خالد محمود يكتب: « أثينا ».. أكثر الأفلام إثارة فى 2022

خالد محمود
خالد محمود

دون‭ ‬شك،‭ ‬يجيء‭ ‬الفيلم‭ ‬الفرنسي‭ ‬“أثينا”‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الأعمال‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬وجمالا‭ ‬فنيا‭ ‬لهذا‭ ‬العام‭.‬

هكذا‭ ‬ترك‭ ‬الفيلم‭ ‬انطباعا‭ ‬بداخلي،‮ ‬عقب‭ ‬مشاهدته،‭ ‬واعترف‭ ‬أولا‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬متردد قبل‭ ‬الجلوس‭ ‬أمام‭ ‬الشاشة‭ ‬لهاجس‭ ‬تقليدية‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬سمعتها‭ ‬“عنف‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مجتمع‭ ‬غاضب”،‭ ‬لكن‭ ‬منذ‭ ‬افتتاحية‭ ‬المشهد‭ ‬الأول‭ ‬أدركت‭ ‬أنني‭ ‬أمام‭ ‬سينما‭ ‬أخرى،‭ ‬ملحمة‭ ‬فنية‭ ‬ستغزل‭ ‬أمام‭ ‬عيني،‭ ‬ومع‭ ‬تتابع‭ ‬الصورة باتت‭ ‬مشاعري‭ ‬رهينة‭ ‬ذلك‭ ‬الشريط‭ ‬‮ ‬الإبداعي‭ ‬بتوتره‭ ‬ومأساته‭ ‬التي‭ ‬تروي،‭ ‬وظللت‭ ‬اتساءل‭ ‬“هل‭ ‬أنا‭ ‬في‭ ‬حضرة‭ ‬فيلم‭ ‬يفيض‭ ‬إنسانية؟،‭ ‬أم‭ ‬يمرنا‭ ‬بمأزق‭ ‬اجتماعي‭ ‬أم‭ ‬سياسي؟،‭ ‬أم‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬توحي‭ ‬باليوم؟”،‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المعاني‭ ‬قد‭ ‬توحدت‭ ‬جميعها‭ ‬في‭ ‬“أثينا”‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المخرج‭ ‬رومان‭ ‬جافراس‭ ‬وشخصياته‭ ‬التي‭ ‬جسدها‭ ‬دالي‭ ‬بن‭ ‬صالح،‭ ‬سامي‭ ‬سليماني‭ ‬وأنتوني‭ ‬باجون،‭ ‬وقد طافوا‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬معركة‭ ‬عدالة‭ ‬بمعناها‭ ‬الأعمق،‭ ‬وهل‭ ‬تحققت‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‮ ‬يقدم‭ ‬عرضًا‭ ‬مثيرًا‭ ‬وصعبًا‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحالي‭.‬‮ ‬

في‭ ‬أحداث‭ ‬الفيلم‭ ‬يتم‭ ‬استدعاء‭ ‬الشقيق الأصغر‭ ‬لشاب‭ ‬قتل‭ ‬أثر‭ ‬مشاجرة‭ ‬مزعومة‭ ‬للشرطة،‭ ‬هذا‭ ‬الشقيق‭ ‬جندي‭ ‬يدعى‭ ‬عبد‭ (‬دالي‭ ‬بن‭ ‬صالح‭) ‬من‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭ ‬ليجد‭ ‬عائلته‭ ‬ممزقة،‭ ‬عالقًا‭ ‬بين‭ ‬رغبة‭ ‬شقيقه‭ ‬الثاني‮ ‬كريم‭ (‬سامي‭ ‬سليمان‭) ‬في‭ ‬الانتقام من‭ ‬الجناة‭ ‬وبين‭ ‬المعاملات‭ ‬الإجرامية‭ ‬لأخيه‭ ‬الأكبر‭ ‬مختار‭ (‬أوسيني‭ ‬مبارك‭)‬،‭ ‬يكافح‭ ‬“عبد”‭ ‬لتهدئة‭ ‬التوترات‭ ‬المتصاعدة،‭ ‬لكن‭ ‬يتحول‭ ‬مجتمعهم،‭ ‬أثينا،‭ ‬إلى‭ ‬قلعة‭ ‬تحت‭ ‬الحصار،‭ ‬ليصبح‭ ‬مسرحًا‭ ‬لمأساة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬بالعائلة‭ ‬وخارجها‭.‬

الافتتاحية‭ ‬المتفجرة‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بلقطة‭ ‬متقنة‭ ‬مصممة‭ ‬لتشعر‭ ‬وكأنها‭ ‬لقطة‭ ‬طويلة،‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬“وان‭ ‬شوت”،‭ ‬بينما‭ ‬نشاهد‭ ‬ونلمس‭ ‬بداية‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬الآفق،‭ ‬والموقف‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬أحداث‭ ‬الفيلم‭ ‬لا‭ ‬يهدأ‭ ‬أبدًا،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬دراما‭ ‬عصرية‭ ‬غاضبة‭ ‬مليئة‭ ‬بالألعاب‭ ‬النارية‭ ‬والعنف‭ ‬لأنها‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الطبقات‭ ‬الدنيا‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تجاهلها‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭.‬

المخرج‭ ‬رومان‭ ‬جافراس‭ ‬يقوم‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬وضع‭ ‬فيلم‭ ‬طموح‭ ‬وحيوي‭ ‬في‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية،‭ ‬إنه‭ ‬يقدم‭ ‬شيئًا‭ ‬مثيرًا،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬قاتمًا‭ ‬للغاية،‮ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خيارات‭ ‬التقليب‭ ‬حول‭ ‬منظورات‭ ‬عدة للمواضيع‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬وحشية‭ ‬الشرطة‭ ‬والعنصرية‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬عندما‭ ‬تظل‭ ‬هذه‭ ‬الأنواع‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬معركة‭ ‬الجزائر،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬النظرات‭ ‬المماثلة‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬والمقاومة‭ ‬الفرنسية‭.‬

ينتهي‭ ‬المطاف‭ ‬بثلاثة‭ ‬أشقاء‭ ‬على‭ ‬طرفي‭ ‬نقيض‭ ‬من‭ ‬النزاع‭ ‬بعد‭ ‬قتل‭ ‬شقيقهم‭ ‬الأصغر‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬مريبة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشرطة‭. ‬

أحداث‭ ‬مليئة‭ ‬بالطاقة‭ ‬المتفجرة‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬ومشاهد‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬بفضل‭ ‬إخراج‭ ‬رومان‭ ‬جافراس،‭ ‬وتُظهر‭ ‬أثينا‭ ‬كمجتمع‭ ‬تأثير‭ ‬إنكار‭ ‬العدالة‭.‬

التصوير‭ ‬كان‭ ‬بارعا‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬الكاميرا،‭ ‬وانفجارات‭ ‬الألوان‭ ‬ومشاهد‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬ولقطات‭ ‬طويلة‭ ‬ومعقدة‭ ‬بشكل‭ ‬استثنائي‭ ‬تخطف‭ ‬الأنفاس،‭ ‬لتبقى‭ ‬مشاهد‭ ‬في‭ ‬ذاكرتي‭ ‬كالصورة‭ ‬المقربة‭ ‬لـ”عبد”‮ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬وفاة‭ ‬أخيه،‭ ‬وترى‭ ‬مشاعره‭ ‬المتضاربة‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬يصرخ‭ ‬الكلمات‭ ‬المتنافرة‭ ‬لألمه‭ ‬وغضبه،‭ ‬لقطة‭ ‬واحدة‭ ‬لشقيق‭ ‬“عبد‭ ‬الكريم”‮ ‬وهو‭ ‬تتحرك‭ ‬عبر‭ ‬مركز‭ ‬للشرطة،‭ ‬تدخلك‭ ‬في‭ ‬القتال،‭ ‬بينما‭ ‬ينهب‭ ‬المتظاهرون‭ ‬الإمدادات،‭ ‬يذكرنا‭ ‬الفيلم‭ ‬بالمراسلين‭ ‬الذين‭ ‬يتابعون‭ ‬الأفراد‭ ‬وسط‭ ‬صراع‭ ‬مفتوح،‭ ‬كما‭ ‬إحدى‭ ‬اللحظات‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬فيها‭ ‬لقطات‭ ‬فيديو‭ ‬عن‭ ‬وحشية‭ ‬الشرطة‭ ‬وعائلات‭ ‬الضحايا‭ ‬التي‭ ‬تلتها‭ ‬تطالب‭ ‬بالهدوء،‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬السائدة‭ ‬ليست‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬تروج‭ ‬للدعاية‭ ‬والأكاذيب،‭ ‬لذلك‭ ‬عندما‭ ‬تزعم‭ ‬الأخبار‭ ‬أن‭ ‬الشبهات‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬يمينية‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يصدقها،‭ ‬إنهم‭ ‬لا‭ ‬يعالجون‭ ‬السبب‭ ‬الجذري‭ ‬أبدًا‭.. ‬الجماعات‭ ‬اليمينية‭ - ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ - ‬لا‭ ‬تتحرك‭ ‬بمباركة‭ ‬حكومتها‭ ‬وشرطتها‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬الضباط‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للكذب‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬توتر‭ ‬غير‭ ‬موجود‭.‬‮ ‬

لذا‭ ‬فإن‭ ‬القضية‭ ‬توحي‮ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬ضحية،‮ ‬والعشرات‭ ‬منها‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬ماضية،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬تصرفات‭ ‬الضباط‭ ‬“مبررة”،‭ ‬تولد‭ ‬الغضب،‭ ‬وتتراكم مع‭ ‬كل‭ ‬حياة‭ ‬تذهب،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬جحيمًا‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬احتوائه‭.. ‬وتُظهر‭ ‬أثينا‭ ‬كيف‭ ‬تصبح‭ ‬الحياة‭ ‬المفقودة‭ ‬هي‭ ‬المباراة‭ ‬التي‭ ‬تشعل‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬عالمهم‭.‬

كان‭ ‬يتعين‭ - ‬مع‭ ‬الإخراج‭ ‬الرائع‭ - ‬على‭ ‬أبطال‭ ‬العمل‭ ‬إعادة‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬المشاهد،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬الممثلان دالي‭ ‬بن‭ ‬الله‭ ‬وسامي‭ ‬سليمان‭ ‬وهما‭ ‬يقدمان‭ ‬أداءً‭ ‬مدهشا،‭ ‬هما‭ ‬محور‭ ‬التركيز‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‮ ‬لا‭ ‬يُنسى‭ ‬بتصويره‭ ‬مأساة‭ ‬اجتماعية‭ ‬غاضبة‭ ‬ومذهلة‭ ‬من‭ ‬الدقيقة‭ ‬الأولى،‭ ‬وبفضل‭ ‬التوجيه‭ ‬القوي‭ ‬لجافراس‭ ‬لفريق‭ ‬التمثيل‭.‬‮ ‬

الفيلم‭ ‬يدين‭ ‬فشل‭ ‬الكثير‭: ‬الشرطة،‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭.. ‬إنها‭ ‬حقيقة‭ ‬مأساوية‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬أبدًا‭ ‬بالراحة‭ ‬أو‭ ‬بدون‭ ‬ثمن‭. ‬هناك‭ ‬أناس‭ ‬ينتظرون‭ ‬استغلال‭ ‬التوترات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬‮ ‬

تعالوا‭ ‬نتذكر‭ ‬معا‭ ‬كيف‭ ‬بدأت‭ ‬لقطة‭ ‬التسلسل‭ ‬للحدث‭ ‬برمته،‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬خارج‭ ‬مركز‭ ‬للشرطة،‭ ‬والجندي‭ ‬“عبد”‮ ‬ينعي‭ ‬وفاة‭ ‬شقيقه‭ ‬الأصغر‭ ‬“إدير”‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشرطة‭ ‬الوحشية،‭ ‬ويسأل‭ ‬برصانة‭ ‬عن‭ ‬أسماء‭ ‬المسئولين،‭ ‬تتحرك‭ ‬الكاميرا‭ ‬ببطء‭ ‬نحو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬الحشد‭ ‬وتتوقف‭ ‬عند‭ ‬“كريم”،‭ ‬شقيق‭ ‬“عبد”‭ ‬الآخر،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يسأل،‭ ‬بل‭ ‬يطالب‭ ‬بالعدالة،‭ ‬“كريم”‭ ‬يشعل‭ ‬زجاجة‭ ‬حارقة‭ ‬وتترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى،‭ ‬وبتنسيق‭ ‬هائل،‭ ‬استولى‭ ‬جيش‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬المقنعين‭ ‬على‭ ‬المركز،‭ ‬وزُرع‭ ‬الارتباك،‭ ‬واستولوا‭ ‬على‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وسرقوا‭ ‬شاحنة،‭ ‬وعادوا‭ ‬بسرعة‭ ‬منتصرة‭ ‬إلى‭ ‬منطقتهم،‭ ‬المسماة‭ ‬“أثينا”،‭ ‬ملوحين‭ ‬بالأعلام‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬الدراجات‭ ‬النارية،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذه‭ ‬بأسلوب‭ ‬مذهل،‭ ‬بدون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬واحد‭.‬‮ ‬

يقوم‭ ‬جافراس بتجانس‭ ‬العمل‭ ‬والشجب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬حزمة‭ ‬متفجرة‭ ‬ومكثفة‭ ‬تلتقطك‭ ‬بقصتها‭ ‬وتهزك‭ ‬بأسلوبها‭ ‬عبر‭ ‬ذلك‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬كتابته‭ ‬لادج‭ ‬لي،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬“أثينا”‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬التكملة‭ ‬الرائعة‭ ‬لفيلم‭ ‬“البؤساء”،‭ ‬هناك‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬العميق‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬والشخصيات‭ ‬تعكس‭ ‬في‭ ‬أعينهم‭ ‬ضجر‭ ‬نظام‭ ‬سحقهم‭ ‬منذ‭ ‬ولادتهم،‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬البث‭ ‬التليفزيوني‭ ‬في‭ ‬خلفية‭ ‬بعض‭ ‬المشاهد‭ ‬بالاستماع‭ ‬إلى‭ ‬السياسيين‭ ‬الطبقيين‭ ‬والمعارضين‭ ‬للإسلام‭ ‬الذين‭ ‬يعبرون‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬وعن‭ ‬سكان‭ ‬“أثينا”‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬كائنات‭ ‬غير‭ ‬بشرية‭.‬‮ ‬

يسعى‭ ‬الفيلم‭ ‬لمحاكاة‭ ‬مأساة‭ ‬يونانية،‭ ‬“أثينا”‭ ‬هي‭ ‬إلهة‭ ‬الحرب،‭ ‬والمعروفة‭ ‬بحكمتها‭ ‬وبراعتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬والتي‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬الرائع‭ ‬لـ”كريم”‭ ‬وجيشه‭ ‬الصغير‭ ‬الشرس،‭ ‬بعد‭ ‬البداية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُنسى،‭ ‬يستمر‭ ‬الموقف‭ ‬في‭ ‬التصعيد،‭ ‬ومعه‭ ‬يتم‭ ‬عرض‭ ‬الحدة‭ ‬والدراما‭ ‬والإثارة‭ ‬السمعية‭ ‬البصرية‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬الشرطة‭ ‬إلى‭ ‬“أثينا”‭ ‬بقصد‭ ‬قمع‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتخلون‭ ‬عن‭ ‬دفاعهم‭ ‬العدواني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العدالة،‭ ‬يحاول‭ ‬“عبد”‭ ‬أن‭ ‬يوقف‭ ‬“كريم”،‭ ‬لكن‭ ‬الأوان‭ ‬قد‭ ‬فات‭ ‬بالفعل،‭ ‬لقد‭ ‬تحول‭ ‬ألم‭ ‬القائد‭ ‬المتشدد‭ ‬إلى‭ ‬غضب،‭ ‬ترافق‭ ‬مع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬لخلق‭ ‬الوقود‭ ‬اللازم‭ ‬للقتال‭.. ‬كريم‭ ‬هنا‭ ‬يريد‭ ‬ثورة‭.‬‮ ‬

في‭ ‬أول‭ ‬ظهور‭ ‬له‭ ‬بالتمثيل،‭ ‬كان‭ ‬سامي‭ ‬سليمان‭ ‬استثنائيًا‭ ‬للغاية،‭ ‬لا‭ ‬تشك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬في‭ ‬قدرات‭ ‬“كريم”‭ ‬كقائد،‭ ‬لأن‭ ‬سليمان‭ ‬يقدم‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬يقدم‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬كائنًا‭ ‬عازمًا،‭ ‬بقلب‭ ‬مكسور‭ ‬ونار‭ ‬في‭ ‬عينيه‭: ‬سليمان‭ ‬يلتقط‭ ‬الغضب‭ ‬والعذاب‭ ‬العميق‭ ‬الذي‭ ‬يغذي‭ ‬جافراس‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬روايته‭.‬

دالي‭ ‬بن‭ ‬صلاح‭ ‬ليس‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الركب،‭ ‬ويظهر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬صفته‭ ‬الدرامية‭ ‬الهائلة‭ ‬والمتفجرة‭ ‬كأخ‭ ‬يتغلب‭ ‬عليه‭ ‬الألم‭ ‬تدريجياً،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬شخصيته‭ ‬لم‭ ‬تتطور‭ ‬إلا‭ ‬قليلاً،‭ ‬فإن‭ ‬أنتوني‭ ‬باجون‭ ‬يقوم‭ ‬بعمل‭ ‬رائع‭ ‬كشرطي‭ ‬مرعوب‭.‬

من‭ ‬تجربته‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬الموسيقية،‭ ‬يستخدم‭ ‬جافراس‭ ‬جمالية‭ ‬التجاوزات‭ ‬لإلتقاط‭ ‬حالة‭ ‬اليأس‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬المنقسمة،‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬وعدم‭ ‬المساواة،‭ ‬الفيلم‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللقطات‭ ‬المتسلسلة‭ ‬الممتدة‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬تدفق‭ ‬التوتر‭ ‬الخانق،‮ ‬تزحف‭ ‬كاميرا‭ ‬ماتياس‭ ‬بوكارد‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬“أثينا”‭ ‬لتشهد‭ ‬صراعات‭ ‬داخلية‭ ‬بين‭ ‬الإخوة،‭ ‬وفوضى‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إخلاءه‭ ‬وحرب‭ ‬طبقية‭ ‬حقيقية،‭ ‬موسيقى‭ ‬سوركن‭ ‬ملحمية‭ ‬بإمتياز‭. ‬