نهاد عرفة تكتب: ذكريات ظهر السادس من أكتوبر

نهاد عرفة
نهاد عرفة

تستحوذ على ذكريات ذلك اليوم التاريخى الرائع كلما حلت ذكراه، استعيد أيام الطفولة البريئة بعد ست سنوات من المعاناة الشديدة التى جعلتنا أطفالاً ننام على أزيز الطائرات وصوت القنابل، ونحيب الجيران والأسر الذى لا ينقطع لاستشهاد أحد أبنائهم أو أقاربهم، كنا نقطن بمدينة الزقازيق على مشارف طريق الإسماعيلية الذى يعج بسيارات الجيش والعتاد ذهابا وإيابا طوال ساعات الليل والنهار، واعتدنا على الظلام الدامس طوال الليل لا نفتح الأنوار، وكآبة المنافذ المطلية باللون الأزرق الداكن، ست سنوات جعلت الأطفال فى مثل سنى يكبرون قبل الأوان ويتحملون ما لا يستطيع شباب اليوم تحمله، فتحنا منازلنا ومساكنا للمهاجرين من مدن القنال، وكانت أحاديث الكبار لا تنقطع عن ضرورة القتال، وما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وأحاديثنا نحن الأطفال نريد الانتقام لزملائنا الذين سالت دماؤهم فى مدرسة بحر البقر بعد أن أطلق العدو الغاشم قنابله عليها فى سابقة لم تحدث فى العالم، ست سنوات حرمنا خلالها من الكيك والحلوى التى كانت أمى تطهيه لنا ووالدى رحمة الله عليه الذى كان يشد من أزرنا بالصبر ويحثنا بالتبرع بالسكر وبعض المواد الغذائية والمؤن التى يقوم الأهالى بتحميلها فى سيارات الجيش لتذهب لجنودنا على خط النار، كنا جميعنا على يقين أنه سيأتى يوم ننتصر فيه ونسترد كرامتنا ونحرر أرضنا. 

أتذكر جيدا ما حدث فى الساعة الثانية والربع بعد ظهر السادس من أكتوبر حين انطلقت الزغاريد فى شارعنا بعد إذاعة البيان الأول بالإذاعة المصرية بصوت الإعلامى الشهير حلمى البلك، وتتوالى البيانات مع رفع أيادينا إلى السماء بالدعاء، إنها الحرب التى أعادت لنا وللأمة العربية كرامتها، وكتب انتصار أكتوبر بأحرف من نور، ست ساعات قضت على أسطورة الجيش الذى لا يقهر بدماء شهدائنا الزكية التى روت أرض سيناء الحبيبة، هذا الحدث التاريخى الذى هز العالم أجمع كان فخراً لنا جعلنا أطفالاً وكباراً نتسابق على المستشفيات للتبرع بدمائنا، ست سنوات تحملنا فيها ما لا يتحمله شباب اليوم الذين يضجون من الأسعار المنفلته يوما بعد يوم. ولجيلى وكل من عاصر ما قبل أكتوبر وما بعدها أقول، احكوا لأولادكم وعلموهم الصبر والتفاؤل بما هو قادم، فمهما كان الحالى سيئا فالقادم بالتفاؤل سيكون أفضل، وتفاءلوا بالخير تجدوه.