استنباط أصناف جديدة للقطن كل عام.. عودة ذهب مصر الأبيض

زراعة القطن
زراعة القطن

ياسين صبرى

تربع القطن على عرش الصادرات المصرية إلى الخارج لسنوات عديدة، فكان "الذهب الأبيض" أحد مصادر الدخل القومى نظراً لتميزه بالنقاء الفائق، ما أكسبه شهرة عالمية، إلا أن زراعة القطن واجهت العديد من التحديات أخيرًا، ما زاد من المطالبات بضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام لهذا المحصول الزراعى الهام.

الحكومة كانت قد وضعت أسسًا وقواعد لزراعة هذا المحصول الاستراتيجى منذ القرن الماضى، فأنشأت "مجلس مباحث القطن"، ثم تطوَّر الأمر إلى إنشاء "معهد بحوث القطن" الموجود حتى الآن، فأثمرت محاولات تهجين القطن عن إنتاج أول صنف هو "أشمونى"، ومنه تم إنتاج أصناف من سلالات أخرى، بعدها تم التحول إلى طريقة جديدة فى التجارب تعرف بـ"التماثل"، أى الانتقاء من داخل السلالات المنتخبة، واستمرت التجارب إلى أن وصلت لإنتاج ما يزيد على 100 صنف من الأقطان.

ويعد القطن منتجًا غير تقليدى له مواصفات جودة فائقة، ولابد من اتباع طرق فعّالة للمحافظة على نقائه الوراثى، ففى البداية يتم إنتاج السلالات أو ما يسمى "بذرة المربى" داخل المزارع التابعة لمعهد بحوث القطن، ثم يتم الانتقال إلى بذرة الأساس داخل قطاع الإنتاج بمزارع وزارة الزراعة، والحكومة فى سبيل الحفاظ على أصناف القطن المصرى ومنع خلط البذور أنشأت محلجًا بمدينة "سخا"، وآخر بكفر الشيخ، وكلاهما مسئول عن حلج السلالات تحت إشراف المعهد، بحيث يكون هناك تحكم كامل فى الكميات التى تخرج من وزارة الزراعة.

وطبقة الأقطان فائقة الطول التى تنتجها مصر من الأصناف المتميزة للغاية من ناحية الصفات الغزلية، ولا توجد أى دولة فى العالم تنافسنا فى هذه النوعية، وأول الأصناف التى تم استنباطها من هذا النوع هو "جيزة 45" الذى تم إنتاجه عام 1960 ومازال إنتاجه مستمراً حتى وقتنا الحالى، حيث يوجد طلب عليه برغم سعره المرتفع، وقد أنتج المعهد بعد ذلك أصنافا متعددة من الطبقة فائقة الطول مثل "جيزة 96"، وهناك أيضًا "جيزة 92"، الذى يعد من أفضل أصناف القطن على مستوى العالم، وتصل درجة متانته إلى 49 جرام تكس، وهذه الطبقات تُزرع فى مساحات خاصة ومعظمها يصدر إلى الخارج.

برامج التربية

وعند إنتاج أى صنف من أصناف الأقطان لابد أن يتم مراعاة مجموعة من المواصفات لمعرفة مدى مناسبته مع متطلبات السوق وكذلك مدى ملاءمته مع  ماكينات الغزل التى تحتاج أقطانًا بها درجة عالية من التجانس حتى لا يكون هناك نسبة إهدار أو فاقد بدرجة كبيرة، ويوجد داخل معهد بحوث القطن بعض الأصناف الموجودة منذ 20 إلى 60 عاماً، ولكن برامج التربية مستمرة بصورة دائمة حتى يكون هناك بديل إذا ما حدث تدهور لأى صنف من الأصناف القديمة داخل السوق أو إذا تم إنتاج صنف جديد يتفوق على الأصناف السابقة فى المواصفات القياسية سواء الغزلية أو الإنتاجية.

قصير التيلة 

وهناك تجارب تمت لزراعة القطن "قصير التيلة" فى مصر بفترة السبعينيات والثمانينيات، وانتهت إلى كونه يؤثر سلبًا فى القطن "طويل التيلة" نتيجة طبيعته البرية، فإذا تم تهجينهما معاً تكون النتيجة صنفًا منخفض الجودة، ولكن مع ذلك لا يمكن الحكم على تجارب تمت منذ ما يقرب من أربعين عاماً بمعايير اليوم نتيجة تغير الأصناف قصيرة التيلة، وكذلك الأصناف المصرية التى يتم إنتاجها،  فلا مانع أن يكون هناك تجربة لتقييم زراعة أصناف القطن الأجنبية مع الأصناف المصرية فى منطقة منعزلة تمامًا، ولتكن شرق العوينات تحت إشراف أى جهة تحددها الدولة، وبذلك يمكن الحكم على إمكانية نجاحها ومعرفة الجدوى المنتظرة من زراعتها.

ملامح  التطوير

ويواجه التوسع فى زراعة القطن بمصر محدودية استخدام الماكينات الحديثة فى زراعته وجنيه، إذ لا يزال يعتمد على المجهود اليدوى للعمالة، وهذا أمر مرهق ومكلف للغاية، لذا فالخطة الأساسية فى الفترة المقبلة مبنية على أكثر من مرحلة منها زراعة القطن آلياً، وهو ما يعكسه التوجه فى برامج التربية على التركيز على إنتاج أصناف تلائم الجنى الآلى للمحصول، خاصة فى الصعيد، كون الأصناف التى تزرع هناك تتلاءم مع احتياجات المغازل المحلية، ما يعطى ميزة نسبية فى خفض حجم استهلاك البذور إلى خمسة كيلوجرامات فقط بدلاً من 24 كيلوجراما للفدان الواحد، ويسهم فى عملية مكافحة خلط البذور.

وهنا يوضح الدكتور محمد عوض، أستاذ المحاصيل الزراعية بجامعة قناة السويس، أن حجم المساحات المزروعة قطنًا هذا العام يصل إلى 200 ألف فدان، وهو رقم مقارب لما تم زراعته فى العام السابق، مشيرًا إلى إمكانية التوسع فى زراعة القطن بالأماكن التى كان يُزرع بها سابقًا، إلا أن هذا الأمر بيد وزير الزراعة الذى يصدر قراراً سنويا يحدد مساحات زراعة القطن والأنواع التى ستزرع والمحالج التى سيتم التعامل معها بعد جنى المحصول لضمان عدم اختلاط الأصناف.

يضيف: فى كل عام يتم استنباط أصناف جديدة، وهى مقسمة جغرافيا لتزرع فى مدن شمال وجنوب الدلتا، مصر الوسطى والعليا بناء على الخصائص التى تراعى طبيعة الأرض وظروف المناخ والبيئة المناسبة لنمو كل نوع على حدة.

وكان القطن يُزرع فى السابق من منتصف شهر أبريل إلى منتصف مارس، لكن تم تغيير موعد زراعته بسبب استنباط أصناف جديدة قصيرة العمر، فأصبح موعد زراعته يبدأ فى فبراير ومارس وحتى أبريل مع إمكانية زراعة محصول القمح  قبله وهى ميزة استراتيجية هامة.

وفى أواخر الثمانينيات وصلت إنتاجية فدان القطن إلى 10 قنطارات، وكان حجم المساحات المزروعة حوالى 2 مليون فدان، ونظرًا لأن القطن يعتبر محصولا ثنائى الغرض، كنا نستخرج منه 162 ألف طن من زيت الطعام الذى يعرف بـ"السيرى"، فكان يصرف منه زيت التموين ولكن مع تراجع مساحة زراعة القطن أصبحنا نستورد زيت الطعام من الخارج بنسبة تصل إلى ما يزيد على 90%.

من جانبه، طالب بهاء العطار، نقيب الفلاحين بالبحيرة، بأن يحصل المزارعون على ثمن المحصول بعد توريده مباشرة وأن يكون العائد عن زراعته مجزيًا حتى يقبل المزارعون على زراعته، لافتًا إلى أن السعر الحالى وهو 5000 جنيه للقنطار يعد زهيدا للغاية، فإيجار الفدان يصل إلى 10 آلاف جنيه مع 15 ألف جنيه تكاليف إضافية، ومع وجود إنتاجية حالية لا تتعدى 6 قنطارات نجد أن ما يتبقى للمزراع كمكسب عن زراعة الفدان الواحد هو خمسة آلاف جنيه فقط، لذا يجب إعادة تسعير قنطار القطن مجددًا ليتراوح ما بين 6 إلى 6،5 ألف جنيه.

كما شدّد على ضرورة عودة دور وزارة الزراعة مجددًا لمؤازرة الفلاح فى زراعة القطن لا سيما فى اختيار البذور والتسويق بدلا من تركه لمجموعة من الشركات المتوسطة والمحالج التى تتحكم فى السوق المصرية.

أقرأ أيضأ l انطلاق موسم جني القطن في قرى المنوفية.. و5 مجمعات لاستقبال المحصول