زكريا عبدالجواد يكتب: أستاذي كامل زيدان

زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد

لا أنسى حنو معلمى الأول الأستاذ كامل محمود زيدان وهو يحملنى بذراعه العفية؛ ويجلسنى على كتفه الذى ينضح بالعطر، لينهى تمردى على الذهاب إلى المدرسة فى أول يوم لى بالابتدائية، وبعد دخولى الفصل؛ أوقفنى برفقٍ على المنضدة، ومسح دموعي، ثم احتضننى وقال: ستكون أشطرَ تلميذ.

شجعنى على حب المدرسة، بكثيرٍ من الامتيازات، كالسماح بالشرب من زير مكتب الناظر، وأجلسنى فى مقعد أمامى، بجوار طفلٍ جميل -صار صديق العمر- اسمه مصطفى، وحين كنت أتشاجر معه، كنت ألاحظ أن أستاذى يُعنفه أكثر مني، وكانت المفاجأة حين علمت أنه ابن الأستاذ كامل!   

لم نكن نعرف «اللانش بوكس» وكانت كل «السابلايز» قلم رصاص، وأستيكة تنام فى حقائب أغلبها من القماش، صنعتها أمهاتنا بخيوط من الصبر وحشت جيوبها بوعودٍ محفزةٍ على التفوق.
وداخل فصول مبنية بالطوب اللبن، كنا ندون الأحلام على سبورةٍ مليئةٍ بالحُفر، ونمسح الأحزان بـ«أستيكة» ثمنها ثلاثة قروش!

وفى الفُسحةِ.. كنا نشترى طبق الفول النابت، مرشوشًا بعطف امرأة، كانت لنا أم، ونلتهمه وسط رائحة الغيطان. مر على تلك الذكرى سنوات بعيدة، ولكنها لا تزال طازجة فى خاطري، وكلما هلَّ أول يوم بالدراسة أترحم عليها، وأتذكر أستاذى الذى أحبه، وأسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية.