عبد الهادي عباس يكتب: شجاعة «البُرص» المصري!

عبدالهادي عباس
عبدالهادي عباس

قد يبدو الخير كله أمام ناظريك ولا تراه، وقد تراه ولكنك تستحقره ولا تلتفت إليه؛ ومنذ الآن فإنني أعاهد نفسي وأقسم بالأيمان المُغلظة بارًّا بقسمي غير حانث به أن معاملتي تجاه "البُرص" المصري ستتحول إلى الاحترام والتبجيل اللائقين بهذا الكائن الشجاع؛ كما أنني لن أطارده بالشبشب كاللصوص وهو الوادع الأمين، ولن ألتفت لفزع زوجتي منه وصراخها في وجوهنا مهددة بأننا لن ننام حتى نقتله أو نُخرجه من البيت وإن استمرت المطاردة حتى أذان الفجر!.
لن أفعل هذه الأفعال الآثمة التي كنا نفعلها قديمًا افتراء على هذا "البُرص" الأصيل، جهلا بطبيعته المصرية العفيفة وأخلاقه العربية الشريفة التي لا تقبل الضيم ولا تعترف بالعدوان مهما عتا وتجبّر، وإنما تستكين طالبة لغرة العدو حتى إذا باغتته انتقمت منه أشد الانتقام وأقساه؛ ولهذا لا أكون مبالغا إذا دعوت الناس إلى شرائه من سوق الجمعة وتربيته في المنزل وتسمينه بأطيب الأطعمة وأغلاها بدلا من هذه القطط والكلاب التي تملأ بيوتنا مواء ونباحا وكسلا وإزعاجا دونما فائدة حقيقية؛ و"البُرص" أولى الكائنات الحية بمصادقة المصريين والتعبير عنهم، بل إنني أدعو إلى جعله علامة مميزة للشعب المصري الحُر وللضمير العربي الحي، ولا بأس من إنشاء حزب سياسي وفريق كرة قدم باسمه؛ وفي العالم كله نماذج لاحترام الحيوانات التي تقدم منافع لأقوامها، وليس أنفع هذه الأيام من "البُرص"!.
أعلم أن أغلبية المصريين والعرب المتابعين لصولات البطل المصري قد اتخذوها مواد للسخرية والاستهزاء؛ وإنني أشهد الله وأشهدكم أنني لم أسعد بخبر قرأته منذ سنوات كما سعدت بأخبار "البُرص" المصري وغزواته في جنوب الكيان الصهيوني وجنبه وقلبه عما قريب؛ سعدتُ بهذه الهستيريا التي تضرب الإعلام الصهيوني من هذا "البُرص" المصري الذي احتل الجنوب وأكل أبراصهم وحشراتهم وصغار أفراخهم بصورة سريعة جدا، وكأنه مُقاتل خلف خطوط العدو أو أحد أبطال الصاعقة، ثم يتكاثر ويُنجب أضعافا مضاعفة من الأبناء والأحفاد والذرية الصالحة التي تُريد الأكل والشرب والسكن المُناسب!.
يشتكي الصهاينة أن "الأبراص" المصرية تقلب موازين البيئة عندهم رأسًا على عقب، وكأنها تماسيح فرعونية مُقدسة أرسلها "منتو" إله الحرب عند قدماء المصريين في كبسولة زمنية لتشويه تلك المخلوقات المُجرمة التي تتفاخر بعتادها العسكري على أطفال الحجارة؛ في حين يؤكد العلماء المصريون أن "البُرص" المصري مُسالم و"كيوت" جدا، بل وصديق للبيئة لأنه يأكل الحشرات الضارة ويُنظف الأرض منها؛ وأنا أصدق علماءنا كل التصديق ولا أصدق الصهاينة بعض التصديق وإن كانت الشكوى منهم والبلاء عليهم، بل وإن حلفوا على كل توراة وتلمود لديهم؛ وذلك لعدة أسباب: منها أننا اكتوينا آلاف المرات بالتلفيق الصهيوني على البشر والحجر، وتجرعنا افتراءاتهم علينا منذ كانوا مرتزقة ينسلون إلى أراضينا خفية في جُنح الظلام، فما أيسر افترائهم بعد ذلك على "البُرص" المصري الضعيف الذي ليس أول المُفترَى عليهم من الصهاينة ولن يكون آخرهم؛ ومنها أننا نجاور المعلم "بُرص" منذ الأزل فلم نر منه هذه الأفعال الجسام التي يُحاكمه عليها الصهاينة؛ ولولا أن الوسواس الخناس يُحرضنا عليه ما ناصبناه العداء كل هذه السنوات، ولعل بطولاته الأخيرة تكون صفحة جديدة لعلاقة متينة بين أبناء الوطن الواحد يقبل فيها اعتذارنا إليه وتعرفنا عليه.
 أما السبب الأبرز والذي ينغز في قلب الصهاينة أكثر من الأبراص، أن العالم كله خلال أيام سينتقل إلى شرم الشيخ للسياحة والدفء والراحة والاستجمام قبل أن يشهد مؤتمرات المحفل العالمي لمواجهة المناخ المتردي؛ فالعالم يُفسد المناخ ومصر تُعالجه بقلبها النظيف وجوها اللطيف، فهذا هو قدر دولة الحضارة ودورها الريادي على مر التاريخ.
سيأتي قادة العالم إلى شرم الشيخ في أيام احتفالات نصر أكتوبر المجيد، سيأتون إلى تلك الأرض التي استردتها الدماء المصرية الزكية من الأرجاس الأنجاس المعتدين؛ سيأتون ليشهدوا أن المصري الذي قاتل وانتصر في أكتوبر لا يزال يُقاتل وينتصر في بناء جمهوريته الجديدة ودولته الحديثة.
تحية من قلبي إلى كل "بُرص" مصري أصيل عرف واجبه القومي فقام به على أكمل وجه دونما توجيه أو تدبير، تحية إلى جرأة نادرة وشجاعة قادرة لم تُهادن أو تُطبّع مع عصابة تقتل الأجنة في البطون وتُعلن أنه دفاع عن النفس!.. وإنني أسأل الله أن يُبارك في ذرية هذا "البُرص" وأن يُكثر من أمثاله.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي