د. طارق عبد العزيز يكتب : بلد مختار والسجينى ترفض «قوة الطبيعة»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

هل يعلم الفنان الإيطالى «لورينزو كوين» شيئًا عن تمثال العلمين؟ 

نقابة التشكيليين يجب أن يكون لها دور فى متابعة الأعمال الإبداعية

لم تصل إبداعات فن النحت لأى بلد من بلاد العالم قديما وحديثا كما وصلت فى مصر، والتاريخ شاهد على ذلك بداية من تمثال أبى الهول الذى يرمز لقوة أحد فراعنة مصر العظماء، ومرورًا بتماثيل الدولة القديمة والمتاحف المفتوحة فى كل من الأقصر وأسوان والتى تحكى لنا قيمة وعظمة الفنان المصرى القديم.

 ولو تطرقنا فى الحديث عن عظمة فن النحت المصرى فقط وأبرز النحاتين المصريين الذين تركوا لنا بصمات وأعمالاً خالدة فى ربوع مصر وخارجها..، نحتاج لكتب بل ومجلدات لكى نستطيع أن نسرد عظمة هؤلاء على مر التاريخ .. ليس هذا فحسب بل إن لدينا الآن جيلاً من النحاتين يستحق أيضًا أن يأخذ حقه وفرصته فى هذا المجال.

ولتخرج أعماله إلى النور ويرى العالم إبداعات هؤلاء الفنانين التشكيليين المصريين.. فنحن بلد أنجبت محمود مختار، وجمال السجينى، وأحمد عبد الوهاب وعبد الهادى الوشاحى .. وأسماء أخرى كثيرة لم تسعفنى المساحة هنا لذكر أسمائهم 


جهل متعمد
لم يمر وقت طويل على فضيحة اقتباس رسومات محطة كلية البنات بالمرحلة الثالثة للمترو وصاحبتها غادة والى، التى ثبت سرقتها لتصميمات فنان أجنبى بعد أن تم وضعها على جدران محطة المترو وشاهدها الجميع، وأحدثت ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعى، مما تسبب فى إزالتها عن طريق الهيئة القومية للأنفاق.

 

بل وتقديم اعتذار رسمى للفنان التشكيلى الروسى «جورجى كوراسوف» عن استخدام رسوماته وتصميماته الفنية .. وأكدت الهيئة على احترامها الكامل لحقوق الملكية الفكرية للفنانين داخل مصر وخارجها.


والغريب أن الشركة التى نفذت تلك الرسومات قالت ان هذا العمل عمل جدارى، ثم فوجئنا جميعا بأن العمل مطبوع وظهر ذلك عند إزالته من على جدران المحطة فى مشهد يدل على جهل من المنفذ ومن أسند له العمل، فالعمل الجدارى له مواصفات أخرى يعرفها المتخصصون، وتشهد محطات مترو الأنفاق فى المرحلتين الأولى والثانية على ذلك .. والتى قام بتصميمها وتنفيذها أساتذة وفنانون كبار.


تلك الواقعة مما لا شك فيه أنها أساءت لجموع الفنانين التشكيليين المصريين، وتسببت فى ضرر كبير لم يستحقه الفن المصرى الذى سطر تاريخًا طويلاً فى كل فروعه.


قوة الطبيعة
ورغم الصدى المدوى الذى تركته فضيحة محطة كلية البنات، والتى تبعها عدة إجراءات صعبة .. إلا اننا مازلنا مصّرين على الإساءة وتشويه الفن المصرى من خلال بعض الجهلة والمنتفعين ..
فقد فوجئنا منذ أيام بحالة أخرى فى مدينة العلمين الجديدة .. حيث ظهرعمل نحت ميدانى بعنوان «قوة الطبيعة» للنحات الإيطالى «لورينزو كوين».

وهو ابن الممثل الشهير أنطونى كوين الذى لعب بطولة فيلم «عمر المختار».. وبالبحث عن ماهية هذا التمثال اتضح ان الفنان نسخ منه 4 نسخ  تم وضعها فى 4  بلاد مختلفة « سنغافورة، ايرلندا، الصين، موناكو» ولم يُذكر حتى الأن أن هناك أى نسخ للفنان فى أى بلد آخر .. أو فى مصر على وجه التحديد.

لكن هناك بعض الأقاويل التى تفيد بأنه تم شراء نسخة للتمثال عن طريق إحدى الشركات المتخصصة فى تسويق أعمال الفنانين من أنحاء العالم عبر طريق الانترنت .. لكن على الجانب الآخر لم يتم تأكيد المعلومة أو نفيها من أى مسئول حتى الان، لكن إذا كانت هذه هى القصة الحقيقية .. فلماذا لم يتم التنويه عنها، ولماذا لم ينشر الفنان الإيطالى تلك المعلومة على صفحته؟!


من المسئول؟
ورغم أن هناك اختلافا بين قاعدة التمثال الأصلى للإيطالى «لورينزو كوين»، وبين قاعدة تمثال العلمين الجديدة .. إلا أن هذا الاختلاف أحدث خللًا بالعمل الأصلى .. فالعمل الأصلى قاعدته خلقت حالة من التوازن أضافت بعدًا وجمالًا للعمل.

فى حين أن القاعدة الأخرى لتمثال العلمين أفقدته تلك الميزة والبعد الجمالى .. وهذا يضعف صحة المقولة التى تفيد أن هناك شركة متخصصة أشترت نسخة من الفنان لوضعها فى العلمين حتى ولو كانت تحمل توقيع الفنان .. فلو صحت المقولة لما تغير شىء فى التصميم.


لكن السؤال الأهم هنا .. من المسئول عن هذا التخبط؟ وأين النحاتون المصريون من هذا العبث، فالمجتمعات من المفروض انها تثير بخطى حثيثة من أجل تقديم ابداعاتها فى شتى المجالات.. 
وامتدادًا لما تقدم لا يمكن أن يكون هذا هو حال ووضع الإبداع فى مصر.

فهناك افتراضات خاطئة كثيرة بالأساس، وتصدر من غير المتخصصين للأسف، فتعريف عملية الإبداع لدينا بها خلل وعوار متعمد، ويجب على من يتصدر هذا المشهد أن يعى أن الإبداع بشكل عام فى حاجة إلى إنتاج جديد من أجل المجتمع.

لسنا فى حاجة لتقليد أحد أو نسخ أعمال من أحد.. فالثقافة المصرية غنية وتراثية ويستلهم منها العالم أجمع فى ابداعاتهم .. ونحن للأسف نسير وراء الحداثة التى تسلبنا هويتنا الأصيلة.  


أهل الخبرة
السؤال الذى أود طرحه على السادة المسئولين .. لماذا لم تظهر أعمال فنية مسروقة فى مراحل مترو الأنفاق الثلاث إلا هذه الأيام رغم مرور أكثر من 30 سنة على انطلاقه؟! .. والإجابة واضحة ..لأنه تم الاستعانة بأهل الخبرة فى هذا المجال من الأساتذة المشهود لهم بالكفاءة من خلال مسابقات دقيقة وحيادية أمثال الفنان المعمارى سامى رافع الأستاذ السابق بالفنون الجميلة.

وصاحب تصميم نصب الجندى المجهول بمدينة نصر، والذى قام بتصميم جداريات 19 محطة مترو تقريبًا فى الخط الثانى، وهناك جداريات فى الخط الثالث نفذها عميد كلية الفنون الجميلة السابق محمد مكاوى.

 

 

لذلك يجب أن يكون لنقابة الفنانين التشكيليين دور رئيس فى تلك المشاريع الإبداعية .. وتكون هى الجهة المنوطة بالإشراف على هذه الأعمال.. فضلا عن أنها المسئولة عن حدوث أى خلل أو اقتباس أو غش .. باختصار يجب أن يكون هناك مسئول أو جهة متخصصة يتم محاسبتها فى النهاية.. ويجب على الهيئات والشركات والمؤسسات أن تعى ذلك جيدًا وتلجأ للنقابة التى ستقوم بدورها دون مقابل.

اقرأ أيضا | «من روائع تراثنا الشعبي» معرض بقصر الأمير طاز