كيف نكتشف لصوص الأدب ؟!

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

خلال الفترة الماضية، عادت قضية السرقات الأدبية» لتثار بكثافة على صفحات التواصل الاجتماعى، وبدت كموضوع قديم يحتل بؤرة الضوء، ويحدث نوعاً من الفوضى والتشكك، ويطرح العديد من التساؤلات حول ضوابطه، وكيفية التثبت من هذا الاتهام، وما الذى يمكننا من خلاله التأكد من أن نصاً إبداعياً ما قد استنسخ نصاً آخر، أو أعاد تشكيله إلى حد يمكن من خلاله اتهام صاحبه بالسرقة؟ 

نضع هذه الأسئلة أمام عدد من النقاد المتخصصين من أجيال مختلفة لمعرفة كيف يتعامل النقد الأدبى مع هذه السيولة فى الاتهامات والتراشق بها من جهة، ومع حالة الاستباحة العامة للإبداع من جهة أخرى، وهل يمكن أن يعطينا أدوات تضبط حالة الفوضى العامة فى المناخ الثقافى.


فى البداية يحدد الناقد المتميز د. حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة، الخطوط العريضة للسرقة الأدبية، قائلًا: «السرقات الأدبية موضوع كبير، يمثل قضية متجددة، طرحت ولا تزال تطرح خلال عصور متعددة، فى التراث الأدبى والنقدى العربى القديم كان هناك اهتمام كبير بأبعاد هذا الموضوع.

وكانت هناك محاولات نقدية متعددة للتمييز بين ما يمثل سرقة أدبية وما ليس كذلك، وما يرتبط عموماً بأخذ اللاحق عن السابق، وصيغت مصطلحات كثيرة بهذا الشأن، وفى العصر الحديث صدرت مؤلفات كثيرة أيضاً حول هذا الموضوع. طبعاً يجب التمييز بين السرقة الأدبية.

ومن ناحية، وظواهر أخرى مثل «التضمين»، و»التناص» و»الاستلهام» وما إلى ذلك من عمليات يتم خلالها الإفصاح، بطريقة ما، عن العلاقة بالأعمال السابقة. من ناحية أخرى، السرقة تنطوى، فى جوهرها، على نوع من السطو على جهود إبداعية أسبق، مع محاولة إخفاء هذا السطو.

وليس على التحاور الإبداعى مع هذه الأعمال والإضافة إليها، وما يميز السرقة الأدبية عن الأعمال التى تتحاور مع إبداعات أسبق أن التمييز يظل واضحاً، فى هذه الأعمال، بين ما ينتمى إلى مؤلفيها وما ينتمى إلى تلك الإبداعات الأخرى، كما تظل هناك قيمة إبداعية يضيفها كل عمل جديد، خلال معالجة خاصة بصاحبه، للإبداع السابق.

وبهذا المعنى يمكن أن تتعدد الأعمال الإبداعية حول فكرة واحدة، ولكن يتم تناولها خلال معالجة تتجدد مع كل عمل إبداعى. السرقات الأدبية، فى النهاية، هى نوع من السطو، وهى مبغوضة مثلها مثل كل سطو قوامه الاستيلاء على ما لا يجب الاستيلاء عليه».

شعراء نشالون!
ويشاركه الرأى الناقد د. سيد ضيف الله أستاذ الأدب العربى بالجامعة الأمريكية ويضيف قائلاً: «عند الحديث عن السرقة الأدبية، لابد من التمييز بين الثقافة الشفوية والثقافة الكتابية، وهو ما أدى إلى الانتقال من النقد القديم إلى الحديث. هناك ما يسمى بسرقة أدبية أشبه بعملية النشل حين يتعلق الأمر بالتراث الشعرى القديم، حين يكون هناك قدرة للنقاد القدامى.

ومحققى التراث من التثبت من أن هناك شاعراً لاحقاً أخذ عن شاعر سابق تشبيهاً أو استعارة أو بيتاً، أما عند الحديث عن مجال السرد، فمن الصعب أن نتثبت مثلما كان الناقد القديم يفعل مع الشعر، فى الرواية، ليست هناك سرقة أدبية فى الأفكار، فالروائى لص.

وكلما كان لصًا ماهرًا أرفع له القبعة ولا يجرم، من حقه أن يستخدم فى عالمه الخيالى ما يراه فى الواقع المعاش، والقراءات التى أطلع عليها، السرقة الأدبية ليست فى الأفكار الكبرى والتجارب النفسية، بل فى التفاصيل الصغيرة، هذه التى أستطيع أن أضع يدى عليها كناقد.

والتى يمكن أن تثبت السرقة من عدمها، لا أحد يستطيع مطالبة اللصوص المهرة بإثبات ملكية الأفكار والتجارب النفسية التى يكتبون عنها، لأنها ملكية عامة موجودة فى تجارب البشر فى الواقع أو فى قراءات.

وكل هذه مصادر الروائى، ما دامت منشورة ومعروف أصحابها، أما إذا جرى استئمان زميل على مسودة من زميل آخر وأقتبس منها ولو سطرًا أو فكرة، فهذه خيانة أمانة مجرمة، خيالك حر فيما تقرأه وتطلع عليه بشكل أمين».


أما د.جهاد محمود أستاذ الأدب المقارن فى كلية الألسن، فتقول: «لا نستطيع هنا أن نتحدث عن السرقة الأدبية من خلال قواعد عامة دون النظر إلى النص المأخوذ عنه والنص المتهم بالأخذ عن آخر، كل حالة لها خصوصية ولابد من معرفة إتقان الأديب للغة المنقول عنها؟ وهل النص مترجم إلى العربية؟ هذا أول المحددات، وظيفة النقد فى مصر أن يحدد ذلك، ويحدد مدى استعارة عبارات ونصوص كاملة، دون إشارة أم أن الأمر لا يعدو تأثرًا بالفكرة فقط، ووضعها فى إطار عالم يخصه ويخص ثقافته، أما إذا جرى نقل فقرات أو عبارات كما هى.

وتكرر هذا فى النص فهذه سرقة بالتأكيد، القاعدة العامة أنه إذا تأثر أديب بعمل أجنبى، وقام بتقديمه الفكرة من خلال ثقافته هو وبيئته هو، فقدم نصًا مختلفًا تمامًا فهذه ليست سرقة، وبصفتى متخصصة فى الأدب المقارن لا نحكم على الأشياء بهذه الطريقة، فلا يمكن الطعن فى تراثنا، وأدبائنا الكبار، لأن من يقولون ذلك تغيب عنهم مصطلحات متخصصة مثل: التناص أو تداخل النصوص.

والتأثير والتأثر وغيرها، وهى أمور تحتاج إلى متخصصين لفهمها، وقراءة فى آداب عالمية متعددة، وتقارب مع ثقافات تلك اللغات، فهناك تأثير وتأثر متبادل بين أدبائنا الكبار، ونظرائهم فى اللغات الأخرى، فهم تأثروا أيضا بالأدباء العرب الذين قرأوا لهم بطبيعة الحال.

وهذه ليست سرقة. وعلى النقاد المتخصصين المقارنة بين النصوص فى الآداب المختلفة وتحديد أوجه التقارب والاختلاف بينها، فلا يمكن ترك الأمر إلى تقديرات رواد وسائل التواصل الاجتماعى غير المختصصين».


عباءة فضفاضة!
أما الناقدة والمترجمة زينب محمد عبد الحميد فتشتبك مع ما سبق قائلة: فكرة تشابه الأعمال وتفريقها عن السرقات تكمن فى فهم الفارق بين الأنماط  أو «الموتيفات» التى يُسمح بتداولها فى الأعمال الأدبية والفنية بأنواعها، واستنساخ مخطط فنى وتقليده فيما نسميه سرقة.

بداية يقصد بالموتيف «موقف نمطى يمكن أن يتكرر دائمًا»؛ فلا يمكن اعتبار تكرار «موتيفة» الشاب الفقير الذى يحب فتاة غنية» فى عملين أدبيين سرقة؛ بل هو تداول لـ»موتيفة» تقبل التنوع والتكرار بمعالجات أدبية وفنية شتى، بينما لا يمكن أن يتصادف تطابق كتابة حكاية ما بما تتضمنه من سير أحداث وشخصيات ومعالجات فنية بأخرى؛ فلا نسمى ذاك التكرار تورادًا فكريًا أو استلهامًا، خاصة إن راح عمل لاحق يشف ويقلد الهيكل الفنى.

ومفرداته لعمل ما سابق له دون الإشارة إليه، وخلاصة القول إن قضية الاتهام بالسرقات عباءة فضفاضة، وتحتاج إلى التفرقة بين توارد الخواطر، أو استخدام صيغة أو»موتيفة» عامة وتداولها، أو الحكم باقتباس عمل أو سرقته إلى تمحيص وقراءة دقيقة منصفة ومدققة من النقاد المتخصصين».

اقرا ايضا | «كتاب مصر» : ندين السرقة الأدبية والشعراء المتهمين تقدموا بأعمال أخرى