عصام السباعي يكتب: البداية .. قلب الحنفية !

عصام السباعي
عصام السباعي

طال إمساكه بكفى لوقت طويل وممل، وكان لون عينه يتغير وصوته يضطرب لدرجة لفتت انتباه زملائى وتندروا عليه كثيرا، ولم يقل لى سوى أننى سأعبر بحورا وسأتزوج مرتين.

الخميس :
سعادتي لا توصف بما أعلنه المهندس حسن مبروك رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية بغرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، الخبر السار هو نجاح صناع مصر في  تصنيع قلب خلاط الحنفية محليا، ما أسعدني أكثر أن الصناع في قلب مصر النابض « اتحاد الصناعات » ، بدأ في بحث السلع و مستلزمات الإنتاج التي يمكن تصنعيها محليا بدلا من استيرادها، ومنها علي سبيل المثال سلعة بسيطة جدا لا يتخيلها أحد وهي المسامير ، تلك الخطوة أعادتني للوراء نحو ربع قرن أو أكثر ، حيث عايشت وعن قرب كل خطوة تمت في لجنة كان قد شكلها الدكتور كمال الجنزوري ببنك الاستثمار القومي تحت اسم « لجنة تعميق التصنيع المحلي « ، ورأسها الرجل العظيم الدكتور مختار هلودة ، وكان يرأس وقتها جهاز الاحصاء ، وكان ذراعه اليمنى هو العميد عادل السيد ، كانت تلك اللجنة كاشفة لسفه الاستيراد والفئة المنتفعة منه ، كما كانت كاشفة لدرجة كبيرة لقدراتنا التصنيعية الهائلة في الانتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع ، والهيئات التصنيعية العامة والخاصة .

نجحت اللجنة في تصنيع أشياء صغيرة ولكن استيرادها كثيف ، مثل مسامير وكلبسات قضبان  السكة الحديد ، وتم معايرتها في بريطانيا ، إضافة لخطوط انتاج المياه الغازية ، وغير ذلك كثير، وماتت تلك اللجنة بمجرد خروج الدكتور الجنزوري من المسئولية . ما أريد أن أقوله هو أن التصنيع مسألة حياة أو موت ، هو المستقبل ، هو القاطرة التي تسحب معها البحث العلمي للأمام ، وتدفع الاقتصاد الى الوضع الأفضل ، وهي أيضا الدجاجة  التي تبيض لنا الدولار والذهب ، ولابد أن تكون هناك رؤية واستراتيجية شاملة لهذه العملية ، يتم  فيها توظيف السياسة الضريبية ، ومثلا ، فأنا لا أتخيل أننا نشجع الطاقات المتجددة  والاقتصاد الأخضر ، ونجد أن سخانات الكهرباء تتمتع بوضع تنافسي ومتاحة أكثر وأرخص أمام المستهلك،  في حين أن السخانات الشمسية تعاني ، واعتقد ان الدولة منتبهة لتلك القضية ، وقد كان الاهتمام بالتصنيع المحلي من التوجيهات الاساسية للرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة  ، وأعتقد أننا ماضون في ذلك الطريق بخطي ثابتة ، حيث يتزايد المكون المحلي في العديد من المشروعات القومية ، ولابد أن نواصل السير في ذلك الاتجاه لأنه هو صانع المستقبل .

رائحة سبتمبر، وبشائر أكتوبر!
الجمعة :
عندما يقترب شهر أكتوبر من كل عام، وتعلن رياح الخريف عن نفسها، وتتلاعب بأوراق الشجر وترديه أرضا، ثم تطير به فى كل مكان، عندها يطول حديثى مع نفسي، ولم يحدث فى أى مرة أن قسوت عليها، وينتهى الحوار دائما بحمد الله الذى وهبنى طفولة رائعة ووالدين رائعين، ونعمة الاختيار والرضا، وهل هناك نعمة أكثر من أن تختار ما تحب، وأن لا يجبرك أحد على أى شيء لا تحبه، فى العمل والأصحاب، وساكنة القلب ورفيقة الحياة، وأن يهبك الأبناء الخلوقين ويعوضك زوجة من أصحاب الخلق الرفيع، ولكن خريف هذا العام غير كل عام، شعرت به مختلفا، نعم هى رائحة سبتمبر، وبشائر أكتوبر، هى نفس ألوان الخضر والفواكه وخاصة الأصفر والأحمر، ولكن هناك شيئا مختلفا فى صدري، لأنه أكتوبر الأخير قبل بلوع سن الستين وبدء مرحلة التقاعد وخريف العمر، وأعترف لكم بأن ذلك الشيطان الذى رافقنى طوال عمري، وكان يراودنى عن نفسى فى أشياء كثيرة، وكان الفشل قرينه فى كل مرة، كاد أن ينجح فى أن يجعلنى أحطم أجمل ما فى حياتي، وهو رضايَ عن نفسي، فقد تسلل شيطانى إلى أضعف جزء فى بنائى وهم أبنائي، وقال لى وهو يلبس رداء الواعظين: لماذا ظلمتهم ولم تترك لهم أى شيء أو مال كما فعل معك والداك، لماذا رفضت كذا وترفعت عن كذا لحجج واهية وأسباب غريبة، وبدأ يراجع كل المواقف التى «رفست» فيها النعمة وركلتها بقدمي، وكدت أقع فى حبائل شيطانى الذى حصر رزقى فى أشياء تروح وتجيء فى لحظة، وأصبح يحرضنى على هجر قناعتى برزقى ورضاى عن نفسي، وتذكرت قصة سيدنا الخضر مع سيدنا موسي، فما يدريك أى بذرة قد غرسناها أين تنبت وكيف وماذا ستثمر، وتذكرت أبى رحمه الله الذى غادرنا منذ 34 عاما ولازال يطل بخيره علينا، وحمدت الله الذى يمد علينا بستره وفضله فى أشياء تظل وتبقى حتى يوم الحساب !

صديقا العمر .. «أفيل وديكسا» !
السبت :
أعيش حياتى منذ سنوات طويلة على أن كل يوم هو الأخير، فقد عشت مرات عديدة لحظة الدهشة من مواقف مميتة تمر بسلام، وكنت بطل حكايات عديدة جعلتنى لا أحسب حياتى بما جمعت من ما، بل بالمواقف التى مرت على بسلام، اتذكر قصة عشتها قبل ثلاثين عاما مع «حسام» الصديق المشترك لى مع زميل عمرى الأستاذ عمرو محسوب رئيس قطاع الاعلام المحلى بالهيئة العامة للاستعلامات، لا تهمكم تفاصيلها، ولكن نهايتها أن «حسام» كان يمشى فى أحد الشوارع المؤدية لميدان زين العابدين بالسيدة زينب فمات بعد أن سقطت عليه بلكونة فى مبنى حديث، وتتعدد الحكايات، وأتذكر أننى فى شهر أغسطس من صيف عام ما فى نهاية الثمانينيات، كنا فى الإسكندرية لحضور اجتماع «لست وحدك» مع العظيم الراحل مصطفى بك أمين فى مكتب أخبار اليوم التاريخى القديم بشارع صفية زغلول، وبعدها ذهبنا لفندق فلسطين، وأثناء جلوسنا فى التراس، انضم لنا قارئ كف هندى أخذ يقرأ كفوفنا، وعندما جاء دوري، طال إمساكه بكفى لوقت طويل وممل، وكان لون عينه يتغير وصوته يضطرب لدرجة لفتت انتباه زملائى وتندروا عليه كثيرا، ولم يقل لى سوى أننى سأعبر بحورا وسأتزوج مرتين، وواجهت الموت أكثر من مرة فى التسعينيات، فوق جبال مدينة قب اليمنية، وفى الجزائر، وعلى الطريق ما بين مدينتى بولاوايا التجارية وهرارى عاصمة زيمبابوى والطريق البرى ما بين الأردن والعراق، وجربا التونسية وليبيا، أما أخطر تلك الأزمات فحدث فجر يوم منذ أكثر من ربع قرن، عندما عدت لمنزلى بعد سهرة طويلة فى جريدة الأخبار، واستيقظت وأنا أختنق ولا أستطيع التنفس لوجود بالونة تلتصق بسقف حلقى ولا تجعلنى قادرا على التقاط أى نفس، وفورا كنت فى طوارئ أحد المستشفيات، وبدأت رحلتى مع حقنتين الأولى أفيل للحساسية، والثانية «ديكسا» وهو اسم دلع أطلقه الأطباء عليها، وأصبحا رفيقاى لا أنسى اسميهما فى أى أزمة، وجاء يوم عشت فيه أزمتى الكبرى فى حادث السير المدمر الذى دق عنقى وخطف روحى ابنى يوسف ووالدته رحمهما الله، ولهما تبعات فيها تدابير من الله حفظت حياتى وحياة ابنيَّ اللذين انقذتهما العناية الالهية، وحياتى التى عوضنى الله بعدها خيرا، وقبل أيام استعنت بصديقى العمر وأنا على بعد مئات الكيلومترات وسط صحراء مصر الغربية، ولا أدرى كم شعرت بالسعادة وطبيب الطوارئ ينادى على الممرضة «أفيل وديكسا».. والحمد لله على نعمة الله لى بأننى علمت أن الحياة رحلة قد تنتهى فى اى وقت، فكن انسانا قدر ما تستطيع من وقت!

حاكموا هؤلاء الآباء المجرمين!
الأحد :
استأذن السائق فى الخروج من الطريق الساحلى الدولى لدقائق، وسار فى الطرق الداخلية لقرية علوش بمرسى مطروح، وعدنا للطريق مرة أخرى مرورا بطريق سيدى براني، وقبالة أحد المصانع التى شاهدت لافتته من بعيد، أشار لى السائق إلى مشهد لا أنساه، سيارة نقل مغلقة فيها بعض الشباب، وسيارتين على جانب الطريق، تبادل ركابهما بعض الأوراق، وقال لى السائق: هنا يتم تسليم المهاجرين غير الشرعيين، ولم يفارق ذلك المشهد بالى منذ عشته قبل شهرين، حتى شاهدت بالصدفة فيديو لإحدى الفضائيات الليبية، مع أطفال وصبية مصريين تم ضبطهم واحتجازهم فى مركز نجدة طبرق، عددهم كما يقول مقدم التقرير 287 من عدد من المحافظات المختلفة، وسمعت حكايات الأطفال، وكلهم يؤكدون أنهم خرجوا بعلم أهلهم، وأن والد كل منهم هو الذى جمع الفلوس ودفعها لعصابات التهريب، وهو الذى سلمهم بيده إلى تجار البشر، استطيع وصف مشاعر كل طفل منهم ما بين اللامبالاة وبين الاحساس بالتوهان والضياع، وأستطيع أكثر وصف مشاعرى تجاه ذلك المشهد الكئيب، وتقديرى العظيم لكل الجهود التى تم بذلها خلال الفترة الماضية، والنجاح الذى حققته مصر فى ذلك الملف، ولكن المؤكد أنها لن تتوقف بسبب أطماع الآباء، وأحلام البعض بتحقيق الثراء فى أوروبا، والمكاسب التى يحققها المجرمون من تجار البشر، ولكن لى رجاء أن تتم محاكمة كل أب يثبت أنه حرض أو سمح أو ساعد ابنه على الدخول فى تلك الجريمة اللاإنسانية.

كلام توك توك:
الإعلام الرياضى يحتاج إلى مقشة وبرميل فينيك!
إليها:
كل ضحكة على وجهك، هى إشراقة لفجر جديد.