أشرف شرف يكتب.. أنا حزين ياهويدا

الراحلة هويدا فتحي
الراحلة هويدا فتحي

الموت يختطف عشاق الحياة، ويمنح القلوب المرتعشة طوقا للنجاة، أنا حزين ياهويدا، لأنني ربحت الرهان، وانتصرت آلامك على آمالك، ووهنت مقاومتك فى ذروة انتصارك، وأنطفأت شمسك فى عز نهارك.

كان رهانى الجدلي معك أن اللقاء هو البداية لموعد الفراق، وأن الميلاد يعقبه العد التنازلي للرحيل، وكانت اعتراضاتك: «لماذا تكتب شعرا حزينا؟، وأن الحياة قد تمنح محبيها لقاء جديدا بعد الفراق، والليل الذي يطول على الساهرين ينطوي في غمضة عين لعشاق الصباح».

أنا حزين ياهويدا، زميلتى العزيزة، للإنهيار المفاجئ لقدراتك البارعة على التجمل وإخفاء الآلام، عندما سألتك عن أسباب اختفائك الطويل، تهربت كلماتك، أخبرتينى إنها «المرارة» وآلامها المؤقتة، وعندما أدهشتنى غيابات العذوبة المميزة لصوتك عبر الهاتف، كانت حجتك إنها نوبات سعال متقطعة، وقدمت لك نصائح ساذجة، فلم أكن أدرى أن الليل قد وضع بذرته المظلمة فى صدر نهارك.

أنا حزين ياهويدا، وأنا أتذكر خلافاتنا، أنت تحبين أغانى وشخصية الفنانة «صباح»، وأنا أفضل «فيروز»، وكنت أمازحك: «لإن اسمك متطابق مع اسم إبنتها»، ولكن مبررك كان هو عشق الشحرورة للحياة وقدراتها على تقديم النموذج لتحدى الزمن.

أنا حزين ياهويدا، لأن محطات الرحلة مضت مسرعة، عبر وثبات خاطفة، منذ صدور قرار التعيين فى «أخبار اليوم» لكلينا سويا فى ورقة واحدة، وانضمام الاسمين لنقابة الصحفيين فى نفس اللجنة بتاريخ واحد، وامتداد التنافس المحفز على الإبداع بيننا، لسنوات كانت الصحافة لها بريق ودوى صاخب، وانتشار مؤثر، ونجاح لافت. 

أنا حزين يا صديقتي، لإننى تلكأت سنوات طويلة فى تلبية دعواتك المتكررة لزيارة قريتك، واليوم أزورها للمرة الأولى والأخيرة، مودعا وداعيا، أن تكون رحلتك الجديدة مضيئة، كالصباح، فى توقيت تحبينه فى وضح النهار، ورغم أنك تركتينا لساعات الليل الطويلة، لكننا نأمل أن نلحق بك فى نهار آخر، لايأتى بعده ليل، تسطع فيه الشمس إلى الأبد.