إبداع الأخبار| الجدار الفاصل

أحمد محمود على
أحمد محمود على

بقلم :أحمد محمود على

منذ وجَّه الكاتب الصحفى الكبير خالد ميرى، رئيس التحرير، بنشر إبداعات المتميزين ونصوص الشباب الناضجة من قصة وشعر، تنهمر على بريدنا سواء التقليدى أو الإلكترونى، ونحن نُرحِّب بها جميعًا ونعد بنشر المتميز منها فى أقرب فرصة، وهذا الأسبوع ننشر رباعية قصصية للأديب محمود أحمد على.

 (1) فاصل بدون تواصل..
فى اليوم الواحد والأربعين.. 
على وفاة أخيه، وزوجته فى الحادث المروع، قام العم الوحيد، ببناء جدارٍ ضخمٍ بينه وبين ابنة أخيه الوحيدة، ليفصل بين حقها فى ميراث أبيها، وحقه الشرعى فى ميراث أخيه الوحيد.    
حجرة نوم وحيدة.. حمام..   
بابٌ خلفى، غير الباب الرئيسى لباب البيت..
هذا هو ميراث الابنة (زهرة) من ميراث والدها فى البيت..
على أحد جدران حجرة نومها، ذى اللون الأبيض، راحت الطفلة ترسم زهور حديقة البيت التى اغتصبها عمها.
فور أن انتهت من الرسم..
أمسكت (أبريق) الماء الكبير، وراحت تسقى الورود، كما اعتادت؛ خوفًا عليها من الموت.
(2) فاصل آخر..
(1)
فى اليوم الواحد بعد المائة..
طلب الأخ الأكبر، من زوجة أخيه الأصغر_ الذى عذبه المرض قبل موته_ الزواج منها.. رفضت بشدة.. وزيادة فى تأكيد الرفض، راحت تقول فى ثقة:
- لقد حرمتُ جسدى على كل رجال العالم..
(2)
قام بشراء نصيب أخوته، فى بيت العائلة، الذى كان يعيش فيه المرحوم أخوه.. عرض عليها شراء نصيبها الشرعى، من إرث أخيه.
وكما رفضت الزواج منه، رفضت بيع نصيبها، الذى لم يتعد سوى أمتار قليلة..
(3)
فور أن أعطاها نصيبها الشرعى _ فى ورث زوجها، المكون من غرفة نوم وحمام وصالة صغيرة جدًا، لم يتعد طولها المترين ونصف المتر_ أقام جدارًا فاصلاً بين حقوقه، وبين حقها.. ولأنها تعلم جيدًا.. مدى عشق أخى زوجها لجسدها.. ولأنها تعلم جيدًا أنه لن يخرجها من عقله..
لذا راحت ترسم كلبًا وفيًا، بجوار باب البيت.


(3) جدار الحب الفاصل..
منذُ أن مزقت حبه بكلماتها الجارحة:
يا أخى أنا مش بحبك..
كان رده عليها:
بس أنا بحبك بجنون..
يا سيدى حب واتجنن بعيد عنى..
منذُ ذلك اليوم، وهو يحاول أن يخرج حبها من قلبه.. 
قلبه الرافض بشدة لتلك المحاولات الفاشلة.. فكر كثيرًا..
فى إيجاد حل.. حل يريح نفسه من عذابه الدائم..
توصل إلى حل أعجبه بشدة..
قرر تنفيذه..
راح يبنى جدارًا قويًا يعزل بينه وبين قلبه، النابض بحبها..
تبسم عندما نجح..
لم يعد يؤلمه سماع صوت نبضات قلبه، المحب لها بشدة.. فجأة..
وجد لسانه يقول:
(بحبها..
وفى قلبى ساكن حبها
يا ريت يا شوق توصلها ويحس بيا قلبها
بحبها..)
أمسك لسانه.. 
فجأة..
اغتسل وجهه بدموع القهر والألم.
(4) جدار الإجابة..
فى الموعد المحدد..
يدخل المدرس الخصوصى..
وكما تعودتِ، رحتِ تقدمى له عصير الليمون الذى يحبه..
دومًا يشكرك..
دومًا ابنة الهانم التى فى مثل سنك تغضب..
تغضب من هذا الشكر اليومى.
واقفة ليه..؟! يللا غورى على المطبخ مع أمك..
فى غضب شديد.. 
راحت تقولها لكِ ابنة الهانم، التى تعملين عندها أنتِ وأمك خادمتين..
تسرعين.. تبكين فى صدر أمك..
أمك التى لا تملك، غير البكاء على بكائك..
وما أن يبدأ المدرس شرحه للدرس..
حتى يتوقف بكاؤك على الفور..
من خلف الجدار الفاصل بينك وبين شرح المدرس، رحتِ تسترقين السمع جيدًا، كعادتكِ اليومية..
وكعادة ابنة الهانم، لا تعرف الإجابة عن سؤال المدرس..
على الفور ترفعين يدكِ..
لا يراكِ المدرس..
على الفور ترفعين يدكِ الأخرى..
لا يراكِ المدرس..
وقبل أن تخرج كلماتك حبيسة فمك لتقولى له:
أنا .. أنا أعرف الإجابة.. دومًا..
تضغط أمك بشدة فوق فمك..
تبكين على الجدار الفاصل بينك وبينه..
هذا الجدار القوى، الذى دومًا تحاولين إسقاطه بأظافرك.

اقرأ ايضا | د. طارق عبد العزيز يكتب : بلد مختار والسجينى ترفض «قوة الطبيعة»