أخر الأخبار

يحدث فى مصر الآن

احتضان العرش والنعش

يوسف القعيد
يوسف القعيد

كغيرى من البشر تابعت الجنازة المهيبة التى ودَّع فيها العالم ملكة بريطانيا، رحلت عن 96 عاماً. وحضر جنازتها عدد كبير من قادة العالم. تقول كتب التاريخ أن مثل هذه الجنازة لم تحدث سوى عند رحيل ونستون تشرشل "30 نوفمبر 1874 - 24 يناير 1965".

ومصر كان لها وجود عندما اتصل الرئيس عبد الفتاح السيسى بالملك الجديد معزياً إياه. ثم أناب الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء ليسافر للندن لحضور الجنازة. وكتب مدبولى كلمة بليغة فى دفتر التعازى.

استضافت كاتدرائية وستمنستر مراسم التأبين بحضور زعماء العالم اللذين جاءوا ليعزوا فى رحيل أطول ملوك بريطانيا عمراً. ظلت بالحكم 70 عاماً.

وربما كانت هذه الجنازة من أهم جنازات القرن الحادى والعشرين. فقد حظيت بحضور ومتابعة غير عادية من الإعلام العالمى جميعه.

لم تتخلف أى وسيلة إعلامية. واعتبروا أن تواجدهم مسألة مهمة. تابعت كل هذه المراسم وأنا أسأل نفسى عن موقفى من رحيل الملكة.

فالموت لم يعد قصة مثيرة وبعيدة الاحتمال عن الإنسان. وكل البش مُعرَّضون له. لكننى لم أستطع أن أنسى أبداً أن الإنجليز إحتلوا بلادى من سنة 1882 وحتى 1952، سبعون عاماً كانوا هنا فى مصر.

ولولا ثورة يوليو التى قادها عبد الناصر ما كانوا قد خرجوا. صحيح أن خروجهم سابق على الثورة. ولكن الثورة كانت مهمة فى تأكيد وطنية البلاد وقادتها أبناء مصر العظام. لكن كل هذه المشاعر الوطنية وهى من الأمور الطبيعية لم تمنعنى من متابعة الحدث لحظة بلحظة.

فرغم ازدحام وقتى ووجود أمور كثيرة تستحق منى المتابعة. إلا أننى تفرغت تماماً لمشاهدة الحدث المهم. وقد تم هذا دون تخطيط مسبق منى وربما أقول دون رغبة كبيرة، ولكنها الحالة التى عمت العالم كله من مراسم وداع الملكة. وكانت وقائع جليلة.

وبسبب حجم قادة العالم اللذين توجهوا إلى لندن وملايين البريطانيين اللذين كانوا هناك.

وحرصوا على أن يكونوا موجودين فى نفس الحدث المهم. لدرجة أن الرئيس الأمريكى لم يستطع أن يجد مكاناً سوى فى الصف الرابع عشر، وجلس فيه مع زوجته راضياً مرضياً. رغم كل ما تمثله أمريكا للعالم اليوم. لكن الإعلام الغربى له سطوة علينا مازالت موجودة وتمارس هيمنتها فى كل مناسبة وأخرى.

لدرجة أننى تساءلت خلال متابعتى بما يجرى أمامى: هل كانت هذه الملكة بالذات أكبر من الملكية نفسها؟ خصوصاً أن الجميع قارن بين جنازتها وبين جنازة تشرشل التى لم أعاصرها. ومنذ أن كنتُ فى قريتى البعيدة وللجنازات مكانٌ مهم فى اهتماماتى.

أيضاً نقلت لىَّ الصحف المصرية أن جرائد العالم كله بجميع لغات الدنيا الراهنة الآن أبدعت فى رثاء الملكة. وأن أخبار الجنازة تصدرت صحف الدنيا كلها. وأن بعض الصحف أرسلت فريقاً كاملاً من المراسلين لنقل أخبار الجنازة لحظة بلحظة وأولاً بأول.

ومنذ أن كنت فى قريتى تعلمت ضمن ما تعلمته أن أطلب الرحمة من رب العباد لمن سبقونا إلى العالم الآخر، وها أنا ذا أطلب لها الرحمة بعد كل هذه السنوات التى قضتها فى حكم بلادها التى لم تكن تغرب عنها الشمس.