الحديث عن المهرجانات السينمائية في مصر ربما يكون مكررًا، وقديمًا، لكنه أمر اعتدناه مع حال المهرجانات التي تبدو وكأنك تسير بين بقايا جثث، الوضع المتهالك المكرر، نختار أحيانًا الانحياز له آملين في أن يعبر حواجزه، ونغض البصر كثيرًا عما آلت إليه الظروف؛ وهو خطأ نعترف به حالمين بأن تأتي نسخه المقبلة أقوى وأهم، نسعى لتقويمه وإضاءة جوانبه الإيجابية ونرفع القبعات لكل جديد يلمسه، ونشد على يد صغيره قبل كبيره؛ ونحن نعلم أنه سلاح مهم في معركة الوعي، نفخر بالقليل الذي يتم إنجازه ونعظمه في كثير من الأوقات ونضع أيدينا على مواطن ضعفه رغبة في أن تؤدى المهرجانات المصرية السينمائية دورها...
بعيدًا عن هذه الحالة التي تصيبنا مع كل بداية لموسم المهرجانات، يبقى عدة أسئلة ربما تكون مكررة هي الأخرى لكنها تحتاج دائمًا إلى إجابات ربما لا نجدها لكن خيبة الأمل في الإجابة لا تعيق السؤال ولن تثنينا عن تكراره ولن تمنعنا من طرحه.
الأسئلة في مادة مهرجانات السينما من داخل المقرر وفي مستوى المسؤول العادي- الأقل حتى من مستشار وزارة الثقافة الدكتور خالد عبد الجليل الذي يجلس في موقعه مع كل وزير جديد وكل عهد جديد بثقة يحسد عليها الرجل المسؤول الأكبر عن مهرجانات السينما- يستطيع الإجابة عليها ببساطة تضمن له مجموعًا كبيرًا.
لماذا رحل رئيس المهرجان القديم ولماذا جاء الرئيس الجديد؟
لم يخرج علينا أحد بإجابة واضحة عن أسباب رحيل محمد حفظي عن مهرجان القاهرة ولا نعرف أسباب رحيل حسين فهمي من قبل ولماذا ترك سعد هنداوي مكانه قبل أن يتم العام في مهرجان الإسماعيلية، ومن قبله لماذا رحل عصام زكريا... وبالطبع لا نعلم ولم تُعلن أسباب عن عودة فهمي وزكريا... الشفافية تقتضي أن نعلم سبب الرحيل وأسباب الحضور مع الاعتراف بأهمية من رحل ومن جاء.
متى نرى أفلام الكبار في عرض أول؟
يزف إلينا كل رئيس جديد لمهرجان القاهرة تحديدا أخبار ترحاله إلى مهرجانات السينما الكبيرة، “كان” و”فينسيا” و”برلين”، رحلات الوعي التي تتجدد مع دورة ربما يرى البعض أنها حصة ترفيهية لكن الرجل الذي يسافر ولا نعلم تحت أي بند صرف ومعه من يساعده؛ يذهب لاختيار عدد من الأفلام التي سوف تعرض في النسخ المقبلة، ربما يذهب أيضًا للقاء نظيره في “كان” و”فينسيا” أو يعقد جلسات عمل لا تقدر بثمن مع صناع المهرجانات من أجل الاستفادة وهو عمل محمود الحقيقة، ثم يزف لنا المهرجان أخبارًا أكثر أهمية بعدها بالتعاقد مع عدد من أفلام كان وفينيسيا وغيرها للعرض فى مهرجان القاهرة وهى أفلام الحقيقة دائماً ما تكون مهمة لمحبى السينما الذين لا يجدون وزارة تدعم سفرهم للمهرجانات وهى أيضا درر العام ويكفى أنها تعرض عرضًا أول فى “كان” و”فينيسيا” و”برلين” وغيرها، وهو عمل يستحق عليه الشكر والثناء حتى مع وجود مبرمج عالمى لكل مهرجان يتقاضى أموالًا لجلب هذه الأفلام وهذا عمله الأصلى ولكن الحقيقة يبقى السؤال، متى نرى أعمال الكبار فى عرض أول فى مهرجاناتنا؟.
“القاهرة السينمائي” مهرجان كبير بحكم تاريخه وتصنيفه ولكن مسابقته الرسمية لا تشهد منذ سنوات عرضًا أول لكبار الأسماء التى تفضل عليه مهرجانات تم التسليم بأنها أهم واقوى دون حتى المحاولة مع صناع هذه الأعمال، كنت أظن أن المحاولة مطلوبة، يعلم الجميع مَن مِن كبار المهنة لديه فيلم وتتواصل المهرجانات معه قبل حتى أن ينتهى منه لإقناعه بعرضه فى مسابقتها الرسمية وهو أمر لا يقلل من المهرجان إطلاقًا، الذى يفخر بأن مسابقته الرسمية بها هذه الأسماء كما نفخر نحن بعرضها فى القاهرة بعد أن يشاهدها العالم.
ما هي أجندة رئيس المهرجان وأولوياته؟
يملك كل رئيس جديد أو قديم للمهرجانات على حد سواء أجندة خاصة لنسخة المهرجان القادمة أو هكذا نظن، بعضهم يضع في أولوياته فعاليات المهرجان من أفلام وندوات ودروس خاصة ومحاضرات وشراكات عالمية وبعضهم يصر على أن تصبح أولوية مهرجانه في كود ملابس الافتتاح والأسماء التي تحضر من النجوم ويهتم بهم أكثر من أي شيء آخر، أولويات رئيس المهرجان تحترم لكننا نريد أن نعرفها حتى نضع نقاطنا فوق حروفها لتكتمل الصورة.
تنمية الموارد أم تكييف الميزانية؟
يبقى الوضع الاقتصادي لأي مهرجان مهمًا بقدر أهمية الوضع الفنى، لكن للأسف هناك مهرجانات تجد فى ضيق ذات اليد شماعة تعلق عليها أى إخفاقات، “الميزانية حكمانى” جملة كثيرًا ما نسمعها من رؤساء المهرجانات التى تحصل على دعم حكومى ولا نعلم هل فكر القائم على هذه المهرجانات فى تنمية مواردها؟ وما هى سبل وطرق زيادة هذه الميزانية أم أنه يكتفى بما خصص له من دعم ويتكيف معه؟ بالمناسبة سبق أن تحدثت عن طرق بسيطة لتنمية موارد مهرجانات كثيرة مثل “كان” منها على سبيل المثال لا الحصر الهدايا التذكارية التى تحتفى بالنسخة ورقمها وتباع بملايين اليوروهات وهناك أمثلة كثيرة.
دراسة محتوى للجمهور... ممكن؟
هل أجرى صناع المهرجانات المصرية دراسة محتوى للجمهور المستهدف في المقام الأول لأي مهرجان؟ هل يعي القائم على هذه المهرجانات أن جمهور السينما تغير في السنوات الماضية؟ هل هناك جمهور حقيقي أصلاً؟ ربما نحتاج لنعرف ذلك وربما يحتاج صناع المهرجانات أن يتعرفوا على جمهورهم أكثر خاصة تلك التي تقام في محافظات مختلفة بعيداً عن القاهرة، حتى لا يكون جمهور المهرجانات هم من تتم دعوتهم فقط من العاصمة، وحتى تأتي بثمارها وليس عيبا أن تتوجه بالسينما إلى جمهور مختلف، فلا أرى أي أزمة في أن يخصص مهرجان مثل الإسماعيلية للسينما التسجيلية والروائية والذي يقام تحت مظلة المركز القومي للسينما أعمالًا عن أساطير كرة القدم فى المحافظة الجميلة المعروفة بشغفها الأكبر للرياضة عن السينما، فما المانع من أن يقدم المركز ويعرض فى المهرجان أفلامًا تسجيلية عن الراحل محمد حازم أو عن الكبير على أبو جريشة وغيرها لتعرض على الجمهور من باب استقطابه ومن باب التوثيق أيضًا... المهم أن يحضر الجمهور الحقيقى.
هل نستغل الساحة الخالية؟
بعد ابتعاد مؤقت لمهرجان الجونة دون أسباب معلنة أيضًا، وبعد اختفاء مهرجانات إقليمية كثيرة للسينما أصبح للمهرجانات المصرية القادمة والدولية منها بشكل خاص فرصة ربما لا تتكرر كثيرًا لاستغلال الساحة الخالية... فهل عمل صناعها على ذلك، هل هناك خطة استقطاب لملء الفراغ؟ هل هناك سعى أصلًا لذلك؟ نتمنى أن يكون خلو الساحة دافعًا.
ما هو دور رجال الأعمال والاستثمار؟
دائمًا في مهرجاناتنا تظهر أسماء بعينها لرجال أعمال ربما يسيطر عليهم شغف السينما، يتحمسون ولكن بعد فترة يختفون، الأسماء كثيرة بداية من عادل حسني وليس انتهاء بنجيب ساويرس قبل أن ينفرد بمهرجان خاص به وأسرته... فهل هناك خطط ما لدعم رجال الأعمال وهل هناك مزايا لتشجيعهم في الاستثمار في المهرجانات؟ وما هو الدور الذي سوف يلعبونه إذا حدث ذلك؟
أسئلة مقرر المهرجانات كثيرة وتحتاج إلى الكثير من الصفحات والكثير من الإجابات... ولن نمل من تكرارها... فنحن نعلم أهمية المهرجانات حتى لو كانت أسئلتنا بلا إجابات.