لكتاب العبادي: «لم يبق من مكتبة الإسكندرية القديمة حتى أى بقايا أو أطلال، فلم تسفر البحوث الأثرية والحفائر عن أى مفاتيح ملموسة تعرفنا على شكل المكتبة العظيمة والموسيون الملحق بها وتطورها على مر العصور والمصير الذى آلت إليه».


وتروى لنا قصته الدكتورة شيماء الشريف طالبة الدكتور العبادى والتى تحت إشرافه حصلت على الدكتوراه حول مكتبة الإسكندرية القديمة، مما أهلها لتولى تأليف أحدث كتيبات مكتبة الإسكندرية عن تاريخ المكتبة القديمة ومشروع إحيائها والمقرر صدورهما بمناسبة مرور عقدين على الإنشاء.


تروى الشريف: أطلق الدكتور مصطفى العبادى فى عام 1972  ندائه بإحياء مكتبة الإسكندرية القديمة خلال محاضرة عامة بنادى أعضاء هيئة التدريس بجامعة الإسكندرية بدعوة من رئيس الجامعة الدكتور لطفى دويدار، وتكونت بعدها لجنة لدراسة المشروع  وكان مقترح له ثلاثة مواقع وهو الموقع الحالى وأرض كوتة وأرض منطقة مصطفى كامل.


 وتتابع « تأجل المشروع فى البداية عدة مرات ولم يلق الصدى الكافى فكما روى لى أستاذى لا صوت فى تلك الفترة كان يعلو  فوق صوت المعركة ولكن بطبيعة شخصية العبادى كان لا يعرف اليأس. فقد كان يفكر دائمًا لما نعيد هذا المشروع الضخم ونفعل أفضل مما قام به البطالمة قديمًا فالإمكانيات العصرية لدينا أفضل من عهدهم وإمكانية الحصول على المعارف أسهل.

ولذا استمر فى إلقاء محاضراته حول المكتبة وتقديم أبحاثه إلى جاءت فترة الثمانينيات حينما أيدت الظروف هذه الحلم وتضافرت جهود جامعة الإسكندرية والحكومة هذه المرة وحصد على دعم اليونسكو، وحاولت المكتبة الحديثة تتبع خطى المكتبة القديمة واستلهمت من تقاليدها  أن يرأسها حاكم الدولة إبرازًا لرعايتها ولذا أصبحت المكتبة الحديثة أيضًا تتبع لرئيس الجمهوريه مباشرة.


  تبتسم الشريف وهى تتذكر أستاذها الراحل: فى إحدى المرات قلت له أنت رجل محظوظ كم شخص على مر التاريخ ساعدته الظروف ويمتد عمره ليرى حلم قد تحقق أمامه بالفعل. فقال لى نعم بالفعل هذا من فضل ربنا علي.


المدير الأول

بعد عدة محاولات نجحنا فى التواصل مع الدكتور محسن زهران مدير الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية الذى أشرف على مشروع الإنشاء منذ البداية لمدة قاربت 17 عامًا.


 بنبرة هادئة يقول زهران: أعتبر مكتبة الإسكندرية مثل ابنتى ..فقد بدأت المشروع من الصفر منذ عام 1985 وظللت أرعاه حتى 2001 حيث توليت مدير الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية، ولا تذهب المكتبة عن بالى . حتى أننى أتذكر خلال فترة الإنشاء ذهبت للحج وبمجرد عودتي  فى الواحدة صباحًأ ذهبت لأزورها قبل بيتى ..فكما قلت هى ابنتى والتى أتمنى رعايتها بشكل أكبر فهى تستحق ذلك.


 يتذكر زهران: منذ منتصف الستينيات قدمت عدة دراسات لتصميم وتكوين مكتبة لجامعة الإسكندرية بعد عودتى من بعثتى بالخارج، وبعدها انضممت للجنة مشروع إنشاء مكتبة الإسكندرية.. ولكن كنقطة تاريخية يجب أن نتذكر أن مبادرة إحياء المكتبة القديمة قد سبقها إعلان د.طه حسين أول رئيس لجامعة الإسكندرية عندما ذكر فى افتتاحها عام 1942 أمام الملك فاروق وكانت الجامعة باسمه حينها أن إنشاء جامعة فى الإسكندرية هو بمثابة إحياء لمكتبة الإسكندرية القديمة وهذا موجود فى سجلات الجامعة، ففكرة الإحياء كانت قديمة بالفعل.. ولكنها بدأت تتبلور أكثر لاحقًا إلى أن وفقنا الله فى تنفيذها.


يؤكد زهران على الدعم المتكرر الذى قدمته جامعة الإسكندرية لإنجاح المشروع منذ البداية للنهاية: عندما قدمنا المشروع لليونسكو تم سؤالنا عما ستقدمه مصر من دعم للمشروع فقامت الجامعة بالتبرع بالأرض المخصصة لها لبناء مكتبة لصالح المشروع وقدرت حينها بنفسى الأرض بقيمة 60 مليون جنيه، لكى تكون بذرة للمشروع وتنهال بعدها التبرعات اجتماع إعلان أسوان عام 1990 والذى حضره الكثير من قادة دول العالم وبادرت فيه الدول العربية بتقديم تبرعات بلغت 65 مليون دولار لتمويل المشروع مما منح المشروع دفعة قوية.


يشير زهران إلى المشروع كان له صدى عالمى قوى قائلا: كان هناك التفاف دولى حول الفكرة وأتذكر أننى أسست 25 جمعية لأصدقاء مكتبة الإسكندرية فى 25 دولة بأوربا والولايات المتحدة الأميركية لجمع التبرعات، وأقنعت النرويج بالتبرع ب10 مليون دولار بعد فوز مكتب نرويجى بالتصميم الهندسي.


يكشف زهران أنه لم يحصل على تكريمات أو أوسمة كما لم يتم دعوته لحفل الافتتاح عام 2002 وكذلك الدكتور العبادي. يعلق زهران «لم أبحث أو أطمع فى شيء فقد كان هدفى هو خدمة بلدى و قد بلغت الثمانين ولا أهتم سوى بعملى فى الجامعة ورعاية طلابى وأختم محاضراتى لهم دائمًا بان أقول لهم اهتموا بمصر..اخدموا بلدكم.


يبرز التساؤل الأخير عن تقييم أحد الآباء المؤسسين لمسيرتها بعد 20 عامًا. يصمت برهة ويقول: عندما أنشأنا المكتبة كان هدفنا هو إحياء المكتبة القديمة وأن تسير على خطاها فى تركيزها على رعاية العلماء الدوليين وإنتاج المعرفة.

ولذا قمنا ببناء أكثر من 100 حجرة بحثية تشبه الصومعة بقاعات الإطلاع أملا بأن يخرج منها أهم الأبحاث، كما كان يحدث فى المكتبة القديمة ولذا أتمنى أن تستطيع المكتبة اجتذاب أهم الباحثين والعلماء الدوليين، وأن نعيد فكرة العطاء الإنسانى للمكتبة والامتياز المعرفى فلا ينبغى أن يقتصر دور المكتبة على عقد مؤتمرات أو حفلات، فدورها المخطط له كان أكبر من ذلك فهى مختلفة عن مكتبات الجامعات وقصور الثقافة.


ويتابع: يجب أن تنفتح المكتبة على العالم ولا تكتفى بدور محلي، فعليها أن تتخذ بعدا دوليا أكبر وتركز على إنتاج الأبحاث المفيدة للبشرية، فالاهتمام بالعلماء هو ما سيقودنا للنجاح، وأذكر أن فى جامعتى التى حصلت منها على الدكتوراه كان يوجد 25 عالماً فائزاً بنوبل فالاهتمام بالعلماء هو الحل.

اقرأ أيضا | عرض معجم أحمد باشا كمال للهيروغليفية لأول مرة بمكتبة الإسكندرية